خالد الصادق البصير يكتب : صالات الأفراح… تعانق الأحزان
قرار إغلاق الصالات اقتضته ضرورة مرحلة، وأن أصحاب الصالات يرون احترام القانون جزءاً من نسيج حياتهم ويحبون الالتزام باحكامه.
وأصحاب الصالات هم أحرص الناس على سلامة الإنسان السوداني، لأن من على رؤوس هذه المؤسسات نفر كريم وبقامات ودرجات علمية رفيعة وهم من أعلم الناس بالآثار المترتبة على حجم وضرر جائحة كورونا.
ورغماً عن ذلك أضحت صالات الأفراح هي الضحية وكبش الفداء الدائم، وأن الجهات الرسمية لا تحاول الاجتهاد كثيراً في إيجاد بدائل غير الصالات ولا أنسب من (شماعة) الصالات لتعلق عليها خيباتها.
لقد تضررت الصالات كثيراً بسبب الإغلاق الأول وقبل أن تصحو من الكابوس ولم تتجاوز مراراتها وتستبشر خيراً بمزاولة العمل تحت بنود احترازية صحية تعهدت بها، تصحو ثانية على كابوس الإغلاق الثاني بصورة مفاجئة وبدون مقدمات وسابق إنذار لتتعمق جراحها وتلزم كرسيها المدولب ثانية ولتصبح هياكل في مهب الريح، وحتى خسائرها لم تكُ مادية فقط، بل هي خسائر نفسية واجتماعية أصابت حتى عملائها الذين أودعوا أموالهم للصالات ليحلموا بخدمات جيدة لم تكُ لتتوفر لهم في غير الصالات، ولكن الأكثر إيلاماً وتأزما من الإغلاق هي الممارسة العنترية والتعسفية التي قام بها السيد الوالي (متواضعاً) بشن حملة شعواء لا هوادة فيها على بعض الصالات ويقودها بنفسه في سابقة غير مسبوقة لا في تاريخ الولاة ولا تاريخ الصالات، وقاد جحافل عسكره لتلك المرافق وهي مكتظة بالضيوف في صورة مزرية وقاسية على الصالات وأصحابها، وما كان ذلك إلا نتيجة لردة فعل عنيفة عندما قامت مجموعة من بعض أصحاب الصالات بوقفة احتجاجية سلمية راقيه أمام أمانة حكومته، وكانوا يمنون أنفسهم بمقابلة السيد الوالي للاستفسار عن مفاجأة الإغلاق دون إخطار أو سابق إنذار حتى يتمكن هولاء النفر من توفيق أوضاعهم وترتيبها وإيجاد الحلول والبدائل للخروج من تلك الأزمة والنفق المظلم، وكان بحوزتهم مذكرة تحوي تعهداً وميثاقاً بالالتزام بالاحترازات الصحية للمناسبات التي على المدى القريب جداً، ولكن السيد الوالي لم يُعرهم اهتماماً.
إن الصالات مرافق مهمة وحيوية لابد من احترامها وتقييمها، بل الواجب يحتم رعايتها وتذليل كل الصعاب التي تواجهها، لأنها مؤسسات تدفع عجلة التنمية وتغذي الخزينة العامة، وأنها تدفع طائعة مطيعة لمنافذ تقارب الثلاثة عشر منفذاً حكومياً وتتحدى الصالات أي جهة من تلك الجهات أن تثبت لها أنها تقدم خدمة مقابل أموالها التي تأخذها من (ضرع) بقرة الصالات الحلوب.
والصالات تعتبر ما قام به السيد الوالي ما هي إلا حالة صفريه لمعالجة المشكلة، والتصعيد يصرف في أفق السياسة الاستبدادية، والتاريخ أثبت بما لا يحتمل الجدل الكثير بأن العنف هو في الحقيقة فشل أو نقص في كفاءة المؤسسه السياسية التي قامت بالتنفيذ. والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما قام به السيد الوالي من أجل الاستحواذ على إعجاب مرؤوسيه وقبول المجتمع ورضى الدولة عنه أملاً في البقاء على كرسيه والزهو بالسلطة وبريقها الزائل؟
إن الحملة التي قام بها السيد الوالي أججت في خواطرنا ذكرى مريرة يصعب نسيانها ألا وهي أيام الإنقاذ الأولى وحملات رامبو الشهيرة، رغماً عن عدم وجود صالات أفراح في تلك الحقبة. وما قام به السيد الوالي ما هو إلا اختباء وراء فشله في توفير البدائل لعمل الصالات ولم يجد أمامه إلا الحملة الجائرة ليوصد بها أبواب الحوار مع أصحاب الصالات.
