الشيخ/أحمد التجاني أحمد البدوي يكتب : متى بدأ التهميش الحقيقي ولماذا ومن المسؤول (2)
ذكرنا في المقال السابق أن السودان كان كتلة واحدة ولحمة متماسكة لم تعتريه جهوية ولا اخترقته قبلية وبوحدته تلك أخرج الاستعمار ونال استقلاله فجاءت الحكومات الوطنية العسكرية منها والمدنية فاستمرت تلك الوحدة فأجاد السودانيون وأتقنوا في كل شيء فالتعليم كانت المناهج قوية وتخرج من الجامعات زعماء يشار إليهم في المحافل الدولية وأطباء نوابغ، وفي كل المجالات وفي العسكرية كانوا يسمونهم المدرعات البشرية، وفي الخدمة المدنية صرح كرومر الحاكم العام وقتها أن الباشكاتب في السودان أفضل من وزير في بعض الدول الأفريقية، ثم بدأ التدهور بعد تدخل حكومة النميري فأفسدت كل هذه المؤسسات بالتسييس والتبديل والتغيير وسارت على الدرب حكومة الإنقاذ، لكن السودان استمر موحداً دون إقصاء أو إبعاد أحد بسبب قبيلته أو جهته، ولا ننكر أن هناك بعض الجاهليات للبعض الذين يتفاخرون بأنسابهم وأحسابهم وهذا موجود بين كل القبائل العربية منها وغيرها، ولكنه لم يؤثر على تلك الوحدة ولم توقف التمازج والتصاهر الذي أخرج السودانيين بسحنتهم تلك لا هم عرب ولا أفارقة حتى قيل إن كولن باول عندما أتى إلى دارفور لم يستطع أن يفرق بين مجتمع دارفور فقال:”أين الزرقة وأين العرب؟” وذكرنا في المقال السابق أن المؤثر الأكبر على الوحدة كان قانون المناطق المقفولة والذي قصد به خلق جفوة في العلاقات وفجوة في الخدمات بين السودانيين مع بعضهم، وكانت السبب فيما يحدث الآن من صراعات قبلية وزادت الإنقاذ الطين بلة بالتوسع في الحكم الإقليمي وقد أخذ طابعاً قبلياً.
ومما يؤكد عدم الإقصاء أن جميع الحكومات المتوالية كانت تضم مناطق السودان المختلفة، وإذا جاز لنا أن نلحق بعض الذين استوزروا في الحقب الفائتة والذين لم نذكرهم في المقال السابق فعلي حسن تاج الدين كان عضواً في مجلس السيادة، وشغل أحمد إبراهيم دريج زعيماً للمعارضة، وآدم محمود مادبو وزيراً للطاقة وهم من دارفور ومن الجنوب أبيل ألير وبوث ديو، وبونا ملوال وأنجلو بيدا حتى الإنقاذ كانت النسبة الكبرى للذين استوزروا وشغلوا المناصب من دارفور والشرق وخاصة نواب الرئيس، وعلى سبيل المثال لا الحصر إبراهيم سليمان وزير الدفاع وكاشا وزير التجارة ومسار ونهار ونواب الرئيس منهم كبر وحسبو وحاج آدم، ومن الشرق إبراهيم محمود، وموسى محمد أحمد ودقنة وزير داخلية في حكومة الصادق.
إخوتي السودانيون، أرجو أن لا نلتفت للأصوات المرتفعة هذه الأيام هنا وهناك الداعية إلى الفرقة والشتات ولا سبيل للخروج مما نحن فيه إلا بالعودة إلى الجذور وبناء الأمة من جديد مع أن الزمان قد تغير والحال قد تبدل إلا أنه لا ينصلح حال هذه الأمة إلا بما انصلح به أولها والذي ذكرناه آنفاً وبالأمل والهمة والإرادة والوحدة يمكننا تحقيق بعث جديد بعد الموت وتداركاً بعد الفوت ولنستذكر ماضينا ونستبصر بما فيه من إضاءات جعلتنا نكتسب احترام شعوب العالم، علينا أن نفتح صفحات التاريخ نأخذ منها العبر الماضية ونواجه بها التحديات الماثلة، علينا أن نستعرض ماضينا كيف كان وكيف هو الآن، فإذا كان هناك تغيير نريده فلنغير ما نحن فيه إلى ما كنا فيه من قبل، ارجعوا وكونوا سودانيين كما كنتم واتركوا الصدام والصراع والقبليات والجهويات والتي غالباً ما يصنعها السياسيون ليدغدغوا بها مشاعر القواعد وللكسب السياسي الرخيص، فكل ما يحدث الآن في السودان سببه السياسيون، فعلى الشعب أن ينتبه إلى أفعالهم تلك والسودان يسع الجميع إذا اتسعت الصدور وصفت القلوب وطهرت النفوس وإلا سوف تكون العواقب وخيمة والمآلات أليمة فتنشب الحروب ويتمزق السودان ولات ساعة مندم.