تقرير: حسن حامد
مع بشريات السلام الذي وُقّع مؤخرًا بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا وقدوم صناعه إلى داخل البلاد، وعلى الرغم من قرب مواعيد وداع ولاية جنوب دارفور صفحة الاحتراب القبلي، إلا أن أيادي المتفلتين أبت استقرار الأوضاع بالولاية ولاسيما المناطق الجنوبية وتحديداً مناطق التماس ما بين محليتى قريضة وتلس، ولم يمض شهر على توقيع الصلح النهائي بين الفلاتة والمساليت الذي وقع فى يوم ٢٨/ ١١/ ٢٠٢٠م بعد مخاض عسير وقتها ولم يجف حبر هذا التوقيع على الصلح أو التبشير به، اندلعت المعارك مجدداً بين الفلاتة والمساليت يوم السبت أودت بحياة (١٧) شخصاً من بينهم شرطي بجانب إصابة (٤٥) من الطرفين، خطوة لم يتوقعها أحد أن تحدث خاصة بعد تأكيد الطرفين في يوم التوقيع على الصلح بعودة العلاقات القديمة بينهما وعدم الاحتراب مجدداً والالتزام ببنود الصلح الذي شهده واليا جنوب وشرق دارفور بجانب قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو.
تساؤلات
ترك هذا الصراع مساحات واسعة من التساؤلات حول من وراء الفتنة بين الأهل الفلاتة والمساليت؟ وهل هناك أجندة خفية تدير تحريك الأزمة القديمة المتجددة بين الفلاتة والمساليت؟ وما هي النتائج المرجوة من هذا الاقتتال القبلي الذي يروح ضحيته الأبرياء خاصة في أجواء السلام بالتوقيع عليه فى جوبا. وبأي حال من الأحوال عودة الاحتراب بين الطرفين مفروضة جملة وتفصيلاً.
بحسب مراقبين، فإن فرض هيبة الدولة كان ينبغى أن تكون على الأرض وبصورة أقوى منذ التوقيع على الصلح وإلى حين ضمان إنزال بنود الاتفاق، فما وقع من أحداث بالسبت غيّر وجهة مسار السلام الاجتماعى بمناطق الصراع، وأعاد ذرف الدموع في البيوت مجدداً، وكان الجميع في تلس وقريضة وغيرهما يمنون النفس أن يودعوا عام الأحزان ويستقبلوا العام ٢٠٢١م بفرحة السلام، ولكن هيهات طالما المتفلت موجود، فإن تحقيق ذلك صعب المنال.
استنكار وتحقيق
وعقب تجدد الأحداث بين الفلاتة والمساليت هرعت لجنة أمن الولاية برئاسة والي ولاية جنوب دارفور موسى مهدي إسحق إلى مناطق الأحداث التي شهدتها محلية قريضة وخلفت (17) شخصاً وجرح (45) آخرين من الطرفين بجانب حرق بعض المنازل. واستنكرت لجنة الأمن تلك الأحداث المؤسفة بعد أن دفعت بتعزيزات أمنية لمناطق الصراع وتفقدت لجنة الأمن المصابين بمستشفى قريضة. ووعد والي جنوب دارفور موسى مهدي إسحق بالقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، وكشف عن تكوين لجنة تحقيق برئاسة نائب مدير شرطة الولاية برتبة عميد للتحقيق والتقصي في أحداث قريضة، داعياً الجميع إلى التعاون مع لجنة التحقيق. وتابع: (أي شخص وجدناه من قريضة، تلس أو ماشي فى الطريق أجرم أو خطط أو دبر للإخلال بالأمن وقتل الأبرياء سيطاله القانون والعدالة). وقال موسى مهدي إن كل من شارك فى ارتكاب هذه الجرائم أو نهب الممتلكات فإن القانون يأخذ مجراه.
موقف محايد
وكشف مهدي عن وصول قوات كبيرة من نيالا إلى قريضة مهمتها تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة والقبض على أي شخص متفلت يحمل سلاح، مطالباً الجميع بالعمل من أجل تحقيق الأمن بمساعدة الأجهزة الأمنية والشرطية ومدهم بالمعلومات، مؤكداً أن الأمن مسؤولية الجميع.
وأكد مهدي أن حكومة الولاية والقوات النظامية في موقف حيادي والكل متساوون في الحقوق والواجبات الفلاتة والمساليت بدون ميول لأي جهة، وكل من ارتكب خطأ يحاسب بالقانون، داعياً إلى عدم الالتفات إلى الشائعات التي تطلق من الذين لا يريدون الاستقرار ويؤججون الفتن، وأضاف: مصلحتنا البلد تستقر والمواطنون يعيشون مع بعض. وأكد أن ما تتوصل إليه لجنة التحقيق من كشف المتورطين في الأحداث سيقدم للمحاكمة. وتابع (المحكمة تقتلو تسجنو تقطع رقبتو تاني ما بنتدخل تماما).
الإدارة الأهلية
وفي السياق، ناشد رئيس المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بولاية جنوب دارفور الناظر التوم الهادي دبكة قبيلتي الفلاتة والمساليت بتحكيم صوت العقل ووقف الصراع بصورة فورية من أجل وقف إراقة دماء الأبرياء التى يتسبب في تحريكها المتفلتون. وطالب التوم حكومة الولاية ولجنة أمنها بحفظ الأمن والاستقرار وفرض هيبة الدولة بصورة حاسمة، مبدياً أسفه لتجدد الصراع بين الأهل الفلاتة والمساليت بعد توقيعهما مؤتمر الصلح قبل شهر من الآن. وجدد التوم مناشدته للأطراف بالجنوح لصوت العقل وعدم السماح للمتفلتين بتأجيج نار الفتنة.
تداعيات لاحقة
ويرى بعض المراقبين، أن تجدد الصراع بين الفلاتة والمساليت لن يمضي دون الوقوف عنده كثيراً بحثاً وتنقيباً وإنما ستكون له تداعيات كبيرة على صعيد السلام الاجتماعى بمناطق جنوب الولاية إذا لم تتسارع الخطى لاحتواء الموقف بصورة نهائية ويظل انتشار السلاح التحدي الأكبر لأي مصالحات أهلية طالما يخطط المتفلتون لهذه الأعمال الإجرامية فلابد للحكومة المركزية وبأسرع ما يمكن فى التنفيذ الفعلي لنزع أي سلاح وليس جمعاً بدلاً من التصريحات التي تطلق في وسائل الإعلام من قبل ولاة الولايات والمركز حول قضية نزع السلاح التي أصبحت الهم الشاغل لأهل دارفور.