لا زالت هناك قضية تعتبر لغزًا محيرًا ولم تحسم حتى الوقت الحاضر من الذي خرج إلى الوجود أولاً البيضة أم الدجاجة ومن هنا برز سؤال من الذي يحقق البطولة البيئة أم الوراثة، ويقول الباحثون موضحين العلاقة بين العنصرين البيضة يمكن أن تمثل الوراثة والدجاجة تمثل البيئة، وتوصل الباحثون منذ أكثر من نصف قرن أن العوامل الوراثية من حيث القوة والسرعة والاحتمال وتوسع الرئتين والسمات الشخصية والنفسية هي التي تحدد النجاح، بعد هذا التعريف بدأت التقارير تلقي الأضواء على دور الجينات في صناعة البطل من حيث تحديد هذه السمات والعناصر الوراثية واستمرت سيطرة نظرية الجينات والوراثة هي السبب في فوز الأبطال بالبطولات، وأصبحت قاعدة في كثير من أذهان الناس، ومن الشائع قديماً في علم الإجرام عند دراستنا للقانون الجنائي نظرية لامبروز الإيطالي الشهيرة القائلة إن للمجرمين خصائص وصفات مميزة يشترك فيها من يقبعون داخل السجون وبناء عليه (فإن المجرم مولود مجرماً)، وبالتالي حسب هذه النظرية فيجب أن نؤمن أن الرياضي مولود رياضياً والبطل مولود بطلاً.
ومع تقدم العلم والبحث ثبت عدم صحة هذه النظرية وأثبت علم النفس الحديث وعلوم ديناميكية الجماعة أن الظروف والبيئة هما اللذان يشكلان الفرد للقيادة وأن كثيراً من جوانب التأثيرات الوراثية ليست لها قوة التأثير ولا زال هناك من يعتقدون أن عامل الوراثة هو سبب التفوق الرياضي حسب زعمهم وبعد تقدم العلوم الاجتماعية والانثروبولجية والنفسية بدأ ينكشف جلياً منذ الستينات أن تأثير البيئة قد يوازي التأثير الوراثي للفرد عموماً وأثبتوا جميعاً أن المجرم لم يولد مجرمًا كما صنفه لامبروزو، والسبب هو نتائج الظروف والعوامل البيئية المختلفة التي أنتجت هذا القول والبيئة تفاعلت مع جينات معينة وعوامل وراثية والمنطق يتفق مع هذا التفكير.
وتأثير الوراثة والجينات له ما يدعمه من أبحاث علمية من حيث الخصائص والصفات الوراثية فلكل حجته ومنطقه في إثبات رأيه وإثباتاته العلمية.
ولكن تقوم العلوم البيولوجية والاجتماعية والثقافية لخدمة الإنسان أكثر من خدمة رواد العلم ونظرياتهم ساعد على السيطرة على التميز العلمي بفضل تكامل العلوم والفلسفة ثم التوصل إلى نتيجة أكثر شمولاً أن سهولة الإنسان هو نتائج تضافر العوامل الوراثية مع العوامل الاجتماعية والثقافية، وقد يوحي لبعض الناس والمتابعين والمحليين للألعاب الأولمبية أن للفوز والإبداع جينات مميزة تساعدهم على الجري السريع وتفوقهم واعتلائهم المنصات الرياضية مما ترك في أذهان الكثيرين أن سبب فوز عدّائي جمايكا وكينيا وأثيوبيا سببها الجينات، إذا كان الأمر كذلك أين كانت هذه الدول عندما كانت دولة أخرى هي التي تتفوق في الجري، وأين كانت هذه الدول قبل دورة لوس انجلس عام 1984م عندما كانت نتائجهم هزيلة وعندما كانت هناك دول كثيرة تفوز بهذه السباقات قبل أن تظهر كينيا وجمايكا وأثيوبيا، هل كان للجينات أثر في فوز هذه الدول وهل اختفت جينات الجري بتلك الدول وعجزت عن الفوز.
الجينات والعوامل الموروثة في تحديد البطولة هي أسطورة تروق لمن يحرز البطولة ولمن يصل إلى خط النهاية بسرعة لإظهار تميز ما أو القاء الضوء على ميزة فريدة بدولته جعلته في مقدمة السباق، فالادعاء بأن الجينات هي سبب النجاح والفوز في المقام الأول هو أمر مشكوك فيه، لأن هناك بعض الألعاب تتطلب نوعية معينة من اللاعبين فالملاكمة والسباحة والسلة والفروسية لم يكن للجينات دخل أو أثر فيها لتحقيق الفوز أو الهزيمة، فالتجربة الصينية الأولمبية وكوريا الجنوبية أثبتت عكس ذلك وأن تسعين في المئة من النجاحات تتوقف على التدريب والصقل والاهتمام بالناشئين منذ عمر 5 سنوات وبرنامج الغذاء واهتمام ورعاية الدولة بالرياضة له مردود كبير في الفوز واعتلاء المنصات الرياضية والتنويع وليس الصين وكوريا.
أثبتت بطلان نظرية الجينات للسيادة الأولمبية بل لحقت بهما أستراليا التي فاقت في نوعها وإنشاء مجمع أستراليا الرياضي ووكالة الرياضة الأسترالية والمجلس القومي للمنتخبات، وبرنامج التعرف على المواهب والاهتمام بالناشئين مما جعلها تلحق بركب الدول الكبرى في الأولمبياد، ولم يكن لعامل الجينات والوراثة أي دور يذكر في تقدمها الرياضي، وهناك قضية هامة فحواها أن المواهب والقدرات المبنية على أساس الجينات تتفاوت جداً بين لعبة وأخرى وبين لاعب وآخر في نفس الدولة وأعظم أمثلة نظرت لأهمية الجينات كقاعدة رياضية، هو عدل الله، إنه حب الشعوب لملكات وقدرات متفاوتة موزعة في كل أرجاء العالم، ويجب علينا البحث عنها والاستفادة منها لأن لكل إنسان موهبة ولكنه يعجز في اكتشافها فالفنان لم يولد فناناً بل يكتشف قدراته الفنية وكذلك الرسام وثبت أخيراً أن أسباب أي نجاح رياضي يتوقف على التدريب والتغذية والراحة وهي السمات الأساسية للنجاح، وعندما كنت أمارس السباحة لم تكن لي جينات مائية بل كان العامل الأساسي هو التدريب يومياً صباحاً ومساء وتغذية وراحة حتى وصلت العالمية في سباحة المسافات الطويلة التي تعتبر أصعب رياضة حتى اليوم.