تقرير: صلاح مختار
الحديث الذي أدلى به رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، الذي شدد فيه على استحالة إزالة الإسلاميين في السودان من الحياة السياسية، ليس بجديد، وإن جاء في سياق مختلف ومن جهات متعددة. وسبق أن دعا القيادي بالجبهة الثورية ياسر عرمان وآخرون من عدم وضع كل الإسلاميين في سلة واحدة وعدم إقصائهم من المشهد السياسي بالداخل.
جبريل داعا لعدم “محاكمة الأفكار”. وقال، في مقابلة مع “الجزيرة نت”: “لا أعتقد أنه باستطاعة أي طرف إزالة الإسلاميين من الوجود، هذا أمر غير واقعي”. وأشار إلى أن السعي لإقصاء أي طرف “تدفع الناس لزاوية تجعلهم يقاومون بشتى الطرق”. وأضاف: “من الأفضل إتاحة فرصة حرية التعبير لهم عن آرائهم، وليس من المصلحة محاولة محاكمة الأفكار. هنالك سعي من بعض الجهات لمحاولة محاكمة الأفكار، وهذا لا يخدم المجتمع”. وتابع: “التنافس في المجتمع يجب أن يبتعد عن الصراع الأيديولوجي الذي حدث في العقود الماضية”.
صورة قاتمة
ورغم الصورة القاتمة التي وضعها د. حيدر إبراهيم علي، عالم الاجتماع السياسي، والمفكّر السوداني في يوم من الأيام، عندما أجاب على سؤال: ما هو مصير الإسلاميين في السودان، بعد سقوط نظامهم، في الحادي عشر من أبريل 2019؟ حيث قال: الدولة الدينية سواء كانت إسلامية، أو يهوديّة، أو غير ذلك، وهمٌ كبير. أنت لا تستطيع إقامة دولة دينية لديها سلطة سياسية. ببساطة، لأنّ الدولة الدينية تتدخّل في الحريات الفردية وفي حرية العقيدة، وغيرها. ولو خرج أي شخص من أفراد الدولة من عقيدته إلى عقيدة أخرى، فإنّ الدولة الدينية تُقيمُ عليه حد الردّة أو الخروج من الدين، وبالتالي تُوجد مبرراً لقتله. وعليه، فأنت بذلك انتهكت في سياق الدولة الدينية حقه في الحياة، وقبل ذلك حقه في التفكير. ويرى أن الثورة لم تكن انتقامية، والسودانيون متسامحون بطبيعتهم، هذه حقيقة. السودانيون لم يقوموا بأفعال مثل هذه ضد الإسلاميين. ويقول في إفاداته إن الإخوان المسلمين في السودان تربّوا تربية خاصة جداً. تربية فصلتهم عن سودانيتهم، وبالتالي هم ليسوا وطنيين، لأنهم يتحدثون عن الأمة الإسلامية، وليس الوطن السوداني. الوطن بالنسبة لهم، منصة ليقفزوا بها لتكوين أمة إسلامية تحكم العالم. ومقولة “نحن أساتذة العالم”، التي يُرددها كل من حسن البنّا وسيد قطب، يستبطنها الإسلاميون السودانيون. ولديهم شعور بأنّهم أفضل من بقية السودانيين. وتوقع للإسلاميين بأنهم: ليس لديهم مستقبل، لأنّ الناس جرّبوهم. بالعكس، أنا أقول لو أنّ هناك تياراً من من العلمنة حدث في السودان، فبسبب الحكم الإسلامي. وكثيراً ما تسمع أشخاصاً عاديين يقولون: جرّبنا الحكم الإسلامي، فماذا كانت النتيجة؟ وفي المثل أيضاً: المجرّب لا يُجرّب. وعليه فليس لديهم مستقبل في السودان. وتنبأ بان لا مستقبل للإسلاميين لا في القريب، ولا في البعيد. وقال هؤلاء حكموا بصورة منفردة لثلاثين عاماً، وقاموا بكل ما يُريدون القيام به، فماذا كانت النتيجة؟ ورغم أن هناك من يقول بأنّ للإسلاميين القدرة على المراجعات قال: لو تحقّق ذلك، فلن يكونوا إسلاميين. يمكن أنْ يكونوا أي شيء آخر، لكنهم لن يكونوا إسلاميين.
نظرة محددة
إلا أن نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير شمال، ياسر عرمان له فكرة مختلفة وبصيرة تتعدى النظرة المحددة للأشياء عندما قال، إنه لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، فيما دعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم. وأضاف عرمان في مقابلة مع الأناضول، أن “الإسلاميين كفكرة، لن يستطيع أحد أن يجتثهم من المجتمع، ويجب أن يراجعوا برنامجهم ومشروعهم القديم، إلى مشروع جديد، وهذا نرحب به، وهو مشروع قائم على المواطنة والديمقراطية، وعلى المحاسبة والشفافية”. وأردف عرمان: “هناك فئات من الإسلاميين دعمت الثورة، وشخصيات منهم استشهدت مثل الأستاذ أحمد الخير، فنحن لا نريد أن نضع الإسلاميين في سلة واحدة، ونتعامل معهم ككتلة صماء”. واستطرد “الذي جعل من الحركة الإسلامية غولاً كبيراً، هو سيطرتها على أجهزة الدولة، التي يجب إخراجها منها بالكامل، وإعادتها للشعب، وأن تكون أجهزة وطنية، لترجع الحركة الإسلامية إلى وضعها الطبيعي”.
مراجعات التجربة
بعض من الإسلاميين يتوافق مع حديث عرمان بضرورة إجراء إصلاحات ومراجعات داخل الحركة الإسلامية باعتبار أنها تجربة إنسانية يعتريها الخطأ والصواب والهبوط والصعود والقوة والضعف، ولم ينكر مصدر إسلامي ــ اشترط عدم ذكر اسمه للحديث لـ(الصيحة) ــ بأن هنالك مراجعات داخل الحركة الإسلامية لتجربتهم في الحكم السلبيات والإيجابيات وتقديم النقد الذاتي ليس من أجل العودة الآن، ولكن لتصحيح الأخطاء والبناء على ما هو إيجابي وتلاقي السلبيات، وقال إن تجربة الإسلاميين مثلها مثل أي تجربة فكرية تصيبها أمراض الشيخوخة إذا لم تتجدد، ولكن عاب على البعض محاولة إقصائهم من المشهد السياسي، وقال: لا يمكن محاكمة الأفكار، وأكد أن المشهد الآن غير مغرٍ للعودة أو المطالبة بها، وأكد أن الحركة الإسلامية تيار عريض ليس بالضرورة أن تأتي بنفس الأشكال او الأشخاص، ولكن ستكون موجودة رغم محاولات البعض الزج بها في أتون الصراع السياسي الآن، وقال: ما يهمها استقرار البلاد، وهي عملت على ذلك بشتى الطرق لتحقيق السلام وإن أتى السلام الآن فهي غاية لكل مواطن، وبالتالي الوقت الآن ليس لتصفية الحسابات بقدر ما هو لبناء ما قامت عليه .