اللاجئون الإثيوبيون.. منظمات بلا غذاء وإيواء

إثيوبيون.. تفرقوا في الدروب والتقوا بالحدود السودانية

جهود خجولة للمنظمات الدولية .. وأدوار مشهودة

حمدايت: أحمد بامنت

عقب رحلة دامت أربعة أيام قطعتها “ترحاس قبروم” هرباً من الحرب التي اندلعت بإثيوبيا في الرابع من نوفمبر الحالي تاركة خلفها أنقاض منزلها الذي سقط جراء القصف وزوجها الذي لم يكن وقتها تعرف عن مصيره شيئاً، لم تحمل معها سوى صغيرها الرضيع خرجت مع الباقين صوب الشمال الغربي ووجهتهم  شرق السودان .

تقول ترحاس: سمعت دوي الانفجارات والقصف بالقرب من قريتنا “الرويان”، وعندما استفسرت عن الأمر قالوا بأنها الحرب وأن هذه الأصوات تأتي من منطقة الحمرا، وما هي إلا ساعات حتى رأينا جموعاً غفيرة من الأهالي تصل قريتنا، وبعدها وصل القصف قريتنا، وكان الجميع في حالة خوف وهلع، فخرجنا على هذا النحو لم يتسن لي أن أحمل شيئاً سوى طفلي الذي لم يتجاوز عامه الأول برفقة عدد من أهالي القرية، سرنا أربعة أيام متواصلة نشرب من مياه البرك والخيران، ولم يكن معنا غذاء سقط منا عدد لم يتمكنوا من مواصلة الطريق، جف اللبن من ثديي، لم يجد صغيري فيه شيئاً، ظل يصرخ طوال الطريق كانت الرحلة شاقة حتي وصلنا إلى هنا في حمدايت، تم استقبالنا وتسجيل أسمائنا وقدوموا لنا الطعام والشراب .

مآسٍ على الحدود

هذه القصة لا تختلف كثيراً عن باقي القصص التي استمعنا إليها من اللاجئين الإثيوبين الذين تقاطروا على السودان عبر منطقة حمدايت الحدودية.

(الصيحة) وصلت هنالك، ورصدت الموقف من داخل نقطة التسجيل الحدودية بحمدايت, الأعداد في تزايد مستمر, جموع من الإثيوبيين يقفون في صفوف طويلة في انتظار اكتمال عملية التسجيل من قبل موظفي معتمدية إسكان اللاجئين بكسلا في الجانب الآخر، يتزاحم آخرون في صفوف أخرى ينتظرون توزيع الغذاء, آخرون لم يقووا على الوقوف يستلقون على الأرض, صراخ الأطفال يصم الآذان، نساء يتحدثن هنالك وعناق وابتسامات وسط الدموع, خيمة كبيرة على شكل جملون ضخم بداخلها أضعاف أعداد المنتشرين في الخارج، أعداد النساء والأطفال أضعاف أعداد الشباب والشيوخ .

يقول مدير وحدة حمدايت الإدارية صلاح الدين رمضان آدم: منذ دخول اللاجئين الإثيوبيين قمنا باستقبالهم وأخطرنا الاستخبارات العسكرية، وتم إبقاؤهم في هذا الموقع، وبدأت تتوافد الأعداد وظلت في زيادة مستمرة حتى فاقت طاقة المحلية مع غياب المنظمات، وقال إن العبء الأكبر تحملته الوحدات العسكرية بمنطقة حمدايت، وقال أنهم قاموا بدور كبير، فضلاً عن دور مواطني منطقة حمدايت الذين أظهروا أصالة ونبل الشعب السوداني، وقال إن نساء منطقة حمدايت وبدون إيعاز من أحد قمن بإعداد الطعام هنا، وقال إن المعسكر إلى الآن يعتمد على الجهد الشعبي، وممثلو المنظمات جاءوا ووقفوا على الأوضاع وذهبوا.

وقال رمضان: هنالك منظمة قامت بتوزيع ذرة غير مطحونة في هذه المنطقة النائية، في وقت يصل فيه اللاجئون منهكين من الجوع، وأضاف أن هذه الأعداد لم تجد مكاناً يقيها حر الشمس، هنالك نقص كبير في مواد الإيواء، مبينا أنهم سمحوا لهم بالنزول للأسواق ودخول القرية، وقال الآن أي منزل من منازل مواطني حمدايت به ما يقارب الأسرة أو الأسرتين من هؤلاء اللاجئين، وأكد رمضان أن المتواجدين الآن داخل القرية أكثر من المتواجدين الآن بالمعسكر، لم نستطع السيطرة على تلك الأعداد، مشيراً إلى حجم الفجوة الغذائية.

وناشد رمضان حكومة الولاية والمركز بالضغط على المنظمات للتدخل العاجل والقيام بدورها الحقيقي تجاه اللاجئين، وقال: لا يمكن أن يقوم معسكر على الجهد الشعبي، وتطرق إلى الكارثة البيئية المتوقعة، مبيناً أن كل تلك الأعداد تقضي حاجتها في العراء مما يحدث تردياً بيئياً، مؤكداً أن وحدة حمدايت الإدارية لا توجد بها طلمبة رش ولا مبيدات، وقال إن الأمر فوق طاقة الوحدة الإدارية .

