خروج “يوناميد”.. المخاوف والتوتّرات تعود لدارفور!
تقرير/ فاطمة علي
تتزايد المخاوف والتوترات بدارفور من حدوث فراغ أمني، بخروج طبعثة اليوناميد لحفظ السلام” من دارفور، وظلت ولايات دارفور تشهد منذ 2003 تفلتات وصراعات وحروباً راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل، وتسببت في نزوح ما يقارب 4 ملايين شخص إلى معسكرات جماعية بحثاً عن الأمان.
وقال نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا إن الوحدة المتبقية ستركز على حماية أفراد يوناميد، حال وقوع انفلات أمني أو تهديد للمدنيين بدارفور، ونفذ الأسبوع الماضي نازحو معسكر “كلمة” اعتصاماً مطالبين ببقاء يوناميد لحمايتهم لعدم وجود أمن، وفي ظل استقطاب أمني وسياسي ملحوظ رغم توقيع اتفاق سلام في أكتوبر الماضي بين الحكومة السودانية وعدد من حركات الكفاح المسلح التي خاضت الحرب.
انفجار الوضع
ويرى عدد من المراقبين أن تؤدى الاحتكاكات وحالة الغضب وسط سكان المعسكر من أهالي ضحايا الحرب إلى انفجار الوضع بدارفور. وتخوف الخبير الاستراتيجي محمد بشير كندة، من أن تؤدي الاحتكاكات السابقة وحالة الغضب في أوساط أهالي الضحايا تجاه بعض القوات الأمنية إلى جعل الوضع في دارفور قابلاً للانفجار في أي وقت.
وقال: من واجب الدولة حماية المدنيين، وأكد أن البعثة الدولية الجديدة قادرة على سد الفجوة، التي قد يخلفها خروج قوات اليوناميد.
وأنشئت “اليوناميد” في يوليو 2007 بقرار من مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لحماية المدنيين وتيسير إيصال المساعدة الإنسانية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة والجهات المعنية الأخرى وضمان سلامة وأمن موظفي المساعدة الإنسانية. وتنتشر قوات البعثة المكونة من “26” ألف فرد في 35 مركزاً موزعة عبر كافة ولايات دارفور.
هشاشة أمنية
ويرى خبير العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عبده مختار لـ(الصيحة)، أن من الطبيعي أن يطالب سكان المعسكرات بحماية دولية في ظل الهشاشة الأمنية التي تعيشها مناطق الحرب، وحتى مدن البلاد الكبرى. ونوه مختار: ليست هنالك ضمانات كافية لتطمين النازحين على أمنهم بعد خروج قوات اليوناميد، خصوصاً في ظل السيولة الأمنية وعدم هيكلة وتوحيد القوات الوطنية وتسليحها بعقيدة عسكرية تضبط سلوك تلك القوات، وتستعيد ثقة سكان مناطق الحرب فيها. وأكد أن هناك مخاوف عبر عنها سكان معسكرات النازحين خلال الأيام الماضية تعكس الشعور بأهمية الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والمتمثلة في طلب البعثة الدولية المختلطة، والتي يعول عليها كثيراً في تنفيذ أجندة السلام والمساعدة في بناء القدرات. وتوقع أن تتيح الآلية الجديدة للسودان، باعتباره عضواً في الأمم المتحدة، الاستفادة من إمكانيات المنظمة في دعم متطلبات التحول نحو الحكم المدني وإرساء دعائم السلام والأمن.
رأي معسكرات
في الوقت الذّي دعا فيه النازحون بمعسكرات دارفور الشعب السوداني للتضامن معهم في اعتصامات داخل المخيمات احتجاجاً على قرار خروج بعثة يوناميد من الإقليم قبل أن تكتمل عملية السلام ويتحقق لهم الأمن والاستقرار.
وقال محمد حسين أحد مواطني معسكر النازحين، لـ(الصيحة) إن القرار كان متوقعاً مع التغيير الذي تم، مؤكداً أن قوات اليوناميد هي قوة سلام مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، عندما حدث صراع في دارفور وحمل أبناء الإقليم السلاح ضد نظام البشير المعزول، حتى سيطروا على مناطق، ويرى أن هناك تحسناً في الوضع الأمني مقارنة بالسنوات الماضية، على الرغم من مظاهر العنف، لكن الوضع أفضل حالاً، وتوقفت الحرب عملياً بالإقليم، وهو ما دعا البعثة إلى الانتقال من الفاشر إلى زالنحي قرب معقل عبد الواحد محمد نور أحد الفصائل التي لم تنضم لاتفاق السلام الذي وقع بجوبا. وأضاف: كنت متوقعاً من مجلس الأمن أن يحول قوات اليوناميد من قوات حفظ السلام والأمن الى قوات بعثة تساعد في التحول من حالة الحرب وآثارها والمساهمة في التنمية. وأكد أن إنهاء عمل البعثة سيترك فراغاً كبيراً مطالباً الحكومة بأن تتحرك لسد الفراغ هذا، وأضاف أن البعثة التي تبلغ 300 فرد صغيرة ولا تحقق ظروف دارفور التي تحتاج لجهود كبيرة، ونحتاج لبعثة مختلفة وتحويلها لبعثة إنسانية.
