الحرية والتغيير: القراي وحده لا يُمكنه وضع المنهج
حماية المستهلك: ما حدث بشأن المنهج ضرر نفسي ومعنوي ومادي
مدير مدرسة: أصبحنا لا نعرف بأي منهج نُدرّس الطلاب
ربة منزل: هل تم تدريب المعلمين على المنهج الجديد؟
طالبة: المنهج الجديد رشيق وخفيف وناجح والقديم ثقيل ومُتعِب
تحقيق: النذير دفع الله
حمدوك يتراجع
ربما تكون استجابة رئيس مجلس الوزراء حمدوك للأصوات الرافضة لمنهج مدير المناهج د. عمر القراي وتجميده فيه انتصار لأصوات الكثير من المفكرين والعلماء الذين يرون في ذلك وأداً للفتنة، فيما يرى آخرون أنه انهزام للثورة التي من أولى شعاراتها التغيير الذي لن يكون إلا من خلال فكرة ومنهج يرتكز عليه المجتمع في مستقبل أبنائه وبالتالي مستقبل الدولة.
وتساءل البعض، هل رئيس مجلس وزراء يستجيب لمطالب قلة من الناس لديها رؤية أيدلوجية في وقت يمثل فيه قرار تجميد المنهج الجديد حالة شلل فكري بالنسبة للمسؤولين ومديري المدارس والطلاب والمجتمع السوداني سيما وان ولاية الخرطوم أعلنت عن فتح المدارس خلال الأسبوع المقبل، في وقت بدأ فيه عدد من الولايات تدريس الصف الثامن والثالث الثانوي، فبأي كيفية وطريقة يمكن أن تستمر المدارس في العملية التعليمية، هل سيتلقى الطلاب مقرراتهم بالمنهج القديم أم المنهج الجديد، أم هنالك منهج آخر لم تظهر ملامحه إلا بعد عام آخر أم يتراجع مجلس الوزراء بعد تكوين اللجنة القومية والتي يمكنها أن توافق على استئناف الدراسة بالمنهج الجديد؟
المشكلة قائمة
يرى القيادي بقوى الحرية والتغيير ساطع الحاج، أن القراي لا يستطيع أن يضع المناهج بنفسه، وإنما الجهة التي تضعها هي لجان مختصة بهذه المهمة وفق استراتيجية الدولة في كيفية إخراج النشء . وقال ساطع إن المعركة بين الظلاميين والمستنيرين. وأشار إلى أنه عندما جاءت الثورة وجدت أن المناهج قامت بتصنيف كل مناهج الاستنارة وعلمت على إزالة كل التشوهات التي لحقت بالمنهج في كل المواد لتواكب بشكل علمي. وقال إن كل الدول المتقدمة وكما يجري في السابق تقوم لجان مختصة وتتعلق بالنشء فيها بوضع المناهج. ولذلك يرى ساطع لـ(الصيحة) أن تغيير هذه المناهج التي قامت على “أمريكا روسيا قد دنا عذابها” أدى إلى اصطفاف من القوى الظلامية للالتفاف حول هذه المتغيرات. وقالك عندما ندافع عن القراي لا نقصد الدفاع عنه شخصياً وإنما عن تغيير المناهج وإصلاحها، وقال إن الخدمة المدنية يجب ألا ترتبط بالقناعات السياسية لشاغليها، ولكن المنصب تحدده حيثيات محددة هي التي تأتي بصاحبها إليه، وتساءل بقوله هل يستطيع القراي بنفسه أن يضع المناهج دون إشراف وعمل كل اللجان المختصة أو حتى الاهتمام والمتابعة من أولياء الأمور؟ أجاب بنفسه بالقول: “هذا مستحيل”. وزادك يمكن الآن أن يذهب القراي، ولكن هل يعني ذلك أن المشكلة أنتهت؟؟ وقال المعركة لا تنتهي لأنها مختلفة، وقال: الذين يصرخون الآن على الإسلام ليتهم صرخوا في موضوع الإجلاس والتعليم، كان على الأقل يمكن أن نفهم موضوع صراخهم. مشيراً إلى أن الأمر وموقفهم ليس دفاعاً عن القراي، ولكنه موقف مبدئي عن تغيير المناهج برؤية ثورية جديدة.
بأي منهج!
مدير مدرسة العزبة (2) الأستاذ عمر فرح مصطفى قال لـ(الصيحة): أصبحنا في حيرة من أمرنا سيما وأن المنهج الجديد الذي دار حوله الخلاف لم يصل المدارس بعد، وأضاف: مهما كانت الخلافات حول المنهج نحن معلمون وأساتذة يمكننا التصرف في تدريس الطلاب حسب ما يحتاجه الطلاب والمجتمع والواقع، وأوضح عمر أن قرار ولاية الخرطوم بفتح المدارس أمر لا يمكن تحقيقه في ظل عدم وجود منهج يدرس، ومسألة الاشتراطات الصحية، ومن ثم الخبز والمواصلات، مشيراً إلى أن نفسية الطلاب هي أمر مهم حتى لا يكونوا خاوين بدون عام دراسي، وهو أمر صعب جداً. وأكد عمر مع قرار مجلس الوزراء القاضي بتجميد المنهج الجديد لم يكن في الوقت المناسب، وشدّد عمر: أصبحنا لا نعرف بأي منهج يمكننا تدريس الطلاب في حال فتح العام الدراسي، في ظل اتهام وانطباع للمجتمع بأن المقرر القديم حوله لغط كبير بأنه منهج دخلت فيه السياسة.
زواج ودراسة
مديرة مدرسة (بنقنارتي قبلي) بتنقسي محلية الدبة بالولاية الشمالية الأستاذة فاطمة الطاهر العيسابي، قالت لـ(الصيحة)، إن المقرر الجديد للصف السادس كانت به جدلية، وكان من المفترض عرضه والنقاش حوله قبل الطباعة، وأضافت أن العام الدراسي قبل بدايته أثر تأثيراً كبيراً في الطلبة وكشفت أن لديها خمس طالبات تركن الدراسة وتزوجن بسبب تأخر العام الدراسي، وأشارت أن حذف بعض المواد من مقرر التاريخ للصف الثالث ثانوي هو حذف عشوائي لما تم من حذف بعض الأبواب التي كانت تشكل ترابطاً وأهمية كما أن مقرر اللغة العربية جاء على مرحلتين، حيث جاءنا مقرر قبل فترة وبدأنا في تدريسه، ولكن فوجئنا مرة أخرى بمقرر آخر.
وشددت فاطمة في حال عدم وصول خطاب أو توجيه رسمي فإننا ندرس الطلاب بالمقرر القديم خاصة المواد الأساسية فقط.
فتح مشروط
المواطنة وربة المنزل روضة محمد نو قالت لـ(الصيحة): لا نوافق على تدريس المنهج الجديد لأبنائنا فهو غير مواكب، وأكبر من عقول الأطفال، وكذلك غير راضين بالمنهج القديم أيضاً سيما وأن العام الدراسي بدأ في مطلعه وربما يشارف على الانتهاء دون وجود رؤية واضحة حول فتح المدارس، فالأمر ليس قراراً فقط وإنما هنالك بعض الجوانب الأخرى التي يجب اصطحابها ضمن القرار، وهي هل البيئة المدرسية يمكنها أن تتحمل الوضع الجديد في بعض الخدمات.
وشددت روضة: كان يجب على وزير التعليم أن يخرج من مكتبه المكيف ويزور مديري التعليم بالمحليات ومعرفة ما تواجهه المحليات ومدارسها من تحديات من أجل استقبال العام الدراسي، وأوضحت: كان هنالك وقت كافٍ لمعالجة جل الخلافات التي ظهرت مؤخراً حول المناهج وغيرها، ولكن يبدو أن لا أحد يكترث للمستقبل، ونبهت روضة أن وضع المناهج ليس من اختصاص الأكاديميين وإنما هو أمر يتعلق بالتربويين فقط، وعدم إشراك التربيين أدى لحدوث هذا الخلل الكبير.
وأضافت روضة أن منهج بخت الرضا سابقاً كان من أفضل المناهج والمعلومات التي نحملها نحن الآباء في عقولنا من منهج بخت الرضا أفضل من معلومات أبنائنا حالياً وشددت على أن المنهج الجديد به كثير من الجانب النظري والتحليلي وهو ما سيؤدي لسخرية الطلاب من المعلمين، بينما أثبتت الطريقة الكلية لطلاب الصف الأول فشلها الكبير في عدم تعليم القراءة والكتابة للطلاب. وتساءلت روضة: هل تم تدريب المعلمين لمواكبة المنهج الجديد أم سيندهشون كما الطلاب بالمنهج، وإذا القراي نفسه لا يعرف شيئاً عن المنهج فمن يعرف، وأضافت روضة: يمكننا أن نوافق على فتح المدارس بعد وضع الاشتراطات الصحية وإصلاح بيئة المدارس.
مقررات ثقيلة
الطالبة رهف الدرديري قالت لـ(الصيحة)، إن المنهج الجديد أخف من ناحية الفهم والتدريس، وأضاف أن عمليات التجميد والإلغاء المتكررة للعام الدراسي فإن المنهج الجديد يمكن أن يكون هو المخرج والحل لإدراك ما أهدر من وقت كبير، وهو ما يفوق العام، وأكدت أن المقرر القديم مقرر ثقيل وبه مواد كثيرة لا يمكن أن تنتهي في عام، ولذلك هو مقرر ليس تعليمياً أو عملياً هو عبارة عن كتب وأوراق فقط، وأوضحت رهف: إذا قررت وزارة التعليم التدريس بالمقرر القديم فإن هذا يحتاج لعامين آخرين حتى نتحول لفصل دراسي جديد.
بدون خجل
الأستاذة أمنية عمر، أوضحت لـ(الصيحة) أن شقيقتها الصغرى تدرس ضمن طلاب الصف الثامن وهي من الطلاب الذين تلقوا دراسة المنهج القديم في بعض المدارس الخاصة وشارفوا على إكمال المنهج، فبأي منهج سخوضون امتحانات الصف الثامن هل بالمنهج الجديد أم القديم أم هناك منهج آخر في علم الغيب سيأتي لاحقًا، وشددت: أقل ما يمكن قوله في ظل هذا التخبط والوضع اللاإداري هو عدم اللامبالاة من إدارة التعليم وكل المسؤولين عن أمر التعليم لا يمكن دولة كاملة بكل مؤسساتها تغلق مدارسها لأكثر من عام بحجج واهية وغير مبررة وغير مسؤولة وبدون حياء أو خجل، وقالت إن الوضع في الولايات ربما يكون أسوأ من الخرطوم، لأن بعض الولايات حتى اللحظة لا تعرف ما يدور بشأن التعليم، وهو ما يتطلب إعادة النظر في المسؤولين عن العملية التعليمية فقط.
أسلوب إصلاحي
الأمين العام لحماية المستهلك دكتور حسين القوني قال لـ(الصيحة)، إن الخلافات التي حدثت في أمر المناهج فيها أمر يتعلق بحماية المستهلك، وهو جانب تقديم الخدمات التعليمية والسودان لعدم الاستقرار السياسي واستمرار نظام الإنقاذ لثلاثين عاماً لم يتيسر النظر في إعادة الأوضاع التعليمية وبعد سقوط الحكومة بدأت أصوات كثيرة تتحدث عن إصلاح التعليم، مضيفاً إن إدارة المناهج الجديدة انتهجت أسلوباً إصلاحياً كان يجب أن تنتهج أفضل منه، وهو التخلص من الخبرات والكوادر القديمة، وأشار القوني: كان يجب إشراك كل الخبراء في مجال التعليم في وضع وتقويم التعليم القائم، ووضع البدائل المناسبة، وهو ما دفع مجلس الوزراء لتجميد المناهج الجديدة والأسلوب الأمثل كان يجب تكوين فرق فنية لتقديم التحليل المناسب للأوضاع القائمة واقتراح ما يمكن اقتراحه لتحسين الوضع وهي خسارة كبيرة للتعليم في السودان أن يتم اقتراح مناهج معينة ويتم الصرف عليها بمبالغ طائلة والتي لم تكن كافية لكل المراحل وقبل اكتمالها يتم تجميد وإلغاء طباعتها. وقال القوني: من المسؤول عن إهدار الموارد، ومن الذي يحاسب ويعاقب، وشدد على أن حماية المستهلك كان لها أن تكون حاضرة في أمر يتعلق بالمستهلك ولكن حماية المستهلك لديها لجنة تعليمية، وأكد أن وجود حماية المستهلك في كل الآراء والمقترحات يوفر كثيراً من عدم الوقوع في الأخطاء.
وأوضح القوني أن تأخر العام الدارسي الجمعية تحتكم للجان الفنية، ولكن الطلاب كمستهلكين، ونبحث عن استمرارية تعليم الأبناء والطلاب في أجواء مناسبة وأي خلل و نعتبره تقصيراً من جهات الاختصاص لن نقبل به. وأضاف القوني: على الجهات التنفيذية ومجلس الوزراء أن تعلم أنه حدث ضرر كبير نفسي وتعليمي ومادي نتيجة لما يحدث من تخبط حول المناهج، مطالباً برفع الضرر الفوري والإسراع بتنفيذ الخطط والسياسات التي تتناسب مع الوضع الحالي، وتواكب المستجدات بعيداً عن الصراعات الدينية والسياسية.