تفويج مستمر

وأشار ممثل إسكان اللاجئين بولاية كسلا يعقوب محمد يعقوب بمركز استقبال اللاجئين، إلى أنهم منذ بدء التدفقات الإثيوبية على منطقة حمدايت في السابع من نوفمبر وحتى الآن، تم تسجيل ما يقارب 24 ألفاً و236 لاجئاً، تم ترحيل 6 آلاف و232 لاجئاً لمعسكر أم راكوبة بولاية القضارف، وما زلنا في تفويج مستمر، وأكد أن هناك حاجة ماسة لتوفير المزيد من مواد الإيواء، وهنالك فجوة كبيرة في الغذاء، وهنالك إشكالية صحية متمثلة  في عدم  توفر الدواء، لا توجد عربة إسعاف لنقل المرضى، وناشد المنظمات والمجتمع الدولي التدخل العاجل لمجابهة هذه الأعداد المتزايدة .

ويقول نائب رئيس لجنة المقاومة بمنطقة حمدايت إبراهيم حسين، إن عدد اللاجئين كبير جداً، وقال إن لجنة المقاومة قامت بمبادرة لمساعدة اللاجئين، مبيناً أنهم ناشدوا مواطني المنطقة لتقديم وجبة، وألزموا كل منزل بتقديم وجبة واحدة في اليوم وتقديمها لهم، مثمنًا دور الجهات الأمنية في مجابهة هذه الأزمة، منتقداً دور المنظمات الطوعية الأجنبية والوطنية وضعف استجابتها .

تدخل عاجل

وأكدت الناشطة المجتمعية نداء الحاج رحمة الله، أنهم بمجرد معرفة خبر تدفق اللاجئين، قمنا بالتواصل مع الجالية الإثيوبية المقيمة بكسلا، وتم التنسيق لتقديم وجبات وملابس ومواد إيواء وصابون وبعض المعينات، ألا أنهم بعد وصولهم منطقة حمدايت ووقفنا على الأوضاع على الأرض اتضحت جلياً الفجوة، وقالت إن العدد أكبر من المتصور والأوضاع مأساوية وتتطلب من المجتمع الدولي التدخل العاجل .

وأكد المدير التنفيذي لمحلية ود الحليو أنور مبارك حميدة، أن العدد كبير رغم عمليات الترحيل لمعسكر أم راكوبة، وأشار إلى ضرورة التدخل العاجل في مجال إصحاح البيئة، وقال إنهم قاموا بجمع مبلغ 700 ألف تم توزيعها على اللاجئين، وأعرب عن شكره لمواطني حمدايت الذين استقبلوا اللاجئين بمنازلهم

 

ويحكي برهاني قزين أحد اللاجئين الإثيوبيين، إنه من منطقة ماي خضرا بإقليم التغراي، قال (كنت بعيداً عن أسرتي عند اندلاع الحرب وسمعت دوي الانفجارات، عدت مسرعاً إلى المنزل، فوجدت المنزل منهاراً، لم أعرف مصير أسرتي المكونة من الوالدة وزوجتي وثلاثة أطفال بينهم طفل لم يبلغ عامه الأول ووجدت أغلب أهالي القرية يفرون مسرعين، حاولت أن أبحث عنهم، إلا أن القصف كان شديداً، الجميع طلب مني الخروج، خرجت مع الآخرين، وسرنا لمدة ثلاثة أيام متواصلة، كنت أسأل الجميع عن أسرتي، لم أجد إجابة، واصلت المسير حتى وصلنا السودان، ودخلنا منطقة حمدايت، وهنا التقيت بزوجتي وأمي وطفلي الرضيع، وآمل أن يكون باقي أبنائي بخير، شعب السودان استقبلنا أفضل استقبال، أكرمونا وقدموا لنا الطعام .

ومن الأخبار التي رصدتها “الصيحة” داخل نقطة الاستقبال بحمدايت أن امرأة حبلى وضعت جنينها على الأراضي السودانية بحمدايت، ألا أن حالتها حرجة ولم نتمكن من الاستماع لروايتها، وبناء على إفادة المشرفين من معتمدية إسكان اللاجئين بحمدايت أنها تخضع للعلاج وتحت إشراف الكادر الطبي الموجود هنا .

ظلال سالبة

حقائق ماثلة للعيان، وتشهد عليها هذه الأعداد المتزايدة من الهاربين من جحيم الحرب وشرورها، إن هذه الحرب ستلقي بظلالها السالبة على السودان، وقد لا تقتصر الآثار السالبة على حدود تلك التدفقات، وقد تتعداها لفرض واقع جديد على المشهد السياسي والاجتماعي الذي لا تنقصه الأزمات بشرق السودان، وقد يمتد تأثيرها إلى منطقة القرن الإفريقي برمته ويبقى دوماً “السلام سمح” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى