تحقيق: سراج الدين مصطفى
ظاهرة قديمة جديدة
يخالجنا بعض الأحيان نوع من التردد أو الشعور بالحرج، ونحن نقدم كلمات الود والاحترام إلى الآخرين. ومنشأ هذا الشعور بالحرج هو أن تقع في دائرة الاتهام ــ أي أن نكون ضمن فئة المتملقين وبالعبارة السودانية (كسير التلج)! ومما يزيد الإشكالية في ذلك أننا نمتلك قناعة تامة بأن المجتمعات المتحضرة هي تلك المجتمعات التي تنتشر بين أبنائها قيم الحب والاحترام فضلاً عن توصيات المشرع الإسلامي وتأكيده على مبدأ اللباقة ودماثة الخلق.. ويتعزز ذلك الشعور بالحرج عند تقديم كلمات الود والاحترام هو أن مسألة المبالغة في الاحترام (التملق) ظاهرة قديمة جديدة ارتبطت تاريخياً بأدلة دامغة على الصعود وبسرعة في ساحة المصلحة والوظائف العليا والمناصب الرفيعة؟
أمراض اجتماعية خطيرة
الأستاذ طارق عبد الرحيم الباحث الاجتماعي قال للحوش الوسيع: (تعاني الحياة الاجتماعية العربية المعاصرة من أمراض اجتماعية خطيرة، أبرزها ظاهرة التملق أو النفاق الاجتماعي والعبقرية السودانية أطلقت عليه مسمى (كسير التلج)، وخطورة هذا المرض على مجتمعاتنا أنه أصبح أحد المؤهلات الضرورية للارتقاء في المناصب، والتقرب من الرؤساء، والصعود إلى المناصب القيادية، ففي كل موقع تجد رئيس الإدارة أو المدير محاطاً بموظفين يجيدون التزلف، ولأنهم ليسوا أكفاء، فإنهم يحاولون دائماً أن يحاربوا الأكفاء ويبعدوهم عن رئيس الإدارة. الأمر الذي يهدد البنيان المجتمعي، ويؤدي إلى ضياع العدل والمساواة بين أبناء المجتمع وانتشار الحقد والحسد فيما بينهم.
كرامة الإنسان:
ويضيف طارق قائلاً: (يتملق ضعاف النفوس الأغنياء، وهم لا يعلمون أن الغنى هو (غنى النفس)، وأن كرامة الإنسان وصيانتها ستقوده إلى الثراء الخالد المتمثل برضا الله تعالى والناس معاً، لذلك ينبغي أن يعمل جميع المعنيين على محاربة ظاهرة التملق لأنها أساس الظلم، وأساس الشعور بالغبن، وأساس استفحال الإحباط والنكوص وضعف الإنتاج من خلال الإرباك العلاقاتي الذي تصنعه هذه الظاهرة وقبولها من قبل بعض عناصر المجتمع سواء من المتملقين أو المتملَّق لهم.
وبالقضاء على التملق (وهو أمر ربما يكون محالًا)، لكن بالحد منه ورصد عناصره نكون قد حققنا خطوات هامة نحو بناء المجتمع المتوازن الذي يقوم على مبدأ التكافؤ والعدل والمساواة بين ما ينتجه الفرد وبين ما يحصل عليه، بعيداً عن سبل وطرائق التملق الملتوية.
سلوك تنفر منه النفوس
الغلو في المدح والتجاوز سلوك تنفر منه النفوس الصالحة والفطرة السوية، ويدرك الجميع أنه نوع من التملق والنفاق من أجل مصالح شخصية، ولا يعبر عن حب حقيقي أو مودة خالصة. بل على العكس أن أصحاب التملق والنفاق على مدار التاريخ هم أصحاب النكبات، وسبب في ضياع الأمم وأول من ينقلب على صاحبه ومادحه وقت المحن والأزمات، ولاؤهم متذبذب وقلوبهم تتقلب مع مصالحهم وأهواؤهم وإن ضعف الوازع الديني والاستبداد والفساد وضياع الكرامة واستمراء الذل والمهانة هو السبب وراء انتشار هذه الظاهرة في المجتمعات العربية.