الفشقة.. “صِراعٌ مُزمنٌ” يمضي نحو الحَسم
وفد حكومي زار أسمرا والتقى أفورقي
الخرطوم- الصيحة
منذ أكثر من شهرين وتزامناً مع توتُّر بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التغراي، توتّرت الحدود السودانية، إذ لم ينقض وقتٌ طويلٌ على بداية الحرب في إثيوبيا حتى توتّرت العلاقة بينها والسودان فيما يتعلّق بملف الحدود، بعد أن قرّر السودان الانفتاح على جميع أراضيه الشرقية، وكان الهدف منع قوات التغراي من اتخاذ الأراضي السودانية ملجأً لضرب إثيوبيا، فكان أن انفتحت القوات المسلحة في مناطق الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى المُتاخمة لإثيوبيا، وتمكّنت من استعادة أراضٍ سودانية ظلّت تُسيطر عليها عصابات “الشفتة” كما تقول حكومة أديس أبابا لنحو ربع قرن، لكن إثيوبيا اعتبرت ذلك تعدِّياً على أراضيها، خاصّةً بعد أن كشف الجيش السوداني الذي خاض معارك ضارية، إن من يقاتلونهم ليسوا عصابات أو مليشيات، ولكن عناصر من الجيش الفيدرالي الإثيوبي.
بُعدٌ إنسانيٌّ
ورغم أن القوات المسلحة السودانية استطاعت بسط سيطرتها على كامل الأراضي السودانية وإغلاق الحدود، إلا أنها ومنذ اندلاع حرب التغراي، ظلّت تفتح الحدود لمرور اللاجئين الفارِّين من الحرب، وتُساعد في وصولهم إلى معسكر الاستقبال بالأراضي السودانية، قبل أن تقوم الأمم المتحدة بترحيلهم إلى معسكر “أم راكوبة” الذي امتلأ تماماً، ما دفع الأمم المتحدة لفتح معسكر آخر في منطقة “طنيدبة” ظل يستقبل اللاجئين حتى الآن، وتُقدِّر الأمم المتحدة عدد اللاجئين الواصلين حتى أمس بأكثر من (56) ألف لاجئ، مُعظمهم من إقليم التغراي.
وقالت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس “الجمعة”، إن اللاجئين الإثيوبيين ما زالوا يُواصلون العبور إلى السودان من منطقة التغراي في إثيوبيا. حيث اضطر (56.000) شخص للفرار منذ نوفمبر، وأفادوا عن استمرار العنف والإساءات، خَاصّةً على أيدي المليشيات المسلحة.
وأضافت مفوضية اللاجئين في بيانٍ لها “ما زال السودان يستقبل اللاجئين رغم التحديات ويجب على المُجتمع الدولي دعمه”.
ظِلالٌ سالبةٌ
تحفّظت إثيوبيا كثيراً على انفتاح الجيش ودفعت عاجلاً بوفد عالي المُستوى لبحث أزمة الحدود، توصّل لاتفاق بأن تعقد لجنة الحدود المُكوّنة من الجانبين اجتماعات للوصول إلى حَلٍّ، خَاصّةً وأنّ إثيوبيا ترفض الحدود المُعترف بها دولياً منذ العام 1902م، بينما ترى إثيوبيا أنها حدود رسمها المُستعمر البريطاني وكان فيها إجحافٌ على إثيوبيا.
محل النزاع
وتُعرف المنطقة المُتنازع عليها بمنطقة الفشقة وهي المنطقة المتاخمة للحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا، والتي تُحد شمالاً بنهر سيتيت وشرقاً بنهر عطبرة، وتبلغ مساحتها 251 كلم2، وتنقسم إلى قسمين، هما الفشقة الكبرى التي تحد شمالاً بنهر سيتيت وجنوباً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة، والفشقة الصغرى التي تحد شمالاً ببحر باسلام وغرباً بنهر عطبرة وشرقاً بالحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا، وهي منطقة معزولة عن السودان بمسارات مائية خاصةً في فصل الخريف، فضلاً عن كونها تتميز بهطول الأمطار الغزيرة في فصل الخريف، ما يدفع الإثيوبيين للاعتداء عليها متى ما شاءوا، فهي أراضٍ مُتاخمة تماماً للأراضي الإثيوبية وتتميّز بإنتاجها الكثيف للسمسم والقطن قصير التيلة والصمغ العربي والذرة والخضروات على ضفاف الأنهر الثلاثة “عطبرة، سيتيت وباسلام”.
ومنذ نحو 26 عاماً، تستولي عصابات إثيوبية على أراضي الفشقة، بعد طردهم للمُزارعين منها بقوة السلاح.
