محمد محمد خير يكتب : يسميك أهلي سيدهم اسميك وحدك بالسيدين (2)
كُنت أظن فيما مضى أنّ مَحَبّة الصادق المهدي بتلك النكهة الحارقة والانجذاب المنفلت تقتصر عليّ ولا تصيب سواي إلى أن سافرت معه لكردفان عام 87 مندوباً من التلفزيون لتغطية زيارته للإقليم، خلال ولاية الخال الأحب عبد الرسول النور، الذي اكتشفت في تلك الزيارة أنه يتجاوزني بأميال، فإذا كنت المحب فهو الصريع. فاضت الأبيض وهطل الناس من السماء ونبعوا من الأرض. كان لا شيء سوى الناس والهامات والأصوات والهدير و(الله أكبر ولله الحمد).
كان عبد الرسول جوار الإمام في عربة مكشوفة بجلباب أصفر وشال يتدلّى على أحرف اسم الجلالة، وكُنت أبصر بوضوحٍ الشامة السوداء في خدِّه الأيمن تزداد حجماً إنه الـDopamine هرمون السعادة وهو هرمون لا ينشط إلا في حالات الفرح النادرة!!!
كانت الأبيض كلها في قارعة الطريق والموكب يزحف بالخُطى البطيئة حتى منزل الحاكم وحين نزلنا (الناس انكبسوا في سيدي كبسة الضبان في العضم)!!!
ولوّنت الشمس إرسالها بالشفق المخملي.
كانت الزيارة لثلاثة أيامٍ، طُفنا خلالها بكل مُدن كردفان وفي كل تلك المُدن لم أر سوى الناس والجباه والمحبة التي تمتد ساهمة وغزيرة.
في المجلد، قدم عبد الرسول، الصادق المهدي بذات صوته العذوب وحين انتصف في طريق التقديم، هَبّ والده مزهواً بابنه وصاح من بين الصفوف بعد أن ضرب الوراي (النور ولض إسماعيل مرفعين وجاب لي دود).
كان يقصد أنه ذئب أنجب أسداً. واستلم سيدي المايك. وأنا (جرة دمعي بالمايق)!!
في المجلد سمعت هتافات لم أسمعها من قبل، فعادةً ما تكون الهتافات مطلبية مثلما سمعتها في النهود (مطلبنا طريق يا ابن الصديق)، لكن ما سمعته في المجلد من هتافات رسخ لي مفهوم الواحدية في التاريخ وحالة الفرد بصيغة الجمع مثل هتاف (البدورك في النعيم والباباك في الجحيم). المسيرية أهل فروسية ونبوغ وفصاحة، وفي تلك الليلة سمعت أشعاراً من الهدايين في مديح الإمام مثلما لم يسمع سيف الدولة من (ايهم فإنهم كثر)، وتدفّق المسيرية من المزاغنة والفلايتة والحمر وأولاد عمران وتهدّلت الأشعار في وصف ولض المهدي (كلنق الأحدب الاييدو فوق الدلال وعينو فايتة الريش).
رحمك الله يا سيدي فأنا في هذي الساعة أكتب وبرد الصقيع يلسعني والحُزن يمتد من فروة رأسي حتى أقواس الأظافر، وأحس بأنّني في الطريق إليك وقلبي يلقط النبض المُجفف كالحمامة!!!
نواصل بإذن الله