الإسلاميون في السودان.. أكثر من وجه!
تقرير/ عبد الله عبد الرحيم
نُسِبَ إلى الأديب الراحل الطيب صالح أنَّه وصف الراحل د. حسن الترابي حينما خرج من السجن عقب خلافاته مع نظام الإنقاذ عام 2005، قبل أن يُكرَّر اعتقاله مرَّات عدَّة، بقولته الشهيرة وهي “الترابي رجلٌ محظوظ، الحياة تُعطيه فرصة أخرى، والحياة عادة ليست سخية في إعطاء الفرص”. فها هي الأيام تدور وتقف مع الإسلاميين في ذات المربع الذي وقف فيه الترابي حين خلافاته مع البشير، فهل ستمنح الحياة فرصة أخرى للإسلاميين وبأي وجه جديد سيظهرون؟.
بداية خطوة
بدأ الإسلاميون بمختلف تياراتهم، و في خطوة جريئة ترتيب أوراق عودتهم للمشهد السياسي بصورة أكثر جدية، تظهر الوجه الجديد لهم عقب التداعي لاجتماع حضره لفيف من قيادات الوسط بنهر النيل مؤخراً، فيما توالت ردود الأفعال داخل الوسط الإسلامي بصورة لافتة للدعوة التي وجهها بعضهم للملمة شتاتهم عقب قيام ثورة ديسمبر التي أطاحت حكمهم في أبريل من العام 2019م، وشهد من بعدها حملة شرسة عليهم مصحوبة بقوانين الثورة تهدف لطمس ومحو آثارهم إضافة لمحاولات إبعادهم عن الخارطة السياسية بعد حكم استمر ثلاثين عاماً.
التحركات الأخيرة التي قام بها بعض الإسلاميين الحادبين للملمة صفوفهم التي تفرقت من قبل لأكثر من حزب وحركة، بعضها يناوئ بعضها، وجدت ردود أفعال كبيرة داخل قيادات تلك الحركات (المؤتمر الشعبي- الإصلاح الآن-المؤتمر الوطني- بجانب الإخوان المسلمون) وغيرها من التيارات الأخرى التي تنتمي للحركة الإسلامية السودانية المبعدة عن المشهد السياسي. فهل أحداث اليوم والدعوات المستمرة من قبل نشطاء الإسلاميين لإزاحة التراب من وجه لافتتهم الكبيرة ستعيد الحزب والحركة بوجه جديد أم إن ما يجري اليوم هو محاولة للعودة للسطح بغض النظر عن اللافتة الكبيرة التي سوف يظهرون بها، وهل تستطيع الخطوة توحيد كل التيارات وإعادتها لواجهة الحركة، وبالتالي عودة الحركة بوجهها الجديد القديم؟
تضخيم الحدث
وفي انفعاله مع الأحداث وتحركات الإسلاميين، اعتبر حزب المؤتمر الشعبي، الحديث عن عودة الإسلاميين تضخيماً للأحداث من قبل بعض الوسائط الإعلامية التي تناولت حدث اللقاء المنعقد بين إسلاميين بمدينة عطبرة بحر الأسبوع المنصرم. فيما نفى الحزب مشاركة عضويته في هذا اللقاء، معتبراً مجرد الإشارة لذلك ما هو إلا ادعاء وتهويم «لحاجة في نفس يعقوب».
وكانت وسائط إعلامية سرّبت وثيقة قيل إنها تتضمن محضر اجتماع سري هدف لعودة الإسلاميين تحت مسمى” التيار الإسلامي الوطني”، بمشاركة كلٍّ من حزب المؤتمر الشعبي، حركة الإصلاح الآن، المؤتمر الوطني المحلول، الحركة الإسلامية. ولكن الشعبي نفى أي اتجاه للعمل على إنتاج تحالفات جزئية كانت مع إسلاميين أو وطنيين. وقال بيان الحزب: «القواعد يأخذها الحنين للتاريخ المشترك، وربما قد تظن أنه بإمكانها استعادة الماضي، لكن المؤتمر الشعبي يستشرف المستقبل ويعمل على وحدة الصف السوداني». لكنه استدرك: «قيادة المؤتمر الشعبي وكل هياكله على مستوى الولايات منخرطة في حوار مع جميع القوى السياسية».
ويواجه عدد من قادة الحزب الذي أسسه الراحل حسن الترابي، تهماً بتقويض النظام الدستوري بالمشاركة في انقلاب 30 يونيو 1989، وتصل العقوبات في البلاغ حد الإعدام.
ليس غريباً
ويقول الأستاذ محمد الطيب الفكي القريب من الجماعات الاسلامية، إن عودة الاسلاميين شيء غير مستبعد، لأن التاريخ الوطني الداخلي والخارجي لا توجد فيه مخططات لإبعاد حزب عن الساحة أو اتجاه سياسي وطرده نهائياً عن الخارطة السياسية لأي بلد كان، وقال لـ(الصيحة) إنه حتى عندما وجد الشيوعيون من نظام النميري الأكثر قسوة على الشيوعيين عقب محاولات قيامهم بالانقلاب على نظامه عكف النظام المايوي على تحريم العمل السياسي للشيوعيين، بل قام بمحاكمات لقياداتهم أراد منها عزلهم عن العامة ومحو مسمى الحزب الشيوعي عن الساحة السياسية بعد أن حرمهم من حق الممارسة السياسية، ولكن كل تلك السياسات لم تضعف الشيوعيين بل عادوا من خلال الأنظمة التي أعقبت حكم النميري أشد قوة وإلماماً بالتخطيط السياسي عن غيرهم. وقال: كل ذلك يؤكد أن محاولات الإقصاء التي يواجهها الإسلاميون هذه الأيام لن تضعفهم بل ستعيدهم أشد قوة وبأساً.
لذلك أطالب القوى السياسية بالسودان باتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى الإسراع نحو التسامح الوطني، لأنه المخرج السياسي الوحيد لحالتنا في السودان. وأكد أن مجرد التفكير في تضييق الخناق على أي طرف سياسي فإن ذلك سيولد غبناً مضاداً للحكومة وقد يقود إلى ارتياد مشاريع من شأنها أن تعمق الهوة بين الوطنيين ويكون لها أثرها السلبي على الخارطة السياسية والاقتصادية للبلاد خاصة وأن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان تجعله يحتاج لكافة بنيه للنهوض بقطاع الاقتصاد والإنتاج في وطن يرجى منه الكثير.
مجرد أشواق
بينما يرى د. أبوبكر آدم المحلل السياسي، أن العداء بين الإسلاميين والأحزاب السياسية ليس وليد اليوم، بل إنه منذ فترة بعيدة من خلال فترة حكم زعيم مصر جمال عبد الناصر، إذ بدأت كل القوى السياسية تقاسم الإسلاميين العداء لجهة أن ميزان الرؤية للأشياء بينهم مختلفة كلياً، فالإسلاميون يميلون لتلوين الأشياء بمسحة جمال دينية بعيدة عن الواقع النظري الذي تغرق فيه معظم القوى السياسية، وهذا هو سبب العداء بينهم والقوى السياسية المختلفة، وزاد أبوبكر: بالطبع مع مرور الزمن، دخلت الجماعات الإسلامية للسودان مبكراً متأثرة بالواقع المصري الذي واجههم وقتها بعنف حكومي وسياسي وانتقلت ذات العداوة، إلا أن الشعب السوداني شعب لا تجد العدواة والبغضاء الشديدين مدخلاً لنفوسهم، ودوماً يميلون لكل الأفكار التي تلتزم بالشريعة الإسلامية لطبيعة التصوف التي تكسو المشهد السوداني، وهو بهذا مثّل أرضاً خصبة لهذه الجماعات التي قوي عودها.
وقال أبوبكر لـ(الصيحة): ما يحصل لها اليوم شيء طبيعي وفقاً للتاريخ الحديث الذي ناصب فيه السياسيون الإسلام السياسي العداء بطريقة جعلته محرماً أو مجرماً وأن بعض الدول سنت من القوانين لمحاكمة من يثبت توجهه الإسلامي كالذي يحدث في الخليج العربي وغيره القانون الذي يتماشى مع الفكر الغربي، ولهذا فإني لا أستبعد أن يعود الإسلاميون أكثر قوة، لأن الممنوع مرغوب وفقاً لرغبة النفس البشرية، ولأن السودانيين أكثرهم عميقو الانتماء للأنظمة والشعارات الإسلامية فإنه من غير المستبعد أن يتم إقصاؤهم بهذه السهولة، بيد أن أبوبكر قال إنه لا يتوقع عودتهم قريباً، وما يحدث الآن يراه أنه “مجرد أشواق” تترجم لخطوات لن تصل كمالها في القريب العاجل بناء للمعطيات على الساحة السياسية السودانية عقب ثورة ديسمبر.