د. تيسيرعبد الرحيم أحمد تكتب : بوصلة وهدف
أهنئ الشعب السوداني في هذه الأيام ببشريات السلام، والواقع الجديد لسودان بلا حروب، بلا انتهاكات، سلام وأمن شامل يعم البلاد, وبما أننا نعيش في أجواء السلام والتسامح والتصافي فإن قرار العفو العام الصادر بتوجيه رئيس مجلس السيادة بالقرار رقم (489) والقاضي بالعفو عن الحركات المسلحة وجميع حملة السلاح وكل من شارك في أي انتهاكات أو قتل أو حرب أو شارك بقول أو عمل أو فعل يتصل بالعمليات القتالية, تم إلغاء وإقفال جميع البلاغات المفتوحة في مواجهتهم سابقاً وإطلاق سراح من هم داخل السجون بهذا القرار، وأنه كان هذا القرار لمصالح سياسية واقتصادية قطعاً فإنه في نهاية الأمر قرار لمصلحة البلاد والمصلحة العامة للشعب السوداني، ألف مبروك الحرية والسلام والعدالة.
وإتباعًا لما تم من سرده ما هو إلا امتداد للعفو العام الصادر سابقاً في ظل وباء (كرونا) الذي كان سبباً لإعلان العفو العام الصادر أيضا من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان والنائب العام تاج السر الحبر وعضو مجلس السيادة الأستاذة عائشة موسى، التي تبنت وقتها قضية النزلاء بعد مناشدات ومبادرات وخطابات، وكنت واحدة ممن ناشدوا وناضلوا لأجل النزلاء داخل السجون ولإيماني القاطع بهذه القضية، فإن ما تداولته الأسافير خلال الأيام الماضية لمقطع فيديو يهاجم عضو مجلس السيادة عائشه موسى وما تبع هذا الفيديو من حديث وتساؤلات ونقد نرد عليه بالآتي، وبما أنني كنت ممن عملوا على هذه القضية ولدي إلمام بتفاصيل هذا الملف، لذا أعلم جيدًا الكيفية التي تم بها الإفراج عن النزلاء ولماذا؟ وكيف تم الوصول الى قرار بإطلاق سراح النزلاء وما قامت به عضو مجلس السيادة كان صحيحاً، لأن عددا من الدول أطلقت سراح النزلاء داخل السجون بسبب الاكتظاظ والوباء ماتم من عفو عام كان في الحق العام وليس الحق الخاص كما يدعي البعض نزلاء الحق الخاص ما زالوا داخل السجون يسدد عنهم الخيرون الديون، وهي أيضاً قضية سيتم تناولها لاحقاً، لأن التدهور الاقتصادي والغلاء كان سبباً في تفشي الجريمة والربا وتجار الكسر المرابين الذين يتعاملون في الدين بالفائدة والربح. فقط نوضح للبعض أن المحكومين قصاصاً مازالوا بالسجون وأصحاب الجرائم الحدية كالقتل وجرائم حق خاص ما زالوا أيضاً بالسجون . لذا قبل النقد والتشهير من بعض الصحفيين علينا التحري والتقصي والمعرفة والإلمام بالقانون، لأن القانون والدستور السوداني نص على أن العفو العام عن نزلاء الحق العام في المناسبات الدينية والأعياد تحت الماده (208) و(209)و (211) لا يتم إلا بعد موافقة النائب العام ورئيس الجمهورية ومنح هذا الحق الآن لرئيس المجلس السيادي، وما حدث ليس طفرة أو أمراً غريباً على البلاد، ففي عهد نظام الرئيس المخلوع السابق (عمرالبشير) أصدر عفواً بنصف مدة في عيد الاستقلال لسنة 1997وأصدر عفواً سنة 2012 وتكرر العفو، وكذلك في عهد الرئيس(جعفر نميري) رحمة الله عليه، وكلما اكتظت السجون تقدم مدير السجن للرئيس بطلب العفو حتى يتم التخفيف من الاكتظاظ داخل السجون والعفو عن حفظة القرآن وأصحاب الأمراض المستعصية والمزمنة كالسرطان والإيدز والكبد الوبائي، وهذا حق النزيل بالقانون والدستور وحسب المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها السودان.
وتأتي قاعدة (نيلسون مانديلا) المعمول بها عالمياً، عليه فإن ازدياد معدل الجريمة ليس للنزلاء علاقة به، وما حدث في مدينة الفتح والأبيض أسبابه التدهور الأخلاقي والفقر والغلاء وهؤلاء المرتكبون للجرائم ليسوا من ضمن كشوفات النزلاء الذين تم إطلاق سراحهم بالعفو العام، لأن الذين أطلق سراحهم بواسطة الحق العفو العام عليهم تعهدات شخصية بعدم العودة للجريمة، وما قامت به المنظمات والأفراد الخيرون وعضو مجلس السيادة ورئيس مجلس السيادة والنائب العام، كان للمصلحة العامة، فالسجن عقاب وتهذيب وإصلاح وليس تعذيباً وانتهاكاً لحق النزلاء في الحياة، بين النزلاء أبناء أسر وشباب متعلمون أخذوا نصيبهم من العقاب والخطأ بسبب ضغوط الحياة الاقتصادية، والغلاء الفاحش، نتمنى سوداناً خالياً من الجريمة، ولا ننسى أن هناك مجرمين لم يطلهم القانون ما زالوا يمشون بيننا, فإن معظم الذين طالتهم العقوبة والسجن ما هم إلا ضحية لظروف اقتصادية قاهرة، فهناك من كان أحد والديه مريضاً يحتاج فقط لصرف روشتة دواء أو جلسة لغسيل كلى تحتاج لمبلغ لا يعرف من أين يأتي به، لأن المرض عندما يأتي لا يعرف الظروف الاقتصادية، كيف لنا التحدث عن الجريمة في ظل التدهور الصحي والعلاج الاقتصادي وصفوف البنزين والخبز والغاز، وهناك من عليه ديون يسعى لسدادها بأسرع الطرق, نحتاج لمعالجة أوضاع نزلاء الحق الخاص من تجار الأزمات واستغلال الشباب من تجار الربا والكسر جميعهم تم استغلالهم واستقطابهم. وجميعنا نخطئ ولكن يختلف الخطأ ويختلف الجزاء وتختلف التوبة، وما زالت القضية مستمرة إلى أن نصل لسودان خالٍ من الجريمة مزدهر اقتصادياً وبلا سجون، هذا حلمي، وهذه بوصلتي واتجاهي، وسعيدة من أجل من نالوا حريتهم وسيكتمل الهدف يوماً بإذن الله.