تَصعيدٌ مُتواصلٌ
ورغم أنّ إثيوبيا تعترف ضمناً بأن الفشقة أراض سودانية، إلا أنها ترى أن السودان انفتح عليها مُخالفاً اتفاقاً سابقاً بين الدولتين، وقال عضو اللجنة المشتركة للحدود الإثيوبية السودانية من الجانب الإثيوبي إبراهيم إندريس، بحسب وكالة الأنباء الإثيوبية أمس، إن السودان خالف الاتفاقية المُوقّعة عام 1972م لإيجاد حلٍّ ودِّي لقضايا الحدود، موضحاً أن الاتفاقية تدعو إلى استمرار الوضع على الأرض حتى يتوصّل البلدان إلى حلٍّ ودِّي لمسألة الحدود.
رَغبةٌ في الحِوار
وبالمُقابل، قال وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين “إن السودان بسط سيطرته على أراضيه”، ولم يَعتدِ على أيِّ أراضٍ إثيوبية، وشدد على أهمية ترسيم الحدود بين البلدين، مبيناً أن التفاوض لحل المشكلات سيكون هو الحل الأنجع، وقال “نحن وإخوتنا في إثيوبيا سنصل إلى حلولٍ طالما اتّفقنا على مسألة الحدود”.
واطلع قمر الدين أمس الأول، رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت على تطوُّرات الأوضاع في شرق السودان، والخلافات مع دولة إثيوبيا، وقال “أكدنا للقيادة في جنوب السودان أن السودان بسط سيطرته على أراضيه”.
ترتيبات لجولة ترسيم الحدود
وصباح أمس الجمعة، بحثت الخرطوم وأديس أبابا، ترتيبات انعقاد جولة ثانية لترسيم الحدود بين البلدين، عقب نحو 8 سنوات من عدم انعقادها.
وعُقد الجمعة، لقاءٌ بين وكيل وزارة الخارجية السودانية محمد شريف، مع السفير الإثيوبي لدى الخرطوم يبلتال أميرو، وقال بيانٌ صادرٌ عن الخارجية أمس، “إن اللقاء بحث العلاقات بين البلدين، والترتيبات المُتعلِّقة بعقد الجولة الثانية للجنة العليا الخاصّة بالحدود”.
الوضع على الحدود
وربما هدأت الأحوال قليلاً في منطقة الفشقة بعد أن استعاد الجيش كامل الأراضي، وأكد مسؤول عسكري فضّل حجب اسمه في تصريحات لصحيفة (الشرق)، أن الأوضاع هادئة في الجبهة الشرقية، وقال “يُوجد هُدوءٌ حَذِرٌ على الحدود مع إثيوبيا، ولا اشتباكات عسكرية”، مُشيراً إلى أنّ القوات المسلحة السودانية، أعادت الانتشار داخل أراضيها، ولم تتجاوز أو تتوغّل داخل الأراضي الإثيوبية، ونفى أن يكون هناك اتّفاقٌ بشأن الحدود مع إثيوبيا، وقال “لم نتوصّل إلى اتّفاق بشأن الحدود مع إثيوبيا، والحديث بخلاف ذلك غير صحيح”، مشيراً إلى أنّ هناك مشاورات فقط، لعقد اجتماعات للجنة الحدود مع إثيوبيا، ولم نتّفق على مَوعِدٍ.
البحث عن حُلُولٍ
وينشط السودان في البحث عن حُلُولٍ، ليس لمشكلة الحدود مع إثيوبيا فقط، وإنما حلول لكل التوتُّرات في الحدود الشرقية، وفي هذا الصدد أجرى نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” أمس الجمعة، زيارة إلى العاصمة الإريترية أسمرا، لبحث أوضاع المنطقة، تزامُناً مع استمرار التوتُّر على حُدُود البلاد مع إثيوبيا.
وقال “حميدتي” في تدوينة على فيسبوك: “غادرنا اليوم إلى الجارة إريتريا في إطار زيارة تبحث علاقات البلدين والتعاون وحُسن الجوار، والأوضاع بالمنطقة والإقليم”، وأشار إلى أنه غادر برفقة وفد ضَمّ وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق جمال عبد المجيد، وعدداً من المسؤولين.
ومن المُرجح أن يكون قد بحث مع المسؤولين في أسمرا، التوتُّر بين الخرطوم وأديس أبابا، خاصّةً وأن إقليم التغراي، الذي يشهد حَربَاً بين الجيش الإثيوبي الفيدرالي و”الجبهة الشعبية لتحرير التغراي”، يقع في المثلث الحدودي بين إثيوبيا والسودان وإريتريا، كما أنّ زيارة عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي ووزير الخارجية عمر قمر الدين إلى جوبا، تطرّقت إلى ذات القضية مع رئيس دولة جنوب السودان.
وقال عمر قمر الدين في تصريحات صحفية بمطار الخرطوم عقب عودة “حميدتي” من إريتريا، إنّ المُباحثات مع الرئيس أفورقي، تناولت قضايا الإقليم والوضع الراهن في الدولتين، وناقشت أيضاً الحدود والنازحين واللاجئين جرّاء العُنف في إثيوبيا، إلى جانب تبادُل وجهات النظر حول القضايا الاستراتيجية التي تهم البلدين والمنطقة.