تعتبر الأمثال الشعبية جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع السوداني، وهذا المثل الشعبي الشهير يُلقى دائماً حينما يشتت الإنسان نفسه بين اختيارين ويتردد كثيراً حتى يخسر الاثنين، ولكن دعونا نستعرض أصل القصة، يُحكى أن أعرابياً بالحجاز كان يعاني من ضيق الحال في فترة ما ففكر أن يتوجه إلى اليمن ويلحق موسم عنب اليمن فيشتري العنب ويبيعه ويستمتع بما سوف يجنيه من أرباح، ولكن أثناء رحلته لليمن، قابله رجل فسأله لماذا تتوجه لليمن؟ فأجابه “كي ألحق موسم عنب اليمن فأشتري وأبيع وأشارك في الموسم” فاقترح عليه الرجل ولِم لا تتوجه للشام وتشارك في موسم البلح وتحقق نفس الربح أو أكثر، اقتنع الأعرابي بالفكرة وبدأ يغير اتجاهه للشام، وحينما وصل الشام سأله أهلها “ماذا تفعل بالشام” ؟ فأجاب “جئت لألحق بموسم البلح” فكان ردهم “وكيف إذ أن موسم البلح بالشام هو نفسه موسم البلح بالحجاز وكلاهما لا يأتيان في هذا الوقت من العام”.
فغير الرجل اتجاهه لليمن مرة أخرى ليلحق موسم عنب اليمن ولكن عندما وصل وجد أن الموسم قد انتهى. وخسر الرجل كلا الموسمين: بلح الشام وعنب اليمن .
وهكذا حال الشعب السوداني الآن لا صبر على الإنقاذ رغم سوءاتها وفساد بعض قادتها ليجني الجميع استقرارا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ولا جنى استقراراً وتنمية ورخاء من حكومة الفترة الانتقالية.
والمتابعة لمجريات الأحداث أن عهد الإنقاذ خاصة في آخر أيامه انفتح على جميع القوى السياسية بما يسمى الحوار الوطني وكان يمكن أن تكون مخرجاته أساسًا متيناً لاستقرار سياسي يستمد عامل استقراره من مشاركة كافة القوى السياسية بما في ذلك حركات الكفاح المسلح ومنظمات المجتمع المدني والطرق الصوفية والإدارة الأهلية والقطاعات الحية الشبابية والطلابية والمرأة.
ونحن نشاهد ونتابع مسرحية لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد التي مضى على تكوينها أكثر من عام وجميع المراقبين والمواطنين يسمعون جعجعة ولا يرون طحناً كل المبالغ والمشروعات الزراعية والصناعية التي نزعت من قيادات نظام المؤتمر الوطني لم تغير قيد أنملة من الواقع الذي زاد تدهوراً وصعوبة وتعقيداً، أعتقد أن المواطن العادي لا يهمه نزع أرض من شخص نافذ أو غير ذلك، ولا يهمه أن كوش شخص أوبنك على أرض حكومية.
هناك مؤسسات عدلية موجودة للمحاسبة ونظن كل الخير في القضاء السوداني بالتالي المواطن المغلوب على أمره تهمه نتائج الترتيبات الإدارية والسياسات الاقتصادية التي تنتهجها حكومة الفترة الانتقالية. وحتى الآن المواطن يكتوي بنار غلاء الأسعار خاصة في السلع الأساسية الضرورية بل زادت صفوف الخبز والبنزين والجازولين وظهرت صفوف أخرى مثل صف الكسرة والصيدليات.
لا شك أن السياسة التي تنتهجها لجنة إزالة التمكين لم تعالج هذه الأوضاع إن لم تؤزمها، وبالتالي إذا سلمنا جدلاً أن هذه القرارات صحيحة ١٠٠٪ فيجب أن تذهب الى وزارة المالية وتلك المبالغ ليست بالقليلة إذا استمرت بصورة صحيحة يمكن أن تحل مشاكل الخبز والوقود والدواء وبالأمس وفي ذات المؤتمر الصحفي للجنة إزالة التمكين تحدث محمد الفكي عضو السيادي عن تكوين شركة قابضة تدير كافة الأموال المنزوعة من أصحابها بمعزل عن وزارة المالية وهذه بدعة جديدة للجنة، وهذا فساد إداري ومالي بطريقة أخرى.
ما أريد قوله إن هذه الإجراءات التي اتخذتها اللجنة مما لا شك فيه سوف يتم الطعن فيها حال قيام المؤسسات العدلية المحكمة الدستورية ومحكمة الطعون الإدارية وحال عودتها لأصحابها بذلك نكون لا رحنا ولا جينا ولا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن وتنتهي الفترة الانتقالية ولم تبرح الحكومة مكانها لا حققت حرية لا سلام ولا عدالة، ومن المؤسف حقاً استمرار مجزرة الخدمة المدنية وهذا ما سوف نتوسع بالكتابة فيه والتطرق له في مساحة أخرى. كثير من القانونيين يرون أن قرارات اللجنة بالأمس لم يعتمدها أو يصدرها الأخ رئيس اللجنة الفريق ياسر العطا كما ذكر السيد محمد الفكي أن هذه القرارات اعتمدتها اللجان العليا، بالتالي هذه الإجراءات المنقوصة تقدح في قانونية أعمال اللجنة، وبالتالي زعزعة ثقة المواطن في مخرجات اللجنة على وجه العموم، أعتقد أن إزالة الالتباس يكمن في تكوين مفوضية محاربة الفساد مهمتها جمع المعلومة وفلترتها ووضعها في قالب قانوني وتقديمها للقضاء دون تشفٍّ سياسي ومحاولة تجريم الخصوم السياسيين إذا افترضنا جدلاً بأن قرارات اللجنة صحيحة واللجنة تلعب دور الشرطة والنيابة والقضاء فماذا تركنا للسلطة القضائية وهذه القضايا التي فصلت فيها لجنة إزالة التمكين فيها شق جنائي وآخر مدني وأخطاء إدارية وهناك أخطاء تتحملها الجهات الحكومية المصدقة للمشروع سواء كان زراعيا او سكنياً وأخرى يتحملها المستفيد في حالة تقديمه لمستندات مزورة أو لا يستحق التصديق له بهذا المشروع، وبالتالي الفصل في مثل هذه القضايا يجب أن يتم تحت القانون وأمام القضاء الطبيعي، هذه الإجراءات التي تتخذها اللجنة سوف تعطل وتؤخر عمليات السلام والمصالحة الشاملة التي يدعو لها الجميع.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل..