الخرطوم: جمعة عبد الله
تجددت اتهامات اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، لوزارة المالية، بعدم الشفافية في أرقام الموازنة، وشككت اللجنة في أرقام دعم الكهرباء مستندة على تضارب الأرقام بين المالية التي تقول إن دعم الكهرباء بالموازنة يبلغ “115” مليار جنيه، فيما أشارت وزارة الطاقة والتعدين بأن المبلغ “68” مليار جنيه.
جدل متزايد
وأدى بيان للجنة أصدرته بشأن أرقام الموازنة لإثارة الجدل والشكوك حول ما تعلنه وزارة المالية من أرقام، فيما يرجع مختصون وخبراء اقتصاد هذا التباين لعدم الأخذ بالأسس الصحيحة للموازنة من عرضها على الرأي العام والنقاش حولها مع الجهات ذات الصلة، قبل الدفع بها للسلطة التنفيذية، ثم إجازتها من السلطة التشريعية.
أرقام متضاربة
ويوضح وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق بروفيسور عز الدين إبراهيم، أن أرقام الموازنة أصلاً محل شك لكونها متضاربة وبعض أرقامها غير واقعية، موضحاً أن الزيادات تندرج تحت مفهومين “ضريبية ورسومية”، مبينًا أن زيادة الضرائب غير ممكنة، إلا بعد عرضها على المجلس التشريعي قاطعاً بأن تمرير زيادة القيمة المضافة على الاتصالات دون تمريرها على المجلس خطأ لجهة أنه حسب دستور 2005 عندها مراحل لم يتم تمريرها عبره، أما الرسوم المصلحية كزيادة الكهرباء أو مقابل أي خدمة، وكذلك في البترول فيقوم باقتراح زيادتها الوزير المعني بموافقة وزير المالية.
ورأى عز الدين أن الزيادات التي تمت الغرض منها تخفيض عجز الموازنة وإصلاح الميزانية، لأن معظمها كالكهرباء تقع تحت اسم الدعم والذي يشكل 30% من المصروفات، لافتاً إلى أن العجز يؤدي إلى الاستدانة من الجهاز المصرفي، وبالتالي ارتفاع التضخم، وانتقد عز الدين تحميل السماسرة والوسطاء زيادة الأسعار، وقال إنهم ليس السبب في الارتفاع، بل ظهروا ليستفيدوا من الفرصة، وقطع بأن عجز الموازنة هو سبب الكارثة في ارتفاع الأسعار، وهو سبب الضيق على المواطن.
ولفت عز الدين إلى أن معظم دعم الوقود تستفيد منه الحكومة وشدد على ضرورة إخراج سيارات الحكومة من التزود بالوقود المدعوم. مضيفاً أن الوزير السابق فاقم العجز بسبب زيادة المرتبات 600% واعتبره خطأ سياسات لجهة أنه لا أحد يتوقعها في الخيال، منوهًا أن نقابة العمال في السابق كانت تطمع في زيادة 60% أو 100%.
تمويل بالعجز
وأشار د. عز الدين إلى أن كثيرا من الاقتصاديين يرون أن تمويل العجز من النظام المصرفي يزيد التضخم أشبه بالضرائب في السر، وهو ضريبة سهلة لأن الأخرى تجد اعتراضاً من الشارع ورفضاً من المجلس التشريعي.
تجاوز التشريعي
وقطع د. عز الدين بأن ما يحدث الآن واضح أنه تجاوز للمجلس التشريعي “علاج الأسعار برفع الأسعار”، مبيناً أنها نظرية اقتصادية، ولكنها لا تصلح إلا في توقيت مناسب وبيئة مناسبة، وقال إنه “ليس كل ما هو معقول اقتصادياً مقبول سياسياً”، واعتبر منطق علاج ارتفاع الأسعار بزيادة الأسعار منطقاً اقتصادياً سليماً لكن توقيته خطأ.
فرض الأمر الواقع
وقطع خبير الضرائب ومستشار أصحاب العمل السابق، د. عبد القادر أحمد عثمان، أن هذا ناتج من رغبة الحكومة في تمرير الزيادات قبل إجازة الميزانية حتى لا تتعرض لمعارضة وعرقلتها من قبل قوى الحرية والتغيير، فإعلانها هكذا قبل الميزانية يجعلها أمرًا واقعاً، ولا يفيد اعتراض قوى الحرية عليها في شيء.
وأوضح أن المشكلة هي أن الحكومة تبحث عن الحلول السهلة لزيادة إيرادات ميزانيتها دون النظر لآثار الزيادات التي تفرضها على مجمل الوضع الاقتصادي في البلاد وأثرها على الوضع المادي المزري للمواطن المسكين.
زيادات فلكية
وقدّر عائد الزيادة في ضريبة القيمة المضافة على الاتصالات 40% من قيمة استهلاك إجمالي مشتركي الاتصالات والبالغ عددهم 30 مليون مشترك بنحو تريليون جنيه “بالقديم”، تدخل خزينة المالية يتحملها المواطن المسكين وهي إيراد سهل وسريع ومضمون بالنسبة للحكومة ولكنه عبء إضافي على المواطن.
