الخرطوم: أم سلمة العشا
حفلت مسيرة الراحل الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي باهتمام بالغ بالقضايا الوطنية وأولاها عظيم الشأن في سبيل تحقيق السلام الشامل، ويحتاج السودان إلى رجل مثل الصادق المهدي، ليس بالضرورة في موقع القرار وإنما في قلب الحياة السياسية والعامة، باعتباره مرجعيةً وطنية وازنة، ولما يمثله من مكانة اجتماعية معتبرة (قيادة طائفة الأنصار التي اختارته إماماً لها قبل نحو 16 عامًا)، بجانب قيادته حزب الأمة، وبما يتمتع به من علاقات إقليمية ودولية واسعة، وخبرات سياسية ثريّة، ولما يحظى به من مزايا الرجل المفكر والمنفتح.
وللمهدي إسهامات ودور كبير لعبه في تحقيق السلام خارجياً وداخلياً، وشهدت على ذلك كثير من الدول كمحطات وقع من خلالها اتفاقيات السلام وفي هذه الزاوية سنبرزها ضمن ما خطه يراع الإمام في سبيل تحقيق السلام.
اتفاقيات ثنائية
قاد الإمام الصادق المهدي حملة لتعديل اتفاقيات السلام السودانية الثنائية الموقعة في نيفاشا بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي تم توقيعها في نيفاشا 9 يناير 2005م، واتفاقية أبوجا بين الحكومة وإحدى الفصائل المتمردة في دارفور والتي تم توقيعها في مايو 2006، وكذلك اتفاقية أسمرا التي وقعتها الحكومة مع بعض ثوار الشرق في أكتوبر 2006م، وذلك بتحويلها إلى اتفاقيات قومية يجمع عليها السودانيون، وتوضيح ما غمض فيها من نقاط، وتوسيعها بإضافة القضايا الهامة التي أهملتها وذلك بإشراك جميع الفاعلين في المجتمع السوداني في منبر قومي جامع، وقال المهدي: ما لم يحدث ذلك فإن اتفاقية نيفاشا لن تحقق السلام ولا الوحدة ولا التحول الديمقراطي، وبالفعل تحققت نبوءته فانفصل الجنوب في يناير 2011م، وانفجرت الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق بسبب الخلاف حول المنطقتين، وتحولت البلاد إلى شمولية أشد شراسة.
تراضٍ وطني
وفي 20 مايو 2008م وقع حزبه اتفاق التراضي الوطني مع الحزب الحاكم المؤتمر الوطني آنذاك، وكانت الاتفاقية تقتضي تحويلها قومياً عبر مؤتمر قومي جامع يبحث كافة قضايا البلاد وينهي خطة السلام بالتجزئة والعمل الثنائي عبر الإجماع القومي، ولكن صقور المؤتمر الوطني أفرغوا الاتفاقية من محتواها فعلياً، وافق رئيس النظام الحاكم في لقاء ببيت الإمام الصادق المهدي بالملازمين في 27 أغسطس 2013 على أن الحكم والدستور والسلام قضايا قومية لا ينبغي أن يسيطر عليها أحد ولا يقصى منها أحد، ثم بدا بعد انتفاضة سبتمبر 2013م التي قمعها النظام بالحديد والنار مطلقاً الرصاص الحي على المتظاهرين ما أسفر عن أكثر من مائتي شهيد، بدا أنه سوف يسير في الخط الذي طالب به الإمام فأعلن حوار الوثبة في يناير 2014م، واشترك فيه الإمام بحماسة ولكن النظام ضاق برؤاه حول ضرورة أن تكون رئاسة الحوار محايدة بينما يصر على رئيسه، فتحجج بحديث أدلى به في اجتماع لحزب الأمة حول الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع في مناطق النزاع في دارفور وجبال النوبة، وقام باعتقاله في 16 مايو 2014م ووجه له تهماً تصل عقوبتها للإعدام، وأعلن نواب برلمانه أنه ينبغي أن توجه له تهمة الخيانة العظمى، ثم شن حملة إعلامية ضارية تمهد للاغتيال القضائي، ولكنه استجاب لضغوط كثيرة داخلية وخارجية فأطلق سراحه في يوم الأحد 15 يونيو 2014م.
