قبة الإمام المهