إنهاء العداء مع تل أبيب.. الكُل شُركاء!!
الخرطوم- مريم أبشر
منذ الإعلان عن طي صفحة الخلاف بين الخرطوم وتل أبيب في أكتوبر الماضي عبر الاجتماع الرباعي الإسفيري، الذي ضم رئيس المجلس السيادي ورئيس الوزراء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتنسيق وترتيب من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب, ظلّ ملف العلاقات مع تل أبيب يُشكِّل أحد الملفات المثيرة للجدل حتى وسط الحكومة الانتقالية في شقيها العسكري والتنفيذي، وظلّ التجاذُب مُستمرّاً حتى بعد وصول الوفد الإسرائيلي الأسبوع المنصرم.
في الوقت الذي زار الوفد الخرطوم لساعاتٍ وأجرى مُباحثاته وغادر، نفى الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة علمه بالزيارة ومهمتها والجهة التي ستستقبله، غير أن الأستاذ محمد الفكي عضو المجلس السيادي والناطق باسمه وضع النقاط فوق الحروف عندما أكد لـ”اليوم التالي” أن الوفد الإسرائيلي ابتدر زيارته بالطواف على منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة، وأنه التقى بعددٍ من القيادات العسكرية، الأمر الذي يوضح أن طابع الزيارة عسكري أمني فقط.
ومضى رئيس المجلس السيادي في رفع الستار عن مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل وموقف أطراف الحكومة الانتقالية منها في ظل التضارُب الذي شاب مسار الملف في الفترة الماضية بتأكيده على أنّ أجهزة الحكم الانتقالي والتي تشمل حالياً المجلس السيادي ومجلس الوزراء، شركاء في إنهاء العداء مع اسرائيل إلى حين تشكيل المجلس التشريعي للبت في الأمر بشكل نهائي باعتباره المخول بالتوقيع على الاتفاقات الدولية، وكشف في حديثه لـ”الشروق المصرية” عن تشاوُرات موسعة أجرتها الحكومة مع القوى السياسية، حيث ابدت عدم ممانعتها في إنهاء العداء مع اسرائيل وإقامة مصالح معها، وتساءل عن الاستفادة التي حصل عليها السودان جرّاء حقبة العداء.
ومعلومٌ أن حكومة الثورة أكدت منذ بداية قيام هياكلها الحاكمة، أنّ كل العلاقات الخارجية سيتم تقييمها استناداً على مصالح السودان أولاً وأخيراً، وأنها ليست لديها ممانعة في إقامة علاقات مع أي جهة إذا ثبت أنها ستكون في مصلحة السودان وشعبه .
ملفات أجهزة عسكرية
تمضي خطوات التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب نحو المرحلة التي اعتزم الطرفان الوصول إليها، وليس هنالك فيما يلي السودان من مُشكلات كبيرة تعترض هذه الخطوة، طالما أنّ القائمين عليها يرون أن من ورائها مصلحة للسودان وشعبه.
وفي تقدير السفير والخبير في العلاقات بين الدول، الرشيد أبو شامة، أنه لن تحدث أي مشكلات تعترض المسير ما دام ان الحكومة وافقت على إنهاء حالة العداء مع دولة إسرائيل العضو في الأمم المتحدة، وأنها ترغب عبر هذه العلاقات الاستفادة من التقنيات الفنية والعلم التسرائيلي، ويعتقد أن زيارة الوفد الإسرائيلي الأسبوع المنصرم تخص الجيش، وليس من المستغرب ان يكون الناطق باسم الحكومة لا يعلم بها، لجهة أن الزيارة عسكرية وليست سياسية وربما قصد منها بداية علاقات جديدة مع الجيش السوداني، وبالإضافة لذلك فإن إعادة العلاقات مع إسرائيل لم تطرح على مجلس الوزراء، وقرأ حديث رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان بأن هياكل الحكومة الانتقالية الحالية (السيادي والوزراء) على توافُق لضرورة إنهاء العداء مع اسرائيل ربما قصد منه وضع رئيس المجلس الدكتور حمدوك في الصورة حيال كل التحركات وإن كانت شفاهية.
خطأ استراتيجي
حالة الرضاء والتماهي من قِبل مُعظم فرقاء الحكومة الانتقالية خاصّةً الشق العسكري منها والبحث عن مصالح شعب السودان عبر إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، يُقابله حالة من الرفض أيضاً من بعض مكونات الشعب السوداني المُساند للقضية الفلسطينية التي يراها قضية عادلة، وأن الوقوف معها إنسانياً ودينياً واجبٌ.
في هذا الصدد، فقد اعتبر البروفيسور عبده مختار المحلل السياسي، أن إقامة علاقات مع إسرائيل من قبل الحكومة الانتقالية خطأ استراتيجي، لجهة أن آثار مثل هذا الملف ينطوي على عدم تقدير سياسي باعتبار أنّ الوضع الراهن لا يستوجب إثارة موضوعات جدلية غير متفق عليها والبلاد أحوج ما تكون للتماسُك والتعاضُد، خاصة وأن الفترة هشّة وأنّ العبور بها يتطلب عدم طرح قضايا بالإضافة، لذلك فإن الحكومة الانتقالية كما يرى البروف عبده مختار غير شرعية لمناقشة هكذا ملفات، ولفت لتجارب دول سابقة سعت لإقامة علاقات مع إسرائيل ولم تجنِ شيئاً كدولة مورتانيا، فضلاً عن معارضة الشعب الموريتاني للخطوة ولذلك قرّرت وقف التطبيع.
طرف واحد
وعكس ما اعتبرته الحكومة أنّ إقرار إنهاء العداء مع تل أبيب الهدف منه مصلحة السودان، يرى البروف أنّ إسرائيل هي من تستفيد من إقامة علاقات مع السودان بفتحها للأجواء، أضف إلى ذلك فهي تحتاح للسودان ووقعه الاستراتيحي في منطقة نفوذها بالشرق الأوسط التي تسيطر عليها، والسودان معبر مائي مُهمٌ على البحر، وبالتطبيع مع السودان تكون إسرائيل زادت من عدد الدول المُطبّعة معها في المنطقة.
موقف إنساني وديني
معلومٌ أن السودان ظلّ يُساند القضية الفلسطينية منذ عشرات العقود ووضع العداء بشكلٍ واضحٍ، رفضه التعامل معها رسمياً وشعبياً بختمه على جواز السفر السودان (كل الدول عدا إسرائيل)، ولكنه لم يجن شيئاً نتيجة ذلك، بل تعرّض لضربات عسكرية إسرائيلية استهدفت مشروعات استراتيجية وحيوية نتيجة هذه المواقف، فى وقت تقيم فيه دول كثيرة عربية وإسلامية، علاقات علنية وسرية مع إسرائيل، ويرى مراقبون أن إقامة علاقات مع إسرائيل يمكن أن يخدم القضية الفلسطينية أكثر من حالة العداء والمقاطعة، خاصة وأن السودان يمضي نحو إنهاء حالة العداء مع إسرائيل مع تأكيد الحل العادل للقضية الفلسطينية عبر إقرار إقامة دولتين، بجانب ذلك فإنّ السودان ينظر للقضية الفلسطينية كقضية إنسانية ودينية ويسعى بجانب البحث عن مصالح السودان في تثبيت الحق الفلسطيني في إقامة دولته المُستقلة.