الخرطوم/ مريم أبشر
تناقلت الوسائط الإلكترونية خلال الأيام الماضية خبراً أشار إلى أن أربعة دبلوماسيين سودانيين يطلبون اللجوء إلى أوروبا وامريكا لأسباب مختلفة. وشمل كشف المطالبين نائب البعثة في فيينا الذي رفض العودة بعد اختلافه مع رئيس البعثة وقرر التوجه للندن طلباً للإقامة، فيما انتهت مدة عمل الآخرين والمحدده وفق قوانين العمل الإدارية بالخارجية بأربع سنوات رفضوا العودة للخرطوم رغم استلامهم تذاكر سفر العودة وطلبوا من الجهات المعنية بالهجرة في الحكومة البريطانية منحهم حق اللجوء السياسي.. ويعزو البعض خطوة المطالبين بمنحهم حق اللجوء بأنهم ربما يرون أنفسهم أنهم محسوبون على نظام العهد البائد وأنهم ربما تمثل عودتهم خطراً عليهم أو مخاوف بفقدان الوظيفة حال وصولهم الخرطوم، وبالتالي لن تتاح فرصة الخروج من السودان غلى دول أخرى على الأقل مثل بريطانيا وبالتالى آثروا البقاء والبحث عن إمكانية أن يظفروا بحق اللجوء وهي فرصه لن تتكرر مرة أخرى وقد يتساءل البعض هل من حق العاملين في الدولة الذين منحتهم حق العمل في مؤسساتها بالخارج الإخلال أخلاقياً بالثقة التي منحتها لهم الحكومة وبالشروط الإدارية للعمل!.
أسف الخارجية:
وزارة الخارجية السودانية الجهة المعنية بطالبي اللجوء عبرت عن أسفها لتقدم مساعدي الملحق العسكري بالسفارة في لندن، بطلب للجوء السياسي في بريطانيا، بعد انتهاء عملهم وأن هذا الطلب يأتي في ظل حكومة الانتقال التي كفلت الحريات العامة والسياسية. وقالت وزارة الخارجية السودانية، إنه بعد انتهاء فترة عمل اثنين من مساعدي الملحق العسكري بسفارة السودان في لندن، في نهاية أغسطس الماضي وبعد تسوية مستحقاتهما وتسلم تذاكرهما للعودة إلى السودان، قام المعنيان بإعلان رفضهما العودة وعزمهما على طلب اللجوء السياسي. تأسفت وزارة الخارجية لاتخاذ مساعدي الملحق العسكري المذكورين قرارهما الشخصي المعني دون تقدير للاعتبارات العامة المتعلقة بالوظيفة الرسمية التي كانا يؤديانها. وتعهدت وزارة الخارجية بالعمل على تأكيد التزام جميع العاملين فيها بالنظم والضوابط والاعتبارات ذات الصلة، نافية تقدُّم أيٍّ من العاملين الآخرين في السفارة بطلب الحصول على اللجوء السياسي، مؤكدة أن جميع العاملين في السفارة يقومون بأداء واجباتهم الموكلة إليهم.
وفق القانون:
طلب حق اللجوء يعد حقاً أصيلاً لكل إنسان وفق مواثيق وقوانين الأمم المتحدة، وقد نصت المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في طلبِ اللجوء والتمتع بهه فى بلد أو بلدان أخرى حتى لا يتعرّضَ للاضطهاد في بلدهِ الأم. وسعت الأمم المتحدة جاهدةً لضمان تثبيت هذا الحق من خِلال دفع باقي الدول للتوقيع على عددٍ من التشريعات في هذا الإطار بما في ذلك الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي سُنّت عام 1951 وكذَا البروتوكول المتعلق بأوضاع اللاجئين عام 1967. في ظل هذه الاتفاقات؛ فإنّ اللاجئ هو الشخص الذي يحتاج مغادرة بلدهِ (أو محل إقامته في حالة عديمي الجنسية) بسبب الخوف من الاضطهاد باحثاً في ذلك عن الحماية في دولة أخرى.
