تقرير: صلاح مختار
خلال الفترة الأخيرة، وبعد أحدات الشرق بدأت تتبلور في الأفق ملامح تلاحم كبير بين الشعب وقواته المسلحة عقب مرحلة أحدثت فيها شرخاً أدى إلى التشكيك في المؤسسة القومية التي يجمع عليها الناس. تلك الملامح وضحت من خلال الدعم السياسي والشعبي والمعنوي الذي ظلت تتلقاه القوات المسلحة وهي تخوض معارك استعادة الكرامة وإرجاع الأرض المغتصبة في الشرق. ربما لأن القضية ظلت محل إثارة في كل مرة، وخلال تلك السنين لم تحل كثير من الأزمات رغم قدرة الجيش لحلها عسكرياً، ولكن تُركت الجوانب السياسية والدبلوماسية تأخذ مجراها، ولكن عندما تتمادى أيدٍ خارجية لاستقطاع أرض سودانية، فإن أوجب واجبات القوات المسلحة استعادة الحدود وحمايتها من أي مغتصب .
جانب تاريخي
ومنذ الاستقلال تقوم القوات المسلحة بدورها، ويقف من خلفها الشعب السوداني في كل معاركها ومشهود ذلك التلاحم في كثير من المواقف والأزمات الداخلية.
ويرى بعض المراقبين أن دور القوات المسلحة ظهر خلال مرحلة التغيير التي انحازت إلى صف الشعب وقام بدوره في تأمين التغيير للوصول إلى مبتغاه، ربما لأن انقطاع الوعي للتلاحم بين الجيش والقوات المسلحة ليس بالقصير فيما يتعلق بما يقوم به من أدوار تجاه الشعب في أزماته المختلفة والقيام بواجبه عقب الأحداث في شرق السودان ليفيق الوعي الوطني تجاه المؤسسة التي يراها أنها صمام أمان البلاد، ولذلك من الطبيعي أن نجد شخصاً مثل رجل الأعمال الكاردينال يتبرع للقوات المسلحة فيما تقوم لجنة التمكين بتسيير قافلة دعماً للجيش لتبدأ مرحلة أكبر لتنتظم القوى السياسية لتقوم بدروها في الوقوف خلف القوات المسلحة.
ومن الأمثلة كذلك النداءات المتكررة والبيانات المتعددة التي تدعم الجيش.
دافع معنوي
ويرى المحلل الاستراتيجي اللواء د. مهندس عبد الرحمن أرباب أن القوات المسلحة تؤدي دورها في حماية الشعب بأكمل وجه من خلال ما تقوم به في كافة المحافل الداخلية والخارجية. يعتبر الجيش حامي حمى الشعب وهو يحمي التنمية ويحفظ الاستقرار ضد أي مهددات..
وقال الأرباب لـ(الصيحة): في ظل الأمن الذي يوفره الذين دخلوا الجيش ويؤدي دوراً ما كان في السابق يدخله أي شخص، بالتالي من يدخل خدمة القوات المسلحة يعمل في ظروف بالغة التعقيد، وفي ظروف صعبة بالإضافة إلى ذلك الفرد في القوات المسلحة يحكم بقانون صارم في ظروف عادية لا يمثل أي شيء، ولذلك متوقع في ظل تلك الظروف أن تتحرك قطاعات الشعب لتقديم الدعم للقوات المسلحة من الشعب الذي يمثل دافعاً معنوياً كبيراً، ويعتبر من أهم الدوافع لمواصلة القتال.
ويرى أرباب أن أهم أدوات الفرد العسكري جاهزيته المعنوية ومهم جداً أن تصبح مرتفعة على الداوم وليس المهم الدعم المادي أو العيني فقط، وإنما الدعم المعنوي لرفع الروح المعنوية التي تساعده في القتال، وقال إن استمرار ذلك ليس مرتبطاً فقط بأوقات الالتحام، وإنما في ظل إمكانيات وظروف وتعقيدات أمنية شديدة تحدث للمقاتل في السودان .
تصحيح المسار
ويقول أرباب الآن يمكن تصحيح المسيرة وتقديم المبادرات من منظمات لدعم الجيش ليست منظمات حزبية أو رسمية وإنما من خلال رعاية وتقديم البرامج بالإضافة إلى قطاع الإعلام.
وقال أرباب إن قضايا القوات المسلحة حساسة يجب ألا تنشر في وسائل الإعلام، ولكن يمكن معالجتها بطرق أخرى لجهة أن نشرها يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية لدى الجُند، وتدخل في إطار المسؤولية المجتمعية المشتركة ما بين الجيش والشعب، حيث أن الجيش عليه أن يؤدي دوره كاملاً، فيما يقوم الشعب بدوره كاملاً تجاه القوات المسلحة.
ولفت إلى الدور الاجتماعي الذي لعبته القوات في جنوب السودان، حيث أشار إلى الدور التعليمي والصحي والاقتصادي، وبالتالي المطلوب من الشعب والمواطنين احترام المؤسسة العسكرية باعتبارها قومية إلى جانب توفير مزايا إيجابية للفرد بالقوات المسلحة سواء بالخدمة أو المعاش حتى يشعر بأن الذي في الخدمة أن هنالك اهتمامًا به حتى عندما ينزل من الخدمة، ويشعر الذي بالمعاش بأنه ما بذله يحفظه الشعب. وأما بشأن ما يتعلق باستغلال القوات المسلحة في تصفية الحسابات السياسية، فقال إنه دعا القوى السياسية إلى توقيع ميثاق شرف عسكري بأن لا يقوم بانقلابات عسكرية وأن الأحزاب تقوم باستغلال الجيش في عمل الانقلابات.
منطق البطولات
الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة العميد (م) الصوارمي خالد سعد قال: “يظل الشعب السوداني هو الشعب السوداني منذ أن تغنت مهيرة وشغبة ورابحة الكنانية ببطولات الرجال وهذا هو ديدن الشعب السوداني”. وقال لـ(الصيحة) إن الجيش سيظل هو الجيش عصياً على التغيير من منطق البطولات والتضحيات إلى منطق المساومات والمفاوضات غير المفضية إلى لا شيء الشعب السوداني يلجأ دائماً إلى الجيش عندما تشتد به الأزمات وتضيق عليه الدروب وتعود الجيش دائماً أن ينصر شعبه في كل الثورات السودانية. وحتى سعينا نحو المدنية الكاملة في الحكم، فلن يتحقق إلا بدعم القوات المسلحة بل بتبنيها الكامل لمشروع الحكم المدني الذي سيأتي مترتباً على التنحي التدريجي للجيش عن الحياة السياسية. ولكي يحدث ذلك فلا بد للشعب أن يقف في صف الجيش من أجل الإصلاح وتقديم النصح والرأي والمشورة. وإلا فإن الجيش لن يتنحى عن الحياة السياسية .
القضايا المصيرية
وأكد المحلل في الشئون العسكرية د. أبو بكر آدم أن القضايا المصيرية بالضرورة أنها توحد الجبهة الداخلية مثلما وحدت الأحداث في شرق السودان، الجبهة الداخلية خلف القوات المسلحة التي تمثل رأس الرمح في حماية الأمن القومي، والقوات المسلحة لا تخوض وحدها المعارك، وإنما الشعب كذلك سواء كان بالدعم الشخصي من خلال التطوع أو الدعم المعنوي أو المادي، مشيراً إلى زيارة رئيس حركة العدل والمساواة الأخيرة إلى الخطوط الأمامية للجيش في الجبهة الشرقية والتي تعتبر دعماً معنوياً من قيادة سياسية كانت في وقت سابق تعمل ضد القوات المسلحة، بالإضافة إلى قافلة إزالة التمكين، وبالتالي الآن الصورة الذهنية السابقة تغيرت في هذه اللحظة التاريخية يقف الشعب مع الجيش من أجل استعادة أرض سلبت. ونوه إلى وجود تحول في السودان خاصة بعض فض الاعتصام، وقال لـ(الصيحة): ليست هنالك أدلة مباشرة تدل على أن الجيش يقف وراء ذلك، وبالتالي تلك النقطة استخدمها بعض المتربصين بالقوات المسلحة للنيل منه، غير أن واقع الحال تغير، حيث توحدت الجبهة الداخلية وأن كثيراً من الناقمين الآن هم داعمون للقوات المسلحة، والآن نحن في مرحلة توحيد الجبهة الداخلية لاسترداد أرض لا تمثل أرضاً للقوات المسلحة، وإنما هي أرض ملك للشعب السوداني، ولذلك المطلوب أن يقف الشعب مع قواته المسلحة في خندق واحد مادياً ومعنوياً والمطلوب في هذه المرحلة توحيد الجبهة الداخلية.
دفعة معنوية
واعتبر قائد منطقة ود عاروض بالفشقة بولاية القضارف اللواء ركن أحمدان أحمد خير زيارة د. جبريل إبراهيم عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية رئيس حركة العدل والمساواة السودانية والوفد المرافق له للخطوط الأمامية لدعم القوات المسلحة دفعة معنوية. وقال لـ(سونا) إن الزيارة تسهم بصورة كبيرة في رفع معنويات القوات المسلحة في الخطوط الأمامية، مؤكدًا جاهزية القوات المسلحة لصد أي عدوان يستهدف الأراضي السودانية. وأشاد بوقوف مواطني منطقه ود عاروض لدعم القوات المسلحة، مشيرًا الى أن تلاحم الجيش مع المواطنين يشكل قوة يمكن عبرها استرداد كل الأراضي. فيما قال قائد قوات الدعم السريع إنهم جاهزون للتحرك بسرعة لحسم كل تجاوز يحدث في الحدود، مشيراً الى دور قوات الدعم السريع خلال الفترة الماضية في الذود عن الوطن بكل بسالة.
حب متبادل
ولعل الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بداية التغيير بحسب موقع (العين) أظهر الحب المتبادل بين الشعب السوداني وقواته المسلحة، ويطلق المدنيون على القوات المسلحة مصطلح (الجياشة) كناية عن إلفتها ووسم (للحب) المتبادل بين شعب السودان وقواته المسلحة، والذي يستند إلى تاريخ ضارب في القدم، حيث تغنى به السودانيون وكثير من رموز الفن بالبلاد. وعادت تلك المشاعر تتدفق خلال انتفاضة أكتوبر ثم ثورة التغيير الأخيرة حيث هتف المواطنين لـ(الجياشة) وهم ينفذون اعتصاماً مفتوحاً أمام القيادة العامة للقوات المسلحة 6 أبريل2019. ومنذ ذلك التاريخ، عكست أيام الاعتصام المستمر حتى الآن قصة تلاحم فريدة بين الشعب السوداني وجيشه تستلهم ذكريات الماضي الجميل.
أيقونة الاعتصام
وشكل أفراد القوات المسلحة أيقونة للاعتصام، حيث لم يكتفوا بتوفير الحماية للمعتصمين وإنما عمدوا للنزول وسط المحتجين وقضاء ليالٍ من الطرب والإنشاد الوطني برفقتهم في مشاهد جسدت معنى الولاء الصادق بين شعب السوداني وجيشه لبعضهما بعضًا.
ويقول رئيس تحرير صحيفة “الأخبار” سابقا طبقاً للموقع مصطفى أبوالعزائم، إن “المحبة بين الشعب السوداني والجيش لها تاريخ ضارب في القدم، وفشلت محاولات شرخها من قبل الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد منذ الاستقلال العسكري والمدنية، حيث دائما ما تنحاز إلى المواطن في كافة خلافاته مع السلطة”.