تقرير- عبد الله عبد الرحيم
يصادف يوم 19 ديسمبر الحالي، ذكرى اندلاع سلسلة من الاحتجاجات في ذات اليوم من العام 2018م في المدن السودانيّة المختلفة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات، فصار هذا اليوم هو عيد انطلاق (الثورة السودانية)، التي بدأت احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وتفشي الفساد الحكومي واستمرار الحرب في الأقاليم السودانية، فانتظمت الثورة كل المدن السودانية انطلاقاً من مدينتي الروصيرص وسنار وازدادت حدتها في مدن بورتسودان وعطبرة والقضارف، ثم امتدت في الأيام التالية إلى مدن أخرى من بينها العاصِمة الخرطوم قبلَ أن تتجدّد يومي الجمعة والسبت خصوصًا في الخرطوم وأم درمان والأبَيض، فيما شهدت هذه الاحتجاجات السلميّة رد فعل عنيفاً من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والرصاص الحيّ، ما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين، وظهر من ثم شعار (تسقط بس) إلى أن تكللت الثورة في 11 أبريل باستلام الجيش للسلطة وتكوين حكومة وفاق وطني عقب مفاوضات ماراثونية بين المدنيين والعسكر الذين انحازوا لخيارات الثورة مبكراً، والآن مع تجدد الذكرى، تتجدد الدعوات للخروج في ظل الأوضاع المتردية، بينما تحذر قوى سياسية وحركات كفاح مسلح من مآلات غير محسوبة لمحاولة إجهاض الفترة الانتقالية واتفاق جوبا للسلام.
دعوات الخروج
وتعالت الأصوات مؤخراً بواسطة لجان المقاومة المختلفة وبعض القوى السياسية؛ على رأسها الحزب الشيوعي السوداني، مهيبة بكل الثوار للخروج في يوم 19 ديسمبر في مسيرة هادرة ومليونية في العاصمة الخرطوم، لإسقاط الحكومة التي يرون أنها فشلت في معالجة الأوضاع بالبلاد، في حين يرى مناصرون لرئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك أن حكومته مكبلة ومحاربة حرباً ضروساً، وقد اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي في السودان منذ السبت الماضي، بمنشورات تدعو للمشاركة في مليونية 19 ديسمبر، بالتزامن مع ذكرى اندلاع ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير.
أزمات حقيقية
يأتي ذلك في وقت تعيش فيه البلاد أزمات حقيقية تجلّت في الجانب الاقتصادي والذي هو أس داء ومعضلة الحكومات السودانية، فقد تطاولت صفوف الخبز والوقود وارتفعت معدلات التضخم ليصل إلى مستويات غير مسبوقة ويتهاوى من بعد مستوى وقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وانعكس كل ذلك على الحالة التي يعيشها المواطن السوداني، وتخشى الحكومة الانتقالية وقواها من تأثير هذه التداعيات على المواطن السوداني والذي ربما انقاد وراء الدعوات التي ترسلها القوى السياسية ولجان المقاومة التي تقف وراء الدعوات المطالبة بإحياء ذكرى 19 ديسمبر، وتحيلها لدعوات مستمرة لإسقاط الحكومة وإغلاق الباب أمام الانتقال السلمي الديمقراطي.
التقويم والإسقاط
ويرى بعض قيادات لجان المقاومة، أنهم منحوا حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك فرصاً كثيرة لكنها فشلت في تجاوز محنتها السياسية والاقتصادية التي تهم المواطن أولاً وأخيراً، إذ انعكس أداء الحكومة سلباً على حياة ومعيشة المواطن السوداني الذي لم ير تأثيراً إيجابياً أحدثته حكومة حمدوك على المشهد الاقتصادي تحديداً، محذرين من مغبة نفاد صبر الشعب وانفجاره، وتزايد الغضب الشعبي.
بيد أن رئيس تجمع شباب السودان، القيادي الشبابي أيوب محمد عباس يقول لـ(الصيحة)، إن من يدعون لإسقاط الحكومة قلة وليس كل الثوار، مشيراً بذلك إلى الحزب الشيوعي وبعض لجان المقاومة السودانية الذين تشعبوا للعديد من اللجان وكلها ينادي في اتجاه مختلف وليس لها موقف موحد لاختلاف أيديولوجياتها.