وكشف د. عبد القادر عن زيادة الحكومة فئات ضريبة أرباح الأعمال على الشركات التجارية والخدمة بنسبة 100% من 15% إلى 30% كما زادت الضريبة على الشركات الصناعية والمصانع بنسبة 50% من 10% إلى 15% كما فرضت الضريبة على شركات القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني.
المأمول والواقع
وقال: كان من الأسلم والأجدى بدلاً من فرض هذه الزيادات التي ترهق قطاع الأعمال والذي أقعدته مصاعب وكوارث كورونا أن تعمل على بذل الجهد لزيادة التغطية الضريبية لإدخال مواعين أنشطة عديدة خارج تغطية الضرائب مثل أنشطة السماسرة والأنشطة في قطاع الذهب والتجارة عبر الإنترنت وتجارة العملة وإيجارات العقارات وغيرها إضافة إلى تجويد أعمال المراجعة والفحص الضريبي خاصة للشركات والأنشطة الكبرى، إضافة إلى زيادة التنسيق مع حكومات الولايات والمحليات لحصر كافة الأنشطة بالأسواق والأحياء وإخضاعها للضرائب ولو عبر فرض ضرائب معيارية ثابتة ومبسطة على الأنشطة الصغيرة بالتنسيق مع تنطيمات أصحاب هذه الأنشطة.
معلومات ضبابية
ويصف الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير، ما يدور بشأن الموازنة بالأمر الغريب، لأن الموازنة يفترض أن تجاز قبل بداية العام حتى ولو أجيزت يوم 31 ديسمبر يفترض أن تدخل العام الجديد في الأول من يناير، وهي قانون قابل للتطبيق.
وأوضح الناير، أن الضبابية مستمرة هذا العام، لافتاً إلى أن موازنة العام المنقضي 2020 لم يرفع تقرير الأداء حولها ولم يملك الإعلام شيئًا عن مستوى أدائها سوى بعض التصريحات الخاصة من مسؤولين أن الإيرادات انخفضت بنسبة 50%. ورأى أن هذا يوحي بعدم الشفافية والضبابية بصورة كاملة، الآن موازنة 2021 لم تعلن للرأي العام ويعتقد أنها موازنة ستواجه بإشكالات كبيرة، لأنها دائمًا تطرح عبر وسائل الإعلام وللخبراء وأساتذة الجامعات وكل الذين لهم صلة بالموازنة حتى القطاع الخاص والبنوك وغيرها، كلهم يدلون بدلوهم حول الموازنة والأثر على الشرائح، وتأسف أن ذلك لم يحدث، والغريب في الأمر أن هناك سباقاً في إجازة الموازنة قبل تشكيل الحكومة.
ويرى د. الناير، أنه طالما لم تُجز الموازنة في 31 ديسمبر كان من باب أولى استعجال تشكيل الحكومة الجديدة حتى تجيزها، فهي قضية مهمة، لأنه كأنما الحكومة الانتقالية تواصل سياسة فرض الأمر الواقع ظهرت في المحروقات عندما تم في الربع الأول 2020 طرح وقود تجاري وآخر مدعوم ثم تكرر نفس المشهد في الربع الأخير من العام بزيادة كبيرة في التجاري والمدعوم ثم تم توحيد السعر بنهاية العام، وقال إن الحكومة وكأنها تضع الشارع أمام الأمر الواقع.
غياب القانون
ورأى أنه يبدو أن الحكومة الانتقالية تريد أن تضع الحكومة القادمة أمام الأمر الواقع بموازنة مجازة بتفاصيل قد يكون القادمون الجدد لهم رؤية فيها.
ونبه إلى أن الموازنة يفترض أن تكون معها قوانين مصاحبة، في بعض الأشياء خاصة بالقوانين وخاصة بالضرائب لا تفرض إلا بقانون، وحينما يتم تعديل يتم تقديم قوانين مصاحبة للموازنة للسلطتين التنفيذية والتشريعية “مجلسا الوزراء والسيادي”، ولكن حتى الآن لم تجز القوانين المصاحبة للموازنة، وبالتالي يعتبر تنفيذ أي زيادة في الضرائب، قرار مخالف للوائح والقوانين.
وأشار إلى أن هنالك أشياء قد تكون من صلاحيات وزارة المالية إذا كان تعديل أسعار أو غيرها، ولكن لأنها تمس حياة المواطن وتؤثر على المواطن بصورة كبيرة تجاز من السلطة التشريعية أيضاً. ومن المعروف أن البرلمانات تمثل السلطة الشعبية ولو كانت منتخبة تعبر عن الرأي العام، لكن في النهاية تمنع أي قرار يمكن أن يؤثر سلباً على المواطنين بصورة كبيرة. ورأى أنه ما يتم الآن لا بد من تصحيح المسار، ولابد أن يكون هنالك أثر لمجلس شركاء الفترة الانتقالية الذي يعتبر الآن هو الحاضنة السياسية الجديدة، لابد أن يكون له رأي، وأن لا يكون كما كانت قوى الحرية والتغيير في2020 بحيث أنها أم تستطع فرض سياساتها على الجهاز التنفيذي الذي ظل ينفذ سياساته ويضرب بآراء الحاضنة السياسية عرض الحائط، وهذا يحدث لأول مرة في السودان أن تكون الحاضنة السياسية عاجزة وغير قادرة على تنفيذ سياساتها من خلال الجهاز التنفيذي، واعتبر ذلك خللاً واضحاً.