لم تعد مُحتلة.. (الفَشَقَة).. الجيش يُسيطر!!
الخرطوم- الصيحة
بعد أكثر من (25) عاماً استعادت القوات السودانية المسلحة، مساحات واسعة من أراضي منطقة “الفَشَقَة الصغرى” المُحتلة من قِبل مليشيات إثيوبية، في ظل تنصُّل واضحٍ من الحكومة المركزية في “أديس أبابا” التي تُقر سلفاً بسودانية “الفَشَقَة الكبرى” بحسب ترسيم الحدود المُعترف به بين البلدين، ولكنها دوماً ما تغض الطرف عن الانتهاكات التي تحدث من اختطاف وترهيب وقتل للمُزارعين السودانيين بالمنطقة الحدودية وتكتفي بتحميل “مليشيات” خارجة عن سيطرتها، مسؤولية الانتهاكات المتكررة.
عودة الأرض
وفي خطوة جريئة تأخّرت كثيراً، استعادت القوات المسلحة السودانية، السيطرة على مناطق زراعية متاخمة لإثيوبيا لأول مرة منذ (25) عاماً تحتلها مليشيات إثيوبية داخل منطقة الفَشَقَة الصغرى.
وأفادت مصادر بحسب قناة “العربية” أمس، أنّ قوات مسلحة سودانية دخلت مناطق قبالة إقليم التيغراي تسيطر عليها مليشيا إثيوبية، وقالت “إن القوات السودانية أعادت السيطرة على مناطق زراعية متاخمة لإثيوبيا لأول مرة منذ 25 عاماً”.
وأكدت مصادر (الصيحة) أن الجيش سيطر على معسكر “خور يابس” داخل الفَشَقَة الصغرى قبالة “بركة نورين”، بعد (25) عاماً من الغياب، وبهذه الخطوة المُهمّة تكون قد تبقت نصف المساحة التي كانت تحت سيطرة مليشيات “الشفتة” الإثيوبية بدعم رسمي.
منطقة الفَشَقَة
تُعد “الفَشَقَة” جُزءاً من ولاية القضارف ويشقها نهر “باسلام”، إلى جانب نهري “سيتيت” و”عطبرة”، وتوجد بها أراضٍ زراعية خصبة تصل مساحتها إلى 600 ألف فدان.
وتمتد على طول الحدود السودانية الإثيوبية بمسافة 168 كيلومتراً وتقع على مساحة تبلغ 5700 كيلو متر مربع، وهي مُقسّمة لثلاث مناطق، هي: “الفَشَقَة الكبرى”، “الفَشَقَة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”.
وتضم الفَشَقَة أخصب الأراضي الزراعية في السودان، وتقسّم لثلاث مناطق- “الفَشَقَة الكبرى” وتمتد من “سيتيت حتى باسلام”، والفَشَقَة الصغرى وتمتد من “باسلام حتى قلابات”، والمنطقة الجنوبية وتشمل مدينتي “القلابات وتايا حتى جبل دقلاش”.
تاريخ النزاع
تاريخ النزاع حول هذه المنطقة قديمٌ جداً، منذ خمسينات القرن الماضي، لكنه ظل في حدوده المعقولة بين مزارعين إثيوبيين ورصفائهم السودانيين في الجهة المُقابلة، إلى أن استولت حكومة “الإنقاذ” على السُّلطة، وتطوّر النزاع عندما قرّرت في العام 1995 اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، وباءت مُحاولتها بالفشل، حينها شعر الراحل ملس زيناوي بطعنة في الظهر، حيثُ كانت علاقاته جيدة بـ”الإسلاميين” في الحكومة، فتوغّل الجيش الإثيوبي داخل الأراضي السودانية إلى عُمقها، ثم انسحب لاحقاً وبقى في أجزاء من أراضي الفَشَقَتين الصغرى والكبرى بشكل شبه دائم منذ 1998 وحتى الآن.
