اشتهر بقصار القصص..
واشتهر – كذلك – بأن غالب قصصه هذه مستمدة من تجارب حياته الواقعية..
وكان سيشتهر أكثر لو نجح في كتابة أقصر قصة في حياته..
أو عن حياته هذه في أشد لحظات تجاربها واقعيةً…….. وختاماً..
لحظة الموت التي أراد توثيقها؛ أدباً… وإبداعاً… وقصةً..
ففي أواخر أيامه – بالمشفى – أصر على أن يكون بجانبه قلمه… وورقه… وسيجاره..
أراد أن يخوض تجربة ما سبقه بها أحدٌ من العالمين..
لا من الأدباء… ولا الفلاسفة… ولا الروائيين… ولا حتى المجانين..
ولم يفلح أطباء… ولا أهل… ولا صحاب…. في إثنائه عن فكرته المجنونة هذه..
وكلما أحسّ بدنو الموت دنا من ورقه ليكتب فإذا هو… ليس هو..
أي ما ظنها النهاية لم تكن سوى بداية علة جديدة..
فقد تكالبت عليه علل النهايات… دون أن يلوح في الأفق ما يستحق شرف البدايات..
فالموت وحده هو الذي نوى الكتابة عنه… ولا شيء غيره..
فما أكثر ما كتب عن لحظات الميلاد… والأمراض… والعلاقات… والغدر… والخيانة..
فقط لحظة الموت – عن تجربة – هي التي لم يكتب عنها..
ولم يكتب عنها حرفاً حين جاءت – أخيراً – بعد طول انتظار..
حين جاءت – وذهبت بروحه – وتركت بجوار جسده قلمه… وأوراقه… وسجائره..
فقد كانت تجربة قصيرة… أكثر واقعيةً من أن توثق قصةً قصيرة..
فالموت لا يعبأ بمحاولة توثيق لحظته… ولا يبالي..
والبارحة نفسي وجدت نفسها في موقف مشابه لموقف إدريس… مع الفارق..
ليس من حيث محاولة توثيق لحظات موتٍ شخصي..
وإنما محاولة توثيق لحظات موت وطن… دولة… أمة؛ مع آمالها وأحلامها وطموحاتها..
وهي أشد قسوةً – وألماً – من محاولة يوسف إدريس..
فكل شيء يتهاوى تحت أنظارنا… ونكتفي نحن بالنظر إلى النهايات الحزينة..
وكل يوم نوثق للحظات موت جزء من الجزئيات..
وبقي الكل؛ والذي نهايته ستكون أشبه بتلك التي تُكتب في خواتيم الأفلام..
فما من يوم تشرق علينا فيه شمسه إلا ونُفاجأ بفقد شيء..
أو نُفاجأ بموته؛ إلى أن يجئ الذي لا مفاجأة فيه… بما أنه ما من شعور حينها..
وهو الذي لا موت بعده… كالذي غشي يوسف إدريس..
كالذي غشي (قاصاً) هزمته محاولة عبثية لجعل الموت (قصة)..
الموت الذي يغشى كل يوم (عزيزاً وطنياً) منا… ولا نبالي..
ونشهد كل يوم مفردة النهاية في خاتمة فيلم كل شيء…. ولا نبالي..
ونحاول كل يوم توثيق لحظة مقدمه… وهو لا يبالي..
وأعني نحن الذين نكتب قصص تجارب وطننا الواقعية… لا حكومته؛ أي حكومة.
فهي جميعها مثل الموت تماماً..
لا تبالي !!.