وزير مالية أسبق: الخلل في السياسات يجعل السودان لا يستفيد من رفع الحظر
صدقي كبلو: لابد من الإسراع في إعادة الشركات التي لها علاقات تجارية بالخارج
حدد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب خلال هذا الشهر مستنداً على الأدلة الشواهد وأكده سفير السودان في الولايات الأمريكية السفير نور الدين ساتي الذي حدد يوم 11 من هذا الشهر.
(الصيحة) استنطقت عددا من الخبراء عن ماهية الاستعدادات لهذا القرار وكيفية تهيئة البنوك والمراسلين والاستثمارات تفعيل القوانين والكثير من المشكلات في كافة القطاعات الاقتصادية، فخرجنا بالحصيلة الآتية:
الخرطوم: سارة إبراهيم عباس
هيكلة المصارف
قال عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير الخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو: من المفترض أن تكون الاستعدادات تمت منذ وقت مبكر، لأن أحد أهداف الحكومة عند استلامها للسلطة إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لذلك من المفترض أن تمتلك مخططاً للقضايا الرئيسية لابد من التنظيم ولدينا لجنة من مجلس الوزراء ووزارة المالية وبنك السودان والخارجية ووزارة التجارة) من اختصاصاتها معرفة كل ما يخص رفع الحظر والعمل في كل المجالات، مشيراً إلى إصلاح البنوك السودانية، وقال في حديثه لـ (الصيحة): من المفترض أن تتم هيكلة البنوك إما بالدمج أو فتح نافذة بسعر الفائدة والتصديق لبنوك تعمل بسعر الفائدة، وهذا حسب توصيات المؤتمر الاقتصادي فدمج النبوك يرفع رأس مالها ويقلل المخاطر، وقال: لابد من الإصلاح الداخلي للبنوك وبنك السودان يزيد من الرقابة عليها ويضع لوائح ونظماً علمية لتواكب الأنظمة العالمية لتسهيل المعاملات مع المصارف العالمية، وهذا من المفترض أن يكون سابقاً لانسياب التحويلات من وإلى خارج السودان للأعمال التجارية .
فتح حسابات خارجية
وشدد كبلو على أهمية فتح حسابات في الخارج لتدر عائدات نقد أجنبي وتجعل للحكومة القدرة على جني العملات الأجنبية وقال إصلاح المصارف يساعد على برامج طرحت أثناء الثورة لا يمكن أن تنفذ بالمقاطعة كبرنامج دعم المغتربين للدولة بتحويل المدخلات في شكل وديعة بها أرباح، وهذا تم رفضه من كل الدول حتى العربية التي نسميها صديقة، وأضاف: إذا تم رفع المقاطعة لابد من فتح الأسواق القديمة وعدم المتاجرة عبر وسيط وهذا يزيد من الصادرات ويقلل عائد الواردات وأكبر سوق من أسواقنا في العالم لا نستطيع التعامل معه مباشرة هو سوق الاتحاد الأوربي، علماً بأننا أعضاء فيه وتم إيقافنا عام 1992 م ومحتاجون استعادة عضويتنا فيه بل لدينا قروش تعويضات واتفاقية (لومي) تعوض الدول التي تصدر مواد أولية في حالة انخفاض الأسعار أو عجز لأسباب مناخية ولدينا جزء من هذه التعويضات، وإذا استعدناها نحقق مكاسب . لافتاً إلى أهمية الإسراع في إعادة الشركات التي لها علاقات تجارية بالخارج منذ القدم كشركة الصمغ العربي وشركة الحبوب الزيتية والأقطان وتفعيلها وتجديد علاقاتها مع عملائها في الخارج، لذلك لابد من الاستعداد لهذا سواء المحالج أو مصانع الغزل والنسيج ورفع إنتاجية مصانع الزيوت .
معرفة الاحتياجات
وقال كبلو: لابد من معرفة الاحتياجات للإصلاح، خاصة في مجال البنيات التحتية وتفعيل عمل المؤسسات والمراكز بعمل دراسات وبداية مفاوضات مع الشركات حول القروض السلعية، وبالأمس أتت شركة بويل لكي تسبق أيربص وهذه منافسة عالمية، وأنا أتحدث عن القروض السلعية وليست قروض الدولة التي يرفضها صندوق النقد الدولى الذي يقيد أي معاملات ثنائية مع الدول إلى أن يقرر في مصير الديون الخارجية والتي يمنعنا من تلقي أي قروض جديدة، وهذا تحكم ويعطلنا ويبقى لنا العون الأجنبي، ولابد من التجهيز للاستفادة من بعثة الأمم المتحدة تحت الفصل السادس لأن واحدة من مهامها التنسيق بين المنظمات العاملة وهي تقدم خدمة للإصلاح الاقتصادي، ولا بد من خطة تهتم بالسلام وعودة اللاجئين والنازحين إلى أماكنهم، وهذه مسألة تجد العون الكبير من المنظمات، وهنا دور كبير لوزارة الخارجية والسفارات في الخارج لتقديم البرامج والخطط.
خلل السياسات
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق د. عز الدين إبراهيم، إن الاستعداد لابد أن يكون مشتركاً بين الحكومة والقطاع الخاص، وأضاف أن الخطط والبرامج في العالم كله ننظر لها بطريقة مثالية، لكن الواقع يفرض نفسه.
وقال في حديثه لـ (الصيحة): لابد من التفكير من قبل القائمين على الأمر، بدلاً من برنامج تأشيري يحدد الاتجاهات مشدداً على أهمية الاستعداد لمقابلة الظروف والمتغيرات والتفريق بين المدى القصير والطويل في البرامج والخطط، وقال: من الخطأ أن نتأمل كثيراً في أن يرفع الحظر يوم 11 ديسمبر، وأن تكون الحياة بعدها مزدهرة لأن العملية سوف تكون تدريجية فمثلاً قطاع البنوك سوف تكون الاستفادة ليست بالقريبة يمكن تكون في الريع الثالث من العام القادم، لافتًا إلى أن هناك بعض الأشياء يمكن أن نجني ثمارها كالاستيراد المباشر من دول المنشأ فضلاً عن العودة التدريجية للمستثمرين الأجانب، لذلك لابد من تهيئة البنية التحتية الاستثمارية (طرق وكهرباء ومبانٍ) ومراجعة القوانين وتعديلها وإزالة التقاطعات بين القوانين الولائية والاتحادية، وقال: نعاني من نقص كبير جداً في العمالة الحرفية المدربة، ولابد من سياسات كلية للقطاع الاستثماري، مشيراً إلى السياسة التي اتبعها وزير المالية السابق إبراهيم البدوي فيما يخص المرتبات، وقال إن هذا الخطأ أوصلنا إلى تضخم جامح (وشطح شطحة كبيرة) والوزيرة الحالية أقرت بمشكلة في المرتبات، وهذا الخلل في السياسات يجعل السودان لا يستفيد من رفع الحظر لعدم التوازن في الاقتصاد .
هيكلة الجهاز المصرفي
وفي سياق، متصل قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير كان من المفترض أن تعاد هيكلة الجهاز المصرفي ورفع رأسمالها إلى 5 مليارات جنيه كحد أدنى لأن هناك بنوكاً إلى الأن رأسمالها أقل من مليون دولار أو 2 مليون وتتعامل مع بنوك عالمية بسقوفات ائتمانية عالية، لذلك لابد من رفع رؤوس أموال البنوك السودانية وأي بنك لا يستطيع رفع رأس ماله يجب أن يدمج حتى يكون لدينا كيانات مصرفية جديدة، لافتًا إلى أهمية تحرك بنك السودان وإعادة تفعيل دور المراسلين في الخارج. وقال إن رفع اسم السودان يؤثر إيجابًا في جذب الاستثمارات وقطاع البنوك ومطالبة السودان بإعفاء الديون كليًا أو جزئيا، ويجعل السودان يطالب بقروض ميسرة، مشيراً إلى غياب وزارة الاستثمار، وقال إن الدولة مقبلة على تفكيك الوزارات وهي ليست في مصلحة البلد أو الاقتصاد إنما خلق وظائف جديدة للحركات المسلحة التي أتت بالسلام وما نخشاه هو العودة إلى التجارب السابقة والترهل الوظيفي، صحيح هناك وزارات تحتاج إلى تفكيك مثل الطاقة والتعدين والعمل والتنمية، ولكن الأهم من ذلك فصل وزارة المالية عن التخطيط الاقتصادي، ولا معنى لوزارة للسلام، نحن لا نريد ترهلاً وزيادة في الوظائف مشدداً على أهمية الاهتمام بالاستثمار لما لها من دور كبير في المرحلة القادمة في جذب الاستثمار.
مافيا العملات
أستاذ الاقتصاد بجامعة المشرق البروفيسور عصام الدين الزين، قال إن البلاد عانت خلال الثلاثين عاماً من الحصار الاقتصادي وسبب مشكلة كبيرة في التحويلات والاستثمارات والتجارة الخارجية والصادرات والواردات, لذلك أخرجت بنوكاً من الشبكة, وأصبحت هنالك مكاتب تنجز كل العمليات الخاصة بعمليات التحويلات والتجارة الخارجية وبكل ما يرتبط بالدولار. لذلك نشأت مافيا كبيرة سيطرت على أسوق العملات والتحويلات والتجارة الخارجية بما فيها الصادرات والواردات مما تسبب في أضرار كبيرة جداً في سعر الصرف ورفع معدلات التضخم وظهور ما يسمى بالدعم كل شهر رصيد أكبر للدعم مما يتطلب إنفاقاً أكبر من الحكومة والبنوك وعلى رأسها البنك المركزي الذي فقد الاحتياطات، والمستثمرون فقدوا الثقة في السودان, والبنوك التجارية تدهورت علاقاتها المرتبطة مع المراسلين، حيث لم يتم تأهيلها وتجهيزها, وتحتاج لرسم الاتفاقيات من جديد بما يسمى باتفاقيات الوكالة, والتحرك في هذا الاتجاه, وإضافة لكل ذلك ديون السودان العالية التي قاربت 60 مليار دولار فمنها مقابل نادي باريس ونادي لندن وهي مرتبطة بالبنوك التجارية وعشرات المليارات من الدولارات, فلا يمكن أن يستفيد السودان من رفع العقوبات ما لم تتم تسوية المسائل المتعلقة بالديون بشكل مباشر وسريع. وأيضاً من الأشياء الرئيسية التي لا بد من أن نتحدث عنها الاستفادة من الاتفاقيات الخاصة بإعفاء الديون (هيبك) إذا رفعت العقوبات أو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فلن تكون هنالك استفادة سريعة ومباشرة ما لم يتم تفكيك بما يسمى بمافيا العملات الأجنبية والتجارة الخارجية والحصول على إعفاءات من الديون وما لم يكن هنالك قانون استثمار واضح ومؤشرات اقتصادية إيجابية تسمح بتدفق رؤوس الأموال إلى الداخل وتحرك من البنوك خاصة البنوك التجارية بإعادة الاتفاقيات الخاصة بالوكالة والمراسلين وشدد على أن يستفيد البنك المركزي من هذا الوضع بفتح حسابات للودائع الأجنبية حتى ترتفع فيه العملات الأجنبية وهذا يتطلب خطة كبيرة جداً ورفع وإزالة اسم السودان من العقوبات الاقتصادية خطوة رئيسية ولكنها تتطلب الحضور والاتفاقيات وتغيير السياسات الاقتصادية والمالية وبناء الاحتياطات في كل الاتجاهات.
مشكلات الاقتصاد المتراكمة
الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي قال لـ (الصيحة) إن رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية، للدول الراعية للإرهاب لن يكون بمثابة الحل السحري، لمشكلات الاقتصاد السوداني رغم الفوائد التي سيأتي بها، ولا يمثل حلاً لمشكلات الاقتصاد المتراكمة، وأن الأولوية للحكومة في ظل هذا التطور، هو إصلاح الهياكل الاقتصادية المتداعية للبلاد وتقديم خطط دقيقة للنهوض الاقتصادي وتحقيق الاستقرار السياسي والأمنى في السودان هو الأهم كذلك من الفوائد التعاملات مع النظام المالي العالمي من خلال تيسير إجراء العاملين في الخارج للتدفقات المالية، وهذه العمليات ستدخل النظام المصرفي السوداني، مما يعزز قيمة الجنيه السوداني، وشدد على ضرورة تعديل سعر الصرف وصياغة قوانين جديدة للاستثمار، وتغيير سعر الصرف ووقف الاستدانة من الجهاز المصرفي.