وأوضح مدير إدارة الحدود بولاية القضارف صلاح الخبير في ورقة علمية عن الحدود الإثيوبية، أن دخول المزارعين الإثيوبيين في الأراضي السودانية بدأ في العام (1957 الى 1964) وقد كان عددهم (7) مزارعين إثيوبيين يزرعون مساحة (3) آلاف فدان في منطقة الفَشَقَة الكبرى بجبل اللكدي، وفي الفترة من (1964 – 1967) بلغ عددهم (27) مزارعاً بمساحة (33) ألف فدان، في الفترة من (1972 – 1991) بلغ العدد (52) مزارعاً في مساحة (84.500) فدان، وفي العام (2004) حسب إحصائية رسمية للجنة مشتركة من الجانبين، بلغ عدد المزارعين الإثيوبيين في الأراضي السودانية (1956) مزارعاً إثيوبياً يستغلون مساحة (754) ألف فدان، ويُقدّر حجم المساحات المُعتدى عليها الآن من قبل الإثيوبيين مليون فدان – حسب تصريحات صحفية لوالي القضارف السابق المرحوم ميرغني صالح.
فيما أكد البرلماني السابق عن منطقة (الفَشَقَة) مبارك النور، أنّ مُجمل مساحة التعدِّي الإثيوبي في حدود مليون فدان داخل الحدود السودانية، وأرجع السَّبب إلى تقاعُس الحكومة البائدة، وأكّد النور ضرورة ترسيم الحُدُود، وضرورة فرض هيبة الدولة على الحدود، واستنجد برئيس المجلس الانتقالي ورئيس الحكومة لحسم المُشكلة وضرورة إرجاع الحُقُوق لأهلها.
اعترافٌ إثيوبيٌّ
تعترف حكومة إثيوبيا (الرسمية) قانونياً باتفاقية الحدود للعام 1902، أي اتفاقية (هارنجتون – مينليك) وكذلك تعترف ببروتوكول الحدود للعام 1903، واتفاقية 1972 مع حكومة السودان المستقلة بأن منطقة الفَشَقَة أرضٌ سودانية، لكن على أرض الواقع يبدو الأمر ليس كذلك، فلا تزال أجزاء من الفَشَقَتين تحت سيادة إثيوپية فعليِّة، وسيادة سُودانية (معترف بها من إثيوپيا) لكنها مُعلّقة، ولكن يعتقد الشعب الأمهري الإثيوبي أنّ هذه أراضيه وأراضي أجداده، وأنه لن يتركها حتى ولو منحها مينليك الثاني للإنجليز 1902، وبالتالي كلما حل خريف منذ الخمسينات – يأتي مزارعو أمهرا بدعم من عصابات – (ولكاييت) التي تسمى بالأمهرية “شفتة”، ويزرعون الأراضي السودانية المُعترف بها دولياً وإثيوپياً.
اعتداءات متكررة
تتعرّض الأراضي الزراعية السودانية لاعتداءات متكررة من قِبل مليشيات “الشفتة” الإثيوپية، بغرض النهب والسلب، والأطماع الزراعية، وقُتل خلال هذه الاعتداءات عدد كبير من المواطنين السودانيين في المناطق الحدودية، وكان قد أوردت (الصيحة) عبر مراسلها منذ أيام خبراً عن قتل سوداني واختطاف (5) مواطنين آخرين بالشريط الحدودي من قِبل مليشيات إثيوبية بمنطقة (كنينة تبلدية) إحدى قرى محلية باسندة الحدودية، وطالبت الأهالي بدفع فدية قدرها (4) ملايين جنيه سوداني مقابل إطلاق سراحهم، ولقي المواطن خليل محمد (ابري) مصرعه بنيران العصابات “الأحد” الماضي بعد فشل مُحاولات فك أسر ابنه المختطف.
وطالب مدير مكتب سلطان الفلاتة بالقضارف مبارك صالح عبر (الصيحة) الحكومة الانتقالية والجهات المُختصة بالتدخل السريع وحسم التعديات المُتكرِّرة من قِبل العصابات الإثيوبية عبر القوات المشتركة، وضرورة تأمين موسم الحصاد من هجمات الشفتة ووقف عملية اختطاف المُواطنين وابتزاز أهالي المختطفين بدفع فدية خرافية من قِبل العصابات، وناشد مبارك، الحكومة بضرورة نشر دوريات وقوات لتأمين الحدود وموسم الحصاد.