السودان خارج (الإرهاب).. دبلوماسية السَّلام والمصالح
تقرير- مريم أبشر
أمس الاثنين، سَيُسَجِّلُه السُّودانيون يوماً خالداً في تاريخه المُعاصر، فبعد (27) عاماً من العزلة الدولية والتصنيف المُذل كدولة راعية للإرهاب نتيجة ممارسات النظام السابق، أُعلن من واشنطن أمس خُرُوج السودان من قائمة الإرهاب للخارجية الأمريكية، ووقّع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على إخطار رسمي بخروج السودان من القائمة بعد انقضاء فترة الـ(45) يوماً التي مُنحت وفق النظم واللوائح الأمريكية للكونغرس الأمريكي لإبداء أي ملاحظات على الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس المُنتهية ولايته دونالد ترمب أكتوبر الماضي، ووقّع بومبيو إشعاراً يُفيد بانقضاء تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب، وأصبح وفقاً لذلك، قرار الإزالة ساري المفعول رسمياً وسيتم نشره رسمياً في السجل الفيدرالي الأمريكي.
صفحة جديدة
الإجراء سيفتح صفحة جديدة وخططاً جديدة في كل دولاب العمل بالدولة بحسب مُراقبين، يجب أن تُوضع لتتواءم مع التطوُّر الجديد المُتمثل في الانفتاح على العالم بعد انغلاق شَهِدَ خلاله العالم بأسره إقليميّاً ودوليّاً نقلات نوعية جعلت السودان بعيداً عن مَنَصّة الانطلاق، مِمّا يتطلّب تحرُّكاً وخططاً دبلوماسية جديدة ومختلفة حتى تتم الاستفادة من القرار وزخمه والتعاطف والإعجاب الذي حازت عليه الثورة السودانية بسلميتها وترجمته لأرض الواقع في شكل مشاريع استثمارية ومِنَح وقُرُوض وفتح الأبواب أمام كل من يرغب برفع شأن السودان والتعاون معه كبلدٍ يتمتّع بقدرٍ هائلٍ من الموارد التنموية التي ينقصها فقط التمويل لتكون “وعداً وتمني”.
تَغييرٌ جَوهريٌّ
بومبيو وبعيد توقيعه رسمياً على القرار، أصدر بياناً جدّد فيه الإعلان الرسمي لإلغاء تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب، واعتبر ما تمّ خطوةً تاريخيةً، ورأى أنّ إلغاء التصنيف يمثل تغييراً جوهرياً في العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن نحو زيادة التّعاون وتقديم الدعم للتّحوُّل الديمقراطي الذي وصفه بالتاريخي في السودان، وقال إنّ الإنجاز تحقِّق بفضل جُهُود الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون لرسم مسار جديد وجرئ بعيداً عن إرث النظام السابق لا سيما في الوفاء بالمعايير القانونية للحكم، وأشاد بشعارات الثورة السودانية (السلام والحرية والعدالة) وبشجاعة قادتها المدنيين.
عَودة مُستحقة
وزارة الخارجية التي فرغت فريقاً كاملاً قاد التفاوض بمهنية لعدة سنوات، عبّرت عن فرحتها بالإنجاز، وأعلنت في بيان أمس، ترحبيها باكتمال عملية رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، وهنّأت الشعب السوداني قاطبة بهذه المناسبة العظيمة، وأكدت أن الخطوة التاريخية جاءت تتويجاً للجُهُود والإصلاحات التي ظلّت تضطلع بها الحكومة الانتقالية منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م للانتقال نحو التحوُّل الديمقراطي في السودان، من خلال التوقيع على اتفاق سلام جوبا، إصلاح القوانين، إقرار الحريات، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وخروج السودان من قائمة الدول ذات الانشغال الخاص بالحريات الدينية، والتي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، فضلاً عن أن الخطوة تُتيح فُرصاً وظُروفاً أفضل لدعم وإدارة الاقتصاد السوداني بوسائل أكثر فاعلية، وتفتح الباب مشرعاً لتأكيد عودة السودان المُستحقة إلى المجتمع الدولي، وإعطاء دفعة قوية للجُهود المبذولة للخلاص من التركة المُثقلة للنظام البائد، واندماج السودان من جديد في النظام المالي والمصرفي العالمي. واعتبرت أنّ القرار يُؤهِّل السودان للإعفاء من الديون التي تبلغ أكثر من (60) مليار دولار، ويفتح المجال واسعاً للاستثمارات، والسماح بالتحويلات المالية من وإلى السودان من خلال المُؤسّسات المالية والمصرفية الرسمية، كما أنَّه يُساعد على الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في عددٍ من المجالات الحيوية والتي ظل السودان محروماً منها لفترة طويلة. كما يُتوقّع أن يُساعد القرار على توفير الدعم اللازم لإعادة بناء المُؤسّسات الوطنية الكُبرى، مثل الخطوط الجوية السودانية، والخطوط البحرية، والسكك الحديدية، واستثمار موارد السودان الطبيعية والزراعية والمعدنية الضخمة.
وشكرت الخارجية، الدول الشقيقة والصديقة ومجموعة أصدقاء السودان، والشركاء الدوليين والمنظمات الإقليمية والدولية التي بذلت جُهُوداً مُقدّرة لدفع الإدارة الأمريكية لرفع اسم السودان من القائمة. وثمّنت الدور الكبير الذي قامت به الجاليات السودانية في الخارج وبشكلٍ خاصٍ الجالية السودانية بالولايات المتحدة، وجدّدت التأكيد على التزام الدبلوماسية السودانية بالعمل دون كلل من أجل الدفاع عن الوطن وحماية مصالحه العليا، وأكدت مواصلة الجهود لاستعادة السودان لحصانته السيادية في أقرب الآجال.
آفاق واعدة
وقال خبير دبلوماسي مخضرم لـ(الصيحة)، إن إزالة السودان من قائمة الإرهاب ستكون له مردودات إيجابية كثيرة على مختلف الصُّعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقطعاً الدبلوماسية، وأضاف بأن المردود الدبلوماسي سيكون أولى الانعكاسات الإيجابية من خلال نظرة المجتمع الدولي للسودان بصورة مُختلفة، المتمثلة في صورة الشعب الصامد المُسالم الذي بسلميته وثورته ضد الظلم والفساد وتخريب البلاد، قضى على واحد من أعتى النظم الديكتاتورية الشمولية المُتغطرسة ليس في القارة الأفريقية وحدها، بل في العالم أجمع، وإضافة مثل هذه النظرة الجديدة والعادلة ستفتح للدبلوماسية السودانية آفاقاً رحبة وتُسهِّل لها دروب التواصل وفتح أبواب الاستثمارات ومُختلف أوجه التعاون الفني والاقتصادي والثقافي والتعليمي مع دول العالم، خاصّةً تلك التي وقفت مع السودان وساندت ثورته وساهمت في استتباب الأمور لحكومة الثورة. واعتبر الخبير أنه وبانفتاح باب الدبلوماسية، ستُفتح أبوابٌ أخرى كانت مُغلقة أمام السودان على مدى ثلاثين عاماً حسوماً، تم حرمان أبناء السودان خلالها من الحصول على التكنولوجيا الضرورية في كثير من قطاعات التنمية والإنتاج، كما حُرموا من فُرص المنح في التعليم العالي والتخصصات المُختلفة التي تنعكس بدورها سلباً على حياة المواطن العادي، ومن المُؤمّل بعد القرار أن يعود الطلاب والخريجون لمواصلة دراساتهم وتخصُّصاتهم في الغرب.
هذا بحانب أن القرار سيساعد ويسهل على الدبلوماسية السودانية متعددة الأطراف في تسوية ملفات دولية كثيرة تم فيها حرمان السودان الاستفادة من فُرص الاقتراض والمنح وإعفاء الديون ومن نصيبه في بعض المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية مثل اتفاقية لومي (كوتونو) كنموذج.
خُطةٌ جديدةٌ
بدوره، يرى مُختص في الشؤون الدبلوماسية، أنّ رفع السودان من القائمة سيُعيده إلى الدبلوماسية مُتعدِّد الأطراف في الغرب والشرق بعد أن كان معزولاً، كما وفّر للدول التي كانت مُتردِّدة في التعامُل مع السودان، التعامُل معه سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً بعد أن أزاحت واشنطن عنها الحرج، وقال إن على الخارجية وضع خُطة تحرك دبلوماسي جديدة ليس سياسياً ودبلوماسياً فحسب، وإنما اقتصادياً يعمل على تجديد الثقة لدى الشركات الكبرى للعودة الى العمل والاستثمار بالسودان، ويتطلب جلب شركات الاستثمار الكبرى للسودان إعادة بناء المنظومة الاقتصادية وحَثِّها لمُواكبة التطوُّر بإجراء الإصلاحات المطلوبة من نظم مصرفية وبنكية تستوعب المرحلة المُقبلة.
إصلاحات الداخل
وكيل وزارة الخارجية السابق السفير صديق عبد العزيز، بعد إشادته بالقرار، أكد لـ(الصيحة)، أهمية إجراء إصلاحات عاجلة في منظومة البلاد الاقتصادية من شأنها تسهيل أيِّ تحرك دبلوماسي مُرتقب للاستفادة من القرار، ونوّه للتعقيدات الكبيرة الموجودة بالبلاد، وطالب بتهيئة مناخ الاستثمار في كل الأوجه، وقال: رغم دور الدبلوماسي في التحرك لتحقيق مكاسب للسودان، إلا أن كثيراً من الشركات الكُبرى يمكنها التعرُّف على الأوضاع وفرص ضمان استثماراتها تقنياً دُون الحاجة للتبشير الدبلوماسي الرسمي، الذي قال إنّ دوره مُكملٌ لما نفعله بالداخل من خطواتٍ مُواكبةٍ.