حزينٌ جداً..
أنا… وأنت… وهو… وهي؛ وكل من فرح بانقشاع الدجى… وانبلاج الفجر..
وأقول (أبدو) لأننا قد لا نكون كذلك… رغم المنغصات..
منغصات الثورة… والتي آخرها (جرجتها) إلى أن تكون محض محاصصة حزبية..
ومعها محاصصة (حركية)… لتستوعب الحركات المتمردة..
وبذا نكون قد بدأنا رحلة التنكر للثورة… وشعاراتها… وأهدافها… ودماء شهدائها..
وذلك إن صدقت مخاوفنا؛ وصدق حزننا البادي على وجوهنا..
فربما يكون مجرد (باقي) حزن لحين زوال (باقي) آثاره إن كان في الكأس (باقٍ)..
كأس الإنقاذ التي أذاقتنا منه ثلاثين عاماً… وتذوّق منه الآن..
ومن قبل أشرت إلى أن من الطيور مالك الحزين..
فهو طائر يشبهنا – من حيث الملامح – حتى وإن كان سعيداً في حقيقة الأمر..
أو ربما هو سعيدٌ دوماً… ولكنه يفتأ يضيع لحظات سعادته..
فالحزن والسعادة هما محض (حالة) داخلية..
حالة نعجز عن القبض عليها بأيدي مشاعرنا في لحظتها… فنجترها لاحقاً..
والسبب أن القلق من زوالها يحيط بها – وبنا – من كل جانب..
القلق من زوالها بفعل المرض… أو المنغصات… أو الخوف من المجهول..
فإن اطمأنت نفوسنا ألا شيء حصل… تكون هي قد ولت..
ولا أدري كيف يتم تصنيف الشعوب السعيدة من… التعيسة… من الحزينة..
أي بالافتراض الجمعي لأحاسيس السعادة… لحظة التصنيف..
فربما هو شيءٌ مثل تسميتنا لذلك الطائر بالحزين… من محض الملاحظة الظاهرية..
وقد يسأل سائل هنا: طيب وما الحل؟..
الحل – وأقوله متفلسفاً لا عالماً – أن نجتهد في (القبض) على لحظات السعادة..
أن نشعر بها وقتياً… لا بأثر رجعي بعد إفلاتها منا..
أن نعيشها لحظةً بلحظة… لا أن نجترها ذكرى من بعد ذكرى..
وهنا قد يسأل آخر أيضاً: وهل ينسحب هذا علينا – كسودانيين – بحالنا الراهن؟..
والإجابة لا؛ فنحن (حالة) فريدة… لا تخضع لأية مقاييس..
ورغم ذلك يتم تصنيفنا – دوماً – كشعب حزين… ولا أدري كيف..
ولا أدري – أيضاً – كيف سيجيئ تصنيفنا في عامنا هذا..
فحالنا بات عصيّاً على التصنيف..
وربما انطبعت فينا ملامح من مالك الحزين… بعد أن وجد الحزن أنه يليق به..
أو أننا نحن الذين نليق به..
وحديث المحاصصة – الآن – أبلغ دليل على ذلك… وعلى أن (الحلو ما يكملش)..
حتى وإن استوعب (الحلو)..
وطارت من الكثيرين منا لحظة السعادة الثورية… وعجزنا عن (القبض) عليها..
مثلما يطير الطائر الذي اخترناه شعاراً لنا… صقر الجديان..
ومثلما طارت مني فلسفةٌ كنت أباهي بها عن السعادة… وعن القبض على لحظاتها..
فلماذا لا نستبدل الجديان بطائر آخر يشبهنا… ونشبهه؟..
وفيه ملامحنا!!.