والصالات هي المرافق الوحيدة التي يمكن ضبطها وتطبيق الاحترازات الصحية فيها، وكان من الممكن أن تكون نموذجاً يحتذى في التباعد والتعقيم وارتداء الكمامات والنظافة وغيرها، ولأن الصالات مؤسسات تحترم القانون وتسير عليه لتحفظ حقها وحق غيرها كان يكفيها منشور من سطرين لإيقاف نشاطها وإيقاف حالها ولا تحتاج لكل هذا العناء والعنت.
وهنالك أولويات يجب أن يتوجه إليها السيد الوالي وهي أكثر خطورة وفتكاً من الصالات وهي الأسواق المكتظة بالبشر والدواب والأفران ومحطات الوقود وأماكن بيع الغاز ومكاتب التسجيل بالجامعات ومعامل فحص الكورونا نفسها والميناء البري والرحلات الطويلة والالتحام والالتصاق الأكثر قرباً من الجلوس في البصات. وليعلم سيدي الوالي لو كان هنالك شخص واحد في بص سفري مصاب فتأكد من أصابة ستين شخصاً بسبب التكييف الذي يدور داخل البص، وأيضاً بصات الولاية والحافلات والمطار والقادمين عبر المعابر دون حسيب ولا رقيب.
لا نريد أن تراودنا فكرة أن الكورونا حق يراد بها باطل، وأن الصالات تذعن لقرار الإغلاق وتسلم به بعد أن فشلت في إقناع القائمين على أمر الإغلاق بأنها تطبق الاحترازات الصحية. والصالات لا تتعشم في تعويض عن خسائرها من حكومة تقف على قارعة الطريق تستجدي المنح والهبات من دول صديقة، وكما هو معروف في أغلبية دول العالم عندما تقوم الدوله بإيقاف نشاط تجاري في القطاع الخاص لأسباب خارجة عن الإرادة فإن الدولة تتحمل خسائر تلك المنشآت من خزينها، لأن تلك الجهات كانت تدفع سلفاً للخزينة العامة، وهذا حفاظاً على استمرارية العلاقة ما بين القطاع الخاص والحكومة (رد جميل) الصالات تتعشم في معاملة كريمة لأنها مؤسسات ذات وزن وأن أصحابها رجال أعمال ومستثمرين يدفعون بوتائر التنمية ويعملون مع الدولة من أجل مصالح مشتركة للوطن.
سيدي الوالي، الآن تستعد المزارع والفلل لاستقبال المناسبات، فهل ننتظر مباغتتها أم هي بريئة من انتشار الوباء؟
سيدي الوالي… إننا نبحث عن العدالة فهي مطلب سابق، ونطالب بحصافة رأي وموضوعية وتسامح وعزوف عن نزعة التعسف والتحيز، وما نحتاجه من القيادة أن تقودنا إلى وعي جديد وصيحة صادقة تحتاج إلى منا إلى أن نفهمها ونناقشها ونحتفي بها كأطروحة جديدة وشجاعة، وأن طبيعة الحياة تتطلب المرونة الفكرية وأن الدولة الحديثة لا تباشر سلطاتها من فراغ وإنما تباشرها في إطار القانون وطريقة تنفيذه، والقانون هو الذي يرسم على حدود السلطة وكيفية ممارستها وعندما تتصرف الدولة في حدود القانون يكون تصرفها مشروعاً وعندما تخرج الدولة عن حدود القانون فيكون تصرفها غير مشروع وعشوائياً.
وأخيراً، إن الصالات تقر بوجود هذا الوباء، وكلنا شركاء في مكافحته ودحره وأضعف الإيمان التعايش معه، ولكننا نحرص على الاحتفاظ بمقاماتنا ونناشد باحترام مؤسساتنا (صالات الأفراح) والتي دعمت مكافحة هذه الجائحة من قبل مادياً ومعنوياً في عمل اجتماعي ضخم، ولا زالت وستظل الصالات تمد أياديها البيضاء لتضعها في أيادي الجميع لتحمي إنسان هذا الوطن العزيز من كل سوء.
حفظ الله البلاد والعباد.
والله من وراء القصد