طالعنا تصريحاً لأحد مسئولي وزارة الطاقة والتعدين مفاده بأنه سوف يلغي كل تعاقدات الشركات الصينية العاملة في مجال البترول وذلك لارتباطها بالدولة العميقة، نعم هكذا حديثه دون أي نظرة مستقبلية لطبيعة العلاقات السودانية الصينية التي لها أكثر من نصف قرن، لا ندري متى يكف بعض مسئولي الحكومة عن التصريح أو اتخاذ القرارات الحمقاء، إذا نظرنا الآن الى الشواهد ومؤشرات تكون أكثر وضوحًا حولنا، إذ أن جمهورية الصين الشعبية الاشتركية نجد ما تقوم به حولنا في الدول الأفريقية يجعلنا أكثر تمسكاً بجهودها في تطوير علاقة السودان بها، والدليل على ذلك الآن الكثير من الدول تتعاون وهي تسعى للاستثمار بالقارة وربطها بالطرق والسكك الحديدية، حيث وقعت 126 دولة و 29 منظمة دولية اتفاقيات تعاون مع بكين في اطار مشروع الحرير ولا تنص على دعم غير مشروط للمشروع الصيني، بين هذه الدول طريق يوغندا – جنوب السودان حيث معظم الواردات عبر هذا الطريق وخط السكة حديد للقطار الكهربائي جيبوتي – أثيوبيا الذي يقطع مسافة تقدر750 كيلو متر ذلك يعني أن البضائع تصل خلال أربع او سبعة ساعات بدلاً من أربعة أيام وتم تنفيذه بواسطة شركات صينية، وهذا يساعد في نقل كل واردات إثيوبيا عبر الموانئ الجيبوتية، أيضاً طريق كينيا – أثيوبيا الذي تم افتتاحه الأسبوع المنصرم بحضور الرئيس الكيني أهوركنياتا ورئيس الوزارء الأثيوبي أبي أحمد، وهذا الأخير يربط بين نيروبي – ممبسا إلى أديس أبابا، وممبسا هي الميناء الكيني المطل على المحيط الهندي وسكة حديد نيروبي – ممبسا، كما في يوغندا تم تعبيد طريق حديث يبلغ طوله خمسين كيلومتراً الى المطار الدولي بالأموال الصينية، كما تكفلت بتحويل مدينة ساحلية صغيرة في تنزانيا إلى ميناء قد يصبح أكبر موانئ القارة الأفريقية. كل هذه المشروعات يتم تنفيذها عبر شركات صينية، وإذا نظرنا نجد هذه الدول هي الأكثر تقارباً مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، فلماذا نود ربط مصير السودان بمحور أحادي في زمن تجد كل ما تحتاجه عبر طرق متعددة .
الصين تقدم المشروعات دون دوافع سياسية بل تسعى للربح وهذه المشاريع الصينية تخدم البيئة وقابلة للاستمرار ماليًا دون فساد إذا وجدت الحكومات الجادة، كما أن هذه الدول لا تستطيع تمويل وإنشاء هذه المشروعات والبنيات التحتية الآن، ويتم إنشاء هذه الطرق بالسداد عبر حزم مختلفة وعبر عقود يمكن إذا كانت الحكومات جادة تستطيع توظيفها والسداد دون فوائد كبيرة .
مشروع القطار الكهربائي الذي يربط إثيوبيا بجيبوتي تقدر التكلفة بمبلغ أربعة ملايين يورو بتمويل عبر الشركات الصينية. طريق الحرير يربط القارات الثلاث أوروبا، آسياء وأفريقيا عبر ممرات مائية وطرق برية لتوصيل البضائع الصينية الى القارة الأفريقية ويمكن للسودان الاستفادة منه عبر إدخال المنتجات إلى تشاد، أفريقيا الوسطى والكاميرون وإعادة الحياة إلى المناطق التي يمر بها هذا الطريق من الميناء شرقاً الى دارفور غرباً.
نعود إلى حديث مسئول وزارة الطاقة والتعدين وكان من الأوفق الدعوة إلى مراجعة العقود مع الشركات الصينية العاملة في مجال إنتاج النفط وحذف البنود التي لا تخدم الحق الوطني وإعاته مع إبرام تعاقدات جديدة بدل الحديث عن الدولة العميقة وعلاقتها مع الصين، وفي السياسة والمصالح لا يوجد صديق أو عدو دائمان، يمكن الاستفادة من الشركات الصينية في مجال الطرق والطرق السريعة والسكة الحديد والمشروعات الأخرى والعمل على استكمال مشروع طريق الحرير، لو نظرنا الآن لم نجد ولا دولاً تقدم مثل هذه المشروعات داخل القارة سوى الصين تقرض المليارات لحلفائها في القارة الأفريقية وتنجز المشاريع الكبرى بين الدول.
العلاقات السودانية الصينية ليست مرتبطة بالحكومات السودانية المتعاقبة ديمقراطية كانت أم عسكرية، بل الإنجازات الصينية ظاهرة للعيان قبل نظام الإنقاذ، ولم تكن في مجال إنتاج النفط فقط، بل هناك علاقات ثقافية وصلت إلى ترديد الأغاني والمقطوعات الموسيقية السودانية في البرامج الصينية، والآن مشروع تمويل المسلخ غرب أم درمان الجديد الذي سيكون إضافة بتمويل من الحكومة الصينية، المستشفى الصيني، لذا ضرورة الأخذ في الاعتبار رسوخ العلاقات بين الدول وعدم تعرضها إلى هزات تكون لها ارتدادات كارثية على الجميع وخلال هذه الفترة، السودان أحوج إلى المحافظة وتطوير العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية الاشتراكية.