أشكال الاضطهاد:
ويعد الاضطهاد الوظيفى أو فقدان المراكز العملية أحد الأسباب التي تدفع بالبعض للخروج من بلده والذهاب لبلد آخر طالباً اللجوء لتقنين وضعه الجديد . ويشير متخصصون إلى أن للاضطهاد عدّة أسباب من بينها الاضطهاد على أساس العرق الطائفة، الجنسية، الدين، أو حريّة الفكر أو المشاركة في أي مجموعة اجتماعية أو أنشطة اجتماعية. وحسب القوانين واللوائح الدولية فهناكَ ما يُعرف بمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي وهو مبدأ يُرغم معظم دول العالم على عدم إعادة المضطهدين إلى بلدانهم الأصليّة، مهما كانت الأوضاع التى تعيش فيها البلدان المستقبلة أو أنها ليست بحاجة إليهم، فقد حرمت القوانين الدولية على الدول إرغام بالمطالبين باللجوء إليها وإخراجهم منها قسراً.
تعدد الأسباب:
يعد السودان من أكثر الدول التي فقدت كوادرها خلال فترة الإنقاذ السابقة فقد توزع السودانيون في كل دول العالم وقاراته الخمس وعانت البلاد من نزيف الكوادر المؤهلة الذين عمروا العالم وكانت بلدهم في أشد الحاجة لهم، غير أن السياسة التي اتبعها النظام البائد بتقريب أهل الولاء وإقصاء من يخالفها الرأي والتوجه أفقد البلاد ثروة بشرية هائلة من أصحاب الفكر والمؤهلات الرفيعة .
في العقود الأخيرة تعددت دوافع طالبي اللجوء، وخاصة من البلدان الفقيرة، وأخذ أصحاب هذه الدوافع يحاولون إيجاد مسوغات تتناسب مع مطلوبات القانون الدولي حتى وإن لم تكن كذلك بالفعل، وبرع عدد من مكاتب المحاماة في الدول الغربية في تفصيل حالات طالبي اللجوء لتتناسب مع ذلك. ولأن الغالبية العظمى من الدول التي تمنح حق اللجوء هي دول غربية فقد أضحى تصنيف هذه الدول للنظام الحاكم في بلد معين ومدى تمتع كل مواطنية بكامل حقوقهم عنصراً أساسياً في تعزيز فرص حصول طالبي حق اللجوء من البلدان الأخرى.
تكرار السيناريو:
في السودان، وبعد ثورة التاسع عشر من ديسمبر، وبرغم أن الثورة التي أطاحت بنظام كان مصنفاً بأنه شمولي ويضطهد مواطنيه، إلا أنه لا نستطيع القول إن كل المواطنين – بعد مرور قرابة العامين – أضحوا يتمتعون بكامل الحقوق ولا يتعرضون لأي نوع من أنواع الاضطهاد . خاصة وأن بعض الأصوات بدأت ترتفع وتظهر مخاوفها من أن تمكيناً آخر بشكل جديد قد يتكرر إن لم يحرس الثوار ثورتهم القائمة على مثلث الثورة الملهم الحرية والسلام والعدالة.
ويرى مراقبون أن بعض مناطق السودان ما زالت في حكم التي تعيش حرباً أهلية، وما يزال الناشطون ومعارضو سياسات الحكومة الانتقالية يتعرضون للسجون بسبب قوانين قمعية، وما تزال هنالك بعض الرقابة الذاتية يمارسها بعض الصحفيين خوفاً على حياتهم نظراً لانتشار ظاهرة حمل السلاح غير المرخص لدى جماعات إجرامية لتحمي مصالحها ولكون الدولة لم تفرض بعد سيطرتها الأمنية على كامل التراب الوطني.
إزالة التمكين:
معلوم أن نظام الإنقاذ البائد طوال سنينه قام حكمه على تمكين أهل الولاء خاصته من مفاصل الدولة وبعد سقوطه بثورة ديسمبر المجيدة كان أحد أبرز أولوياتها إزاحة المتاريس الإدارية من الخدمة المدنية، ولذلك عملت لجنة إزالة التمكين واستعادة الأموال على فصل المئات ممن عملوا في وظائف حكومية خلال فترة حكم النظام السابق، وآخرون ما زالوا معرضين للفصل من وظائفهم بواسطة لجنة سياسية تعمل وفق قانون خاص، ولكن الحكومة الانتقاليه منحت هؤلاء المفصولين الحق في مقاضاة اللجنة أو استئناف قراراتها، الأمر الذي يعزز الحيثيات بوجود أكثر من شكل من أشكال الاضطهاد وقع على هؤلاء وقد اعترفت اللجنة في أحد مؤتمراتها أنها أخطأت بفصل عدد من العاملين وعملت على إصلاح الخطأ بإعادتهم لمواقع عملهم مرة أخرى.
اغتنام الفرصة:
حق الاستئناف والبحث عن إرجاع الحق الوظيفي، هذا فيما يلي من طالهم الفصل هم بالداخل، أما الذين أتاحت لهم الحكومة فرصة العمل بالخارج وانتهت فترة عملهم وهم محسوبون على النظام السابق ويساورهم الشك بأنهم سوف تطالهم يد لجنة إزالة التمكين، فإن العامل الحاسم في هذا الأمر هو قدرة أصحاب طلبات اللجوء في الوصول إلى بلد الملجأ، وفي حال قرر أي موظف حكومي يعمل بالخارج التقدم بطلب اللجوء في البلد الذي يعمل فيه أو تمكن من الوصول إلى بلد الملجأ الذي يقصده فإن فرصته في الحصول على ذلك تكون أفضل بأضعاف ممن يتقدم وهو داخل السودان .
مبررات الطلب :
الدفع بمسوغات منطقية تتمثل في النظام الدكاتوري القابض والمحتكر للوظائف لمنسوبيه بجانب ممارسة الاضطهاد السياسي والديني والعرقي القبلي كانت مبررات كافية إبان العهد البائد لكل حكومات دول العالم في أن تمنح السودانيين المستجيرين بها من رمضاء بلدهم حق اللجوء السياسي وقد استفاد من هذه الأعذار أعداد هائلة من السودانيين المنتشرين في بقاع العالم وأول من غادر السودان بعد تسلم الإنقاذ مقاليد الحكم فى البلاد هم الأقباط باعتبار أن نظام الإنقاذ إسلامي وأبدوا مخاوفهم من الاضطهاد الديني حسبما روى السفير المخضرم الرشيد أبو شامة للصيحة بجانب آخرين طلبوا اللجوء السياسي أوناشطين في منظمات مجتمع مدني حقوقية ضد النظام البائد وغيرها، بيد أنه وبعد أن أزال الشعب السوداني بثورته حكم الإنقاذ وتشكلت الحكومة الانتقالية التي تعمل في وضع أسس الحكومة الديمقراطية أصبح التعلل بطلب اللجوء السياسي أمراً يستدعي البحث عنه، ويقول أبو أشامة للصيحة إن على طالبي اللجوء منسوبي سفارة السودان بلندن إبراز المبررات للحكومة البريطانية التي دفعتهم للتقدم بالطلب مع تأكيده على أن طلب اللجوء السياسي حق كفلته لهم قوانين ومواثيق الأمم المتحدة، وأضاف: بناء على ما يدفع به طالبو اللجوء يمكن للحكومة البريطانية أن تقرر منحهم هذا الحق أم لا ولم يستبعد أن يكون أحد أسباب لجوء هؤلاء لهذه الخطوة أنهم محسوبون على النظام السابق وأنهم حال وصولهم سيفقدون وظائهم عبر لجنة إزالة التمكين وسيتعرضون للاضطهاد السياسي والوظيفي رغم أن البلاد تعيش وضعاً ديمقراطياً.