وأضاف أيوب: إن دعوتنا نحن للخروج إنما لإصلاح حال الحكومة الانتقالية وليس لإسقاطها فإسقاطها يعطي فرصة لأعداء الثورة السودانية للانقضاض عليها وتقويض النظام الديمقراطي، وجدد دعوتهم لتصويب وتقويم حكومة الثورة، بينما من يدعون لإسقاط الحكومة هم أنصار الحزب الشيوعي الذي خرج من الحكومة وبعض أدعياء النظام البائد.
ثلاثة خيارات
من جانبه، يرى العضو بلجان المقاومة آدم محمد جفون في حديثه لـ(الصيحة)، ضرورة استخدام الحكمة خلال هذه الذكرى الجميلة التي تم فيها إسقاط حكومة النظام البائد الذي اتفقت كل الأمة السودانية على ذهابه، ودعا إلى التناصح والتنادي لإصلاح حال الحكومة الانتقالية بدلاً من الدعوة لإسقاطها.
وقال إن البلاد اليوم تعيش أزمة حقيقية رسمت ثلاثة سيناريوهات للمشهد القادم وهي إما انقلاب عسكري من خلال تدهور الحال الامني والاقتصادي، وإما فوضى عارمة، والخيار الثالث يقول إنه الأفضل وهو التوجه للانتخابات المبكرة. وأضاف جفون بأن مشكلة البلد ليست في من يحكم وإنما في كيف تحكم، وأكد أن الاختلافات الكثيرة ستقود إلى التفرقة السياسية والتجزئة وهذا ما يخشاه الثوار من مآلات.
بينما أكد أحد قيادات لجان المقاومة- فضل حجب اسمه- أن لديهم مطالب وقدمت من قبل إبان احتجاجات 30 يونيو و17 أغسطس لحكومة د. عبد الله حمدوك إلا أن الحكومة لم تنفذ منها شيئاً، وقال إن تلك المطالب تتمثل في التغيير الشامل لحال الحكم الذي أكد فشله من خلال من يديرونه من الوزراء وفشلهم في مهامهم تماماً وانعكس ذلك في متطلبات الحياة الاقتصادية للمواطن، بجانب القصاص من الضالعين في أحداث فض الاعتصام وتقديمهم لمحاكمة تعيد البسمة لاسر الضحايا والمفقودين، بالإضافة لاستكمال مقررات الوثيقة الدستورية من المجلس التشريعي واستخدام من يصلح من الوزراء، وجدد القول إنه لابد من الإطاحة بحكومة حمدوك.
تهديدات ووعيد
وفي الوقت نفسه يتداعى منتسبون للحكومة الانتقالية لإقناع لجان المقاومة ومن يقف خلف الدعوات الرامية لإسقاط الحكومة، بضرورة وقف التصعيد، ويدللون على أن الحكومة لم تفشل، ولكن ما يبذله من أدعياء ومنتفعين للنظام البائد بجانب بعض القوى التي تدفع العسكر للهيمنة على قرارات الحكومة.
وقال الناشط السياسي محمد أحمد الطيب في تصريح صحفي، إن ما قدمه حمدوك للشعب السوداني لا يقدر بثمن رغم محدودية المساحة الزمنية والإمكانيات وفلول النظام القديم والعسكر.
فيما تباينت قواعد لجان المقاومة بين موقفين أحدهما ينادي بتقديم مطالب أخرى، وآخر يدعو لإسقاط الحكومة، وأكد القيادي الشبابي أنه في كل الأحوال فإن 19 ديسمبر رسالة تحذيرية للحكومة من نفاد صبر الشعب، وحذر من المساس بالاحتجاجات، وقال إنهم تلقوا تهديدات من كتل سياسية مشاركة في الحكومة بقمع المواكب، وأضاف أن ذلك لن يثنينا من المضي قدماً في تصحيح مسار الثورة.. إذا حصل قمع، أؤكد أن المسيرات لن تتوقف أبداً.