لقبه نيني..
وكان تلميذاً متحججاً طوال سني تزاملنا الدراسي..
وهو تحجج قصد منه تبرير حصوله على درجات متدنية؛ تجعله الطيش… أو ثاني الطيش..
وأتعب والده تعباً شديداً؛ فهو يتحجج… ووالده يسد أمامه باب الذرائع..
يفعل ذلك رغم ضيق ذات يده… فقد كان عربجياً مكافحاً..
وبدأ بضعف لمبة المذاكرة ذات الفتلة..
قال إنها لا تمكنه من الاستذكار الليلي بوضوح؛ فأبدلها له أبوه بفانوس..
فلما تربّع على مرتبة ثاني الطيش أيضاً تحجج – هذه المرة – بأن مقعده بعيد عن السبورة..
فتوسّل والده إلى إدارة المدرسة بإجلاسه في المقدمة..
ورضيت الإدارة رغم طوله… وطول عنقه؛ فحجب عنا السبورة عنقٌ كرقبة الزرافة..
وكان آخر تحجج من تلقائه إنه ما زال صغيراً..
أقسم لوالده إنه ليس في عمر زملائه ذاته؛ ولهذا لا يستوعب الدروس كما يفعلون..
وبدا له أن والده اقتنع بتبريره هذا..
وكان إعلان النتائج التالية بعد أسبوع… فأزاح صاحبنا الطيش واحتل مكانه عن جدارة..
وعقب الإجازة عاد كلٌّ منا إلى مقعده… والزرافة إلى مقعدها..
وأثناء الحصة الثانية فُوجئنا بالوالد يقتحم علينا الفصل..
ثم يضع كفه على رقبة ولده الطويلة ويدفعه أمامه نحو الباب وهو يدمدم (قدامي يا نونو)..
واختفى النيني من الفصل – ومن حياتنا – حينا..
وذات نهار – ونحن راجعون إلى بيوتنا – مرت بجوارنا عربة كارو يصلصل جرس حصانها..
ويصلصل سائقها أيضاً مترنماً (نونو يا نونوووو… نونو يا نونو)..
وكان زميلنا – السابق – نيني..
واليوم هو يوم تصحيح مسار الثورة؛ أو هذا ما نرجوه..
فقد صبرنا عاماً – ونيفاً – على اختلاق الأعذار… واصطناع الحجج… واصطياد التبريرات..
من لدن عذر الدولة العميقة وحتى التحجج بالحصار الخارجي..
وما بينهما حجج… وأعذار… وتبريرات؛ يبدو إزاءها ما كان يفعله نيني في منتهى المنطق..
وتكفلت لجنة التفكيك بعذر الفلول… والدولة العميقة..
واستعادت من مال الفساد – المسروق – المليارات… والهكتارات… والسرايات..
وقالت لحكومة حمدوك: ها هي دونكم… فاستلموها..
ولم تقدر المالية على الاستلام إلى الآن… مجرد تسلُّم المال المنهوب لم تقدر عليه..
وقبل أيام تهاوى صرح حجةٌ أكبر… وهي الحصار الخارجي..
فقد تم رفع اسم بلادنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ ونطِّطت حكومتنا… وفرحت..
وبشرتنا بأن أولى البشريات تعافي (صحة) جنيهنا..
وقلنا – نحن – إن قيمته سترتفع مؤقتاً في مواجهة الدولار… ثم (ترجع حليمة إلى قديمها)..
فما نيل المطالب بالتمني… وحكومتنا ليس عندها سوى الأمنيات..
وبالفعل (ترتر) المسكين بعد يومين فقط من أمام الدولار..
والآن خلصت الحجج كافة… والسكوت – أكثر – على وضعٍ كهذا جريمة في حق الثورة..
فإما تصحيحٌ فوري للمسار؛ وإبدالٌ للوجوه… والعقول..
وإما نقبل بمرتبة الطيش – أو ثاني الطيش – معيشياً… واقتصادياً… وسياسياً..
ونغني جميعاً مع نيني بترنيمة حسن عطية:
نونـو يا نونوووووووو… نونو..
يا نونـــو!!.