إعلان باريس
وفي 8 أغسطس عام 2014 وقع الإمام الصادق المهدي باسم حزب الأمة مع الجبهة الثورية السودانية إعلان باريس الذي كان اختراقاً في الساحة السياسية السودانية بإجماع الفصائل المقاتلة على أسس الحل السوداني التي تنطوي على وسيلتين هما الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية باستبعاد الحل العسكري، وعلى استبعاد تقرير المصير لمناطق النزاع والإجماع على وحدة السودان تحت أسس جديدة عادلة، ولكن النظام بدلاً من الترحيب بهذا الاختراق الوطني الضخم خوّنه ولفّق حديثاً عن صفقات سرية، وفي النهاية صار الإمام من جديد مطلوباً للنظام البوليسي، وتم اختطاف نائبة رئيس حزب الأمة د. مريم الصادق المهدي حال عودتها من اجتماعات باريس في المطار في 10 أغسطس 2014م، وظلت في الحبس الانفرادي لمدة شهر.
مناشط خارجية
واصل الحبيبُ الإمام الصادق المهدي مناشطه في الخارج والتي تكونت من أجندة وطنية لبناء الإجماع القومي حول أجندة الوطن، وإقليمية عبر منتدى الوسطية العالمي، ودولية عبر نادي مدريد، وفي الرابع من سبتمبر 2014م تم الاتفاق على نقاط ثمانٍ إطارية للحوار تلبي مطلوبات الحوار المطلوب، حيثُ وقع الوسيطُ الأفريقي السيد ثامبو أمبيكي على تلك النقاط مع قوى إعلان باريس من جهة، ومع لجنة السبعة زائد سبعة التي تمثل مفاوضي النظام من جهةٍ أخرى.. شكلت تلك النقاط أساس قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 456 في الثاني عشر من نفس الشهر.
أديس أبابا
الاختراقُ الثاني في الأجندة الوطنية كان في أديس أبابا في 3 ديسمبر من نفس العام، حيثُ وقعت الجبهة الثورية وحزبُ الأمة وقوى الإجماع الوطني ومبادرة المجتمعِ المدني على نداءِ السودان.. ومن جديد تم الاتفاقُ على خياري الحل السلمي والانتفاضة للقضية الوطنية، والبناءِ على قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 456. وبالتالي نجح الإمامُ أن يقود باتجاهِ تبنٍّ قومي للحل السلمي كأولوية. أما النظام، فقد واصل في اتهام هذه المجهودات الحثيثة، وتم اعتقال كل من الدكتور أمين مكي مدني رئيس مبادرة المجتمع المدني والأستاذ فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قيادة قوى الإجماع الوطني بعد عودتهما من أديس أبابا.
عودته من الخارج
أعلن الإمام أن مهامه بالخارج قد انتهت فقررت أجهزة حزب الأمة عودته للبلاد التي كانت متزامنة مع تاريخ مجيد هو تاريخ تحرير الخرطوم على يدي قوات المهدية في 26 يناير 1885م، فعاد في 26 يناير 2017م، وكان مهرجان عودته استفتاء شعبياً ضخماً يرد على المكابرين في النظام بشعبيته وقبول الجماهير لدعوته للحل السياسي باستحقاقاته أو الانتفاضة الشعبية.
مجهودات دؤوبة
وواصل المهدي اتصالاته ومجهوداته الدؤوبة لتحقيق شمول السلام وتأكيد التحول الديمقراطي في السودان والتي يطرح عبرها مشروع التأصيل الإسلامي المستنير. وهو يواصل العمل للتعبئة الشعبية والحوار مع النظام والقوى السياسية الأخرى، والبناء الحزبي، والاتصالات الدبلوماسية لخدمة القضية السودانية والقضية الإسلامية عبر الكتابات والاجتماعات واللقاءات الداخلية والرحلات الخارجية.
نداء السودان
وفي مارس 2018م غادر المهدي إلى العاصمة الفرنسية باريس لحضور اجتماع قوى نداء السودان الذي تم فيه اختياره رئيساً للمجلس، وبقية أعضاء المجلس من قادة المكونات الأخرى نواباً له، كما تم في ذات الاجتماع اعتماد إعلان دستوري يوجه ويحكم عمل نداء السودان بوصفه تحالفاً مدنياً سلمياً يرتكز على استخدام وسائل المقاومة السلمية الجماهيرية لتحقيق التغيير المنشود، ومن ثم اعتماد هيكل يتكون من المجلس الرئاسي الذي يضم رؤساء المكونات المختلفة، للنداء والتي تحددت بأن تكون مهمته الإشراف والتخطيط وإدارة عمل النداء وتمثيله في المحافل المختلفة.