الخرطوم : إيهاب محمد نصر
يبدو أن الموانئ البحرية كُتب عليها أن تعيش صراعات لا تنتهي، إذ أنها ما إن تخرج من صراع تشتعل فيه حرب التصريحات والبيانات إلا وتدخل في صراع آخر.
فقد وجد قرار وزير النقل هاشم بن عوف بتعيين الخبير البحري محمود الحبر مديراً تنفيذياً للميناء الجنوبي (ميناء الحاويات) بصلاحيات إداريه ومالية واسعة تتخطى حتى المدير العام، وجد استنكاراً كبيراً ورفضاً واسعاً من كل القاعدة المينائية، للدرجة التي تم فيها إغلاق الميناء الجنوبي إلى حين إلغاء القرار، الأمر الذي دعا وزير النقل المكلف هاشم بن عوف لزيارة بورتسودان على وجه السرعة يصحبه الخبير البحري محمود الحبر، وقد كانت هذه الزيارة هي الأعنف للوزير من بين زياراته الكثيرة التي أتى فيها للميناء، فكان أن استقبل بالهتافات المدوية الرافضة لقراره هذا، وكاد أن يحدث ما لا يحمد عقباه لولا تجميد الوزير قراره من على منصة مخاطبته للعاملين الذين كانوا يهتفون ضده وضد قراره، ولم يجد حتى قرار تجميده اي ترحيب إلى حين إصدار قرار مكتوب، وقد كان لجموح العاملين المحتجين ما أرادوا حيث أصدر وزير النقل قراراً مكتوباً بإلغاء قرار تعيين الحبر مديراً تنفيذياً للميناء الجنوبي، وقال الوزير إن القرار قد فهم خطأ، وهناك جهات أسهمت في ذلك، فكان أن أسرها الوزير في نفسه ولم يبدها وفُهمت فيما بعد بنشوب صراع آخر بين الوزير ومدير عام الموانئ واللذين كانت العلاقة بينهما (سمن على عسل) للدرجة التي قال الوزير في تصريحات سابقة له إن مدير الموانئ رجل (واضح ودغري)، وقد سألت المهندس سامي الصائغ رئيس قوى الإصلاحيين بالموانئ وأحد القيادات النقابية البارزة في المشهد المينائي عن طبيعة الصراع بين وزير النقل ومدير عام الموانئ، فقال: إنها صراعات مصالح، وإن مدير الموانئ خرج عن سيطرة وزارة النقل وأصبح يتجاهل الوزير ويعمل مع جهة مجهولة، وإنه رضخ لمنظومة الدفاعات الصناعية واعتبر الصائغ ذلك اتجاهاً للخصخصة يفضي إلى تسليم الميناء الجنوبي إلى شركة أجنبية لتشغيلها وهو نفس فيلم الشركة الفلبينية.
وينقلنا سامي الصائغ إلى صراع من نوع آخر نشب بين نقابتهم التي يرى أنها شرعية واكتسبت شرعيتها عن طريق انتخابات حرة نزيهة شاركت فيها كل قواعد الميناء، وقد تم الاعتراف بها رسمياً من قبل مجلس السيادة، إلا أن مدير الموانئ وقف ضدها، وقال: سوف نلجأ للقانون لتثبيت حقنا.
في ذات إطار حرب البيانات والتصريحات، فقد انتقد وزير النقل هاشم بن عوف، وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي موخراً، وقال إنها أصبحت مهيمنة على كل إيرادات ميناء بورتسودان، الأمر الذي أعتبره أساس الصراع والخلافات الدائرة حالياً داخل الموانئ باعتبارها مسالة أموال، وأضاف هاشم: “إن الكاش يقلل النقاش”.
وأكد أن الميناء أصبح المصدر الأساسي لإيرادات وزارة المالية في دفع مرتبات جميع العاملين بالدولة “لأنه يدخل العملات الصعبة”، وتساءل الوزير: لماذا لا تعمم المالية ولايتها على المال العام في جميع المؤسسات، مثل شركات وزارة الطاقة والقوات النظامية، برغم أن إيراداتها تساوي ثلاثة أضعاف إيرادات الميناء؟
وحذّر وزير النقل من تركيز المالية على موارد الميناء، وقال إنه سيتسبب في تعطيله، بالتالي سيؤدي إلى توقف الاقتصاد الوطني، وقال الوزير: إذا وضعت المالية يدها على شركات القوات النظامية والمؤسسات الأخرى ستخفف الضغط على الميناء. كاشفاً أن الربط الشهري للميناء يبلغ حوالي 12 مليون يورو.
عدد من المراقبين اعتبروا تصريح الوزير هذا رغم معقوليته إلا أنه يصب في خانة تحسين صورته أمام العاملين في الميناء وكسب ثقتهم التي غبرتها قراراته الأخيرة وتدخل في خانة التصريحات الحماسية. وقال مصدر مطلع في الميناء لـ (الصيحة) ــ فضل حجب اسمه ــ إن هذه الصراعات المتعددة في الموانئ كانت خصماً على الأداء وأن المتصارعين يستخدمون طرقاً وأساليب خصماً على الموانئ، لأن الطرفين يريدان أن يخلقا لبعضهما مدافعين ومناصرين ومؤيدين، وحتمًا ذلك على حساب الموانئ والأمر الأكثر سوءاً دخول الجانب العشائري والقبلي، وقد سمعنا اجتماعات هنا ولقاءات هناك وتعيين مجموعة وتمييز آخرين، ووسط هذا الصراع ضاعت قضية الميناء الحقيقية، وهى تحسين الأداء الذي يشكو منه المتعاملون مع الميناء. وتساءل مصدري عن أين مبلغ الـ (61) مليون يورو الذي صدقت به وزارة المالية لرفع إداء الميناء التشغيلى؟
وزاد المهندس سامي الصائغ، إن الصراعات الدائرة في الميناء أثرت على الأداء، ولابد من إيجاد حل حتى ولو دعا ذلك لعزل المدير والوزير، وهو مطلب النقابة الشرعية.