وقفات احتجاجية
فيما يرى الناشط بمعسكر كلمة محمد آدم، أن القرار ضربة لسكان دارفور عامة وبشكل خاص للنازحين بالمعسكرات، وقد نظم النازحون بالمعسكرات وقفات احتجاجية مطالبين بعدم إنهاء عمل البعثة، يرى أن القرار فيه استعجال للخروج، لأن الأوضاع لا تزال تشهد تفلتاً أمنياً حتى بعد توقيع السلام الذي لم يدخل حيز التنفيذ، ولم تشكل المفوضيات المعنية بالنازحين حتى يطمئن اهل المعسكرات، مشيرًا إلى أن ذلك يحدث فراغاً كبيراً لحفظ الأمن. ونوه إلى أن سكان عدد من المعسكرات كمعسكري كلمة والحميدية وهي أكبر المعسكرات لا يثقون في الحكومة وقواتها ولن يقبلوا بها. وقال فور إن هناك مجموعات تحمل سلاح ولا تنتمي لأي جهة، تقوم بعمليات إجرامية وقتل ونهب، وأشار إلى أن هناك فصيلاً لم يدخل السلام.
تعزيز السلام
والتقى رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك بوفد لجان المقاومة الذّي يمثل معسكرات النازحين “أبوشوك، السلام، وزمزم بولاية شمال دارفور” بحث اللقاء قضية مشاركة النازحين في هياكل السلطة الانتقالية.
من جهة أخرى بدأ وزيرا الدفاع والداخلية منذ السبت الماضي اجتماعات بالخرطوم لبحث الترتيبات الأمنية واستعدادات لما بعد خروج قوات بعثة يوناميد والتدابير والخطط اللازمة لحماية المدنيين بولايات دارفور حسب الخارطة الأمنية بالبلاد لمواجهة التحديات الراهنة وتحقيق سيادة حكم القانون وحفظ الأمن والاستقرار.
وقال المتحدث باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين آدم رجال، إن خروج بعثة يوناميد من الإقليم في هذه الظروف لا يعزز السلام الاجتماعي ويجعل النازحين عرضة لمزيد من الانتهاكات لجهة أن السلاح لا يزال منتشراً في الإقليم، ولم تتم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتحقيق العدالة الانتقالية. في الوقت ذاته أعلنت وزارة العدل أنها بصدد فراغها من مشروع قانون مفوضية العدالة الانتقالية، وحددت سلطات واختصاصات المفوضية بعد مسح شامل للانتهاكات.
عدالة وإنصاف
واعتبر عدد من الخبراء القانونيين أن لقاء وكيل وزارة العدل سهام عثمان مع ممثلي حركات الكفاح المسلح الموقعين على اتفاق السلام للاستماع إلى وجهات نظرهم في مشروع قانون مفوضية العدالة الانتقالية، وأيضاً استمعت إلى قانونيين ومنظمات المجتمع المدنى، والمنظمات المختصة بقضايا حقوق الإنسان للأخذ بآرائهم قبل تقديمه للإجازة من قبل مجلس الوزراء ثم السلطة التشريعية بمثابة إنصاف للضحايا.
وفي ذات الصعيد أكد أمين السلام بالجبهة الثورية أحمد محمد تقد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة، أن مشروع قانون مفوضية العدالة الانتقالية واحد من آليات تحقيق العدالة والإنصاف حسب ما نصت اتفاقية السلام حتى لا يصبح النازحون رهائن في معسكرات الخراب لجهات وأحزاب سياسية تتاجر بهم لتحقيق مكاسب بحجة أن الأمن غير مستقر في دارفور.
ووافق مجلس الأمن الدولي في يونيو بالإجماع على إرسال بعثة دولية جديدة للسودان تحت البند السادس بعد أن ظل السودان لأكثر من 15 عاماً موضوعًا تحت البند السابع ردًا على تصرفات نظام المخلوع عمر البشير، الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019، وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتضمن جرائم حرب في دارفور. ويتضمن الفصل السادس 6 مواد تركز على معالجة النزاعات وتعزيز بناء السلام عن طريق آليات دولية من بينها مفوضية بناء السلام، وصندوق بناء السلام الذي يتبع مباشرة للأمين العام للأمم المتحدة. ويساعد هذا البند في حل النزاعات بالتسويات والطرق السلمية. وشهد الإقليم، منذ 2003، نزاعاً مسلحاً بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.