الخرطوم- صلاح مختار
أخيراً.. أطلت فرحة جديدة على بساط أهل السودان، لترتسم الابتسامة بعد عهود من الظلم، برفع اسم السودان من القائمة السوداء للإرهاب، والحقيقة أنّ القرار يُصحِّح الخطأ الأمريكي تجاه الشعب السوداني لقرابة الثلاثين عاماً، ونتجت عنه آثار كارثية على البلاد، لكن القرار الأخير منح بصيص أمل لغدٍ أجمل وأفضل, لكن رفع السودان من القائمة عند كَثيرٍ من المحللين يحتاج إصلاحات داخلية وأرضية قوية لاستيعاب تدفقات التعاون الدولي.. (الصيحة) رصدت تفاعل قيادات الدولة والمجتمع والسياسيين والمحللين…
دعم الانتقال
عبّر رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عن ترحيبه بالقرار، وقال في تغريدة على (تويتر): “هذا القرار سيسهم في دعم الانتقال الديمقراطي ويُعزِّز فُرص نجاح الفترة الانتقالية ورفاه الشعب السوداني”، وأضاف “هذا العمل العظيم نتاج جهد بذله أبناء بلادي وهو تمّ بذات الروح التكامُلية لجماهير ثورة ديسمبر الشعبية والرسمية”.
الطريق واضحٌ
من جانبه، قال نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو على (تويتر): “نبارك الخروج من قائمة الدولة الراعية للإرهاب التي أضرّت كثيراً باقتصادنا وعلاقاتنا الخارجية”، وأضاف: “اليوم بدا الطريق واضحاً أكثر ما أي وقتٍ مَضَى، وسنعمل لتعزيز هذه الخطوة برفع مُستوى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وجميع دول العالم لصالح شعبنا”.
أخيراً.. الانعتاق
وأبدى رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، سعادته بالقرار، ووصفه بالانعتاق، وقال إن السودان انعتق من الحصار الدولي والعالمي الذي أقحمها فيه سُلُوك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأضاف على (فيسبوك): “اليوم وبعد أكثر من عقدين، أعلن لشعبنا خروج اسم بلادنا الحبيبة من قائمة الدول الراعية للإرهاب”، وتابع: “اليوم نعود بكامل تاريخنا وحضارة شعبنا وعظمة بلادنا وعنفوان ثورتنا إلى الأسرة الدولية كدولة مُحبّة للسلام، وقوة داعمة للاستقرار الإقليمي والدولي”، وأشار إلى ما عملت من أجله الحكومة الانتقالية منذ يومها الأول “في إصلاح الاقتصاد، وجذب الاستثمارات، وتحويلات مُواطنينا بالخارج عبر القنوات الرسمية، وخلق فُرص عمل جديدة للشباب، والكثير من الإيجابيات الأخرى”.
إدماجٌ دوليٌّ
وفي السياق، أكّد نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل، أنّ القرار يُساعد السودان على إعادة الاندماج في المجتمع الدولي، وقال لـ(الصيحة) أمس، إنّ السودان كان يقع تحت حصار خلال الفترة الماضية، والآن انفك من هذا القيد ويرنو للولوج إلى نافذة يتطلّع من خلالها للتعاون مع المُجتمع الدولي، واعتبر أن من شأن الخطوة مُساعدة السودان في حل أزماته السياسية والاقتصادية.
فيما نوّه القيادي بلجان المقاومة أزهري الحاج، لوجود قرارين مُهمّين جداً للشعب السوداني؛ الأول رفع السودان من قائمة الإرهاب وهو تصحيح لخطأ أمريكي، عاقب فيه الشعب السوداني على جريمة لم يقترفها، والآن تُصحِّح الخطأ “ونحن سعيدون بذلك والذي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد والبلاد”، وأضاف لـ(الصيحة): أما القرار الثاني هو قانون دعم التحوُّل الديمقراطي الذي يُساعد الشعب في تحقيق أهداف الثورة، وبهذا القانون يُمكن بناء الدولة الحديثة، بجانب غل أيدي التدخل العسكري في السياسة ويُساعد في تحقيق هدف عودة العسكر لثكناتهم وحماية الحدود والأمن، بعيداً عن التدخُّل السياسي الذي لم يضف فيه إلا العُنف والمظالم.
صلاحية القرار
واعتبر الخبير القانوني إبراهيم محمد الحسن خيري في حديث لـ(الصيحة)، أنّ وزير الخارجية الأمريكي ليست لديه صلاحية إصدار أي قرار تنفيذي، وأن ما حدث هو تعويضٌ للقرار الرئاسي ومُعالجات بعد انقضاء المُهلة المُعيّنة التي حدّدها الرئيس الأمريكي، وقال إنّ النظام الأمريكي ليس فيه وزراء، وإنما سكرتيرون للرئيس، لأنه نظام رئاسي وليست هنالك صلاحيات مخولة للوزراء، ولأن الكونغرس تَمَاطَلَ في منح السودان الحصانة من المُلاحقة القانونية لوجود عُضويْن مُصرّيْن على ربط تعويضات 11 ديسمبر أو أن يقوم بإصدار قرار منقوص ليست فيه حصانة ويُمكن مُلاحقة السودان في أيِّ وقتٍ، ولذلك جاءت معالجة الرئيس الأمريكي بإصدار القرار، وبالتالي القرار لا معنى له من ناحية قانونية، غير أنه رأى أن القرار فيه ناحية إيجابية يدفع بالدول للتعامُل الإيجابي مع الحكومة، والتعامُل مع السودان دُون التخوُّف من أمريكا.
خمس خطوات
بدوره، نوّه المحلل الاستراتيجي البروفيسور الفاتح محجوب، إلى خمس خطوات لا بد للحكومة من التعامُل معها، منها الرجوع للنظام المصرفي العالمي والانفتاح على الاقتصاديات الغربية، لكنه لفت إلى نقطة مُهمّة وهي إعفاء دُيُون السودان طبقاً لمُبادرة (الهيبك) لإعفاء ديون الدول المُثقلة، وأوضح أن تطبيق المبادرة متوقف على إزالة السودان من قائمة الإرهاب.
وأكد لـ(الصيحة) أن رفع اسم السُّودان من القائمة يضمن التعامُل مع تلك الدول، ونوّه لمُوافقة الرئيس الفرنسي على عقد مؤتمر لدعم السودان، إضافةً لدعوة دول نادي باريس لإعفاء ديون السودان ومن المُتوقّع قيامه خلال العام الجديد، وقال إنّ بقية القرار هي مسائل إجرائية تأتي فِي سِيِاق ما تقوم به الحكومة السودانية من جملة إصلاحات إن لم تتم، فالقرار لن يكون مُفيداً في حَدِّ ذاته، وأوضح أن القرار لا ينتج أموالاً، وإنماً يُتيح الأجواء التي يُمكن من خلالها أن تأتي الأموال، ويتطلّب ذلك جاهزية السودان للاستفادة من الانفتاح الاقتصادي، كما يتطلّب تعويم الجنيه السوداني للحصول على الدعم الدولي، ودُون ذلك لا يستطيع النظام المصرفي السوداني التعامُل مع المصارف العالمية، وقال إنّ المسألة متكاملة، وبالتالي على الحكومة إنجاز إصلاحات ضرورية للتعامُل مع القرار.
مَدخلٌ جَديدٌ
وبدا رئيس حزب الوسط الإسلامي د. يوسف الكودة، مُنزعجاً للتشريع الذي سبق رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وهو قانون الانتقال الديمقراطي، وقال لـ(الصيحة)، إنّه لم يهن على الحكومة الأمريكية أن ترفع يدها نهائياً عن السودان بعد إزالته من قائمة الإرهاب، فالتفت على ذلك بوضع قانون جديد ليكون مدخلاً لوضع عقوبات أخرى على السودان، الذي ما زال يُعاني من الإنهاك بسبب عقوبات أمريكية كثيرة سابقة، فكان ما أسماه بقانون (الانتقال الديمقراطي والمُساءلة والشفافية المالية للعام 2020م)، وأضاف: كما أشرت في بداية حديثي أن هذا القانون جاء لتعويض أمريكا ما فقدته من عصا غليظة حَاكمت بها الشعب السوداني ما يُقارب الثلاثة عُقُودٍ من الزمان ما عُرف بقائمة الدول الراعية للإرهاب، التي عانى بسببها الشعب السوداني مُعاناة قاسية، تتجافى مع كل مواثيق حقوق الإنسان والإنسانية، فَقَدَ فيها السودانيون أبسط مقومات الحياة بسبب تلك العقوبات، وأضاف: وها هي أمريكا تستمرئ ذلك التعذيب، فتَسن قانوناً آخر يُعيد البلاد إلى بيت طاعتها متى ما أرادت، ويُلاحظ أنّ القانون بفضفاضيته هذه، يُمكنهم من أن يُفسِّروا كل ما يُريدون تفسيره حسب مصالحهم، فكأن السودانيين لا راحوا ولا جاءوا حتى بعد رفع اسمنا من قائمة الإرهاب، وحتى بعد زوال حكم البشير الذي كانوا يعدونه هو الإشكال الأوحد!!!
خلط الأوراق
وقال الكودة: لا أظن أن هناك سودانياً حتى ممّن هم يشكون مُرّ الشكوى من قوات نظامية أو من ثورة مُضادة أو أعضاء مُندسين من أفراد النظام البائد، لا أظن أنهم يقبلون ما تنوي فرضه أمريكا من قانون يضع السودان تحت الرقابة الأمريكية من جديد تحت دعاوى المُساعدة على الانتقال الديمقراطي, ولفت الى رد المعارضة التركية والتي تسعى لنزع الحكم من أردوغان بوسيلة ديمقراطية وهي تَرُد بقُوةٍ، مُستنكرة تصريحات المرشح الأمريكي للرئاسة جو بايدن حينما ذكر أنّه سيُعيِّن المُعارضة التركية في إزاحة أردوغان عن الحكم، فقالت إن المعارضة التركية لا تسمح بتدخُّل أجنبي في شأنها الداخلي وهي قادرة على فعل ما تُريد لوحدها دون أيِّ تدخُّلات أجنبية، فهل يا ترى نَسمع مثل هذا من قِوى الحُرية والتّغيير وغيرها من قوى سياسية حتى يطمئن المواطن السوداني بأنّنا لا نخلط أبداً بين مُعارضة جهة ما ومُعارضة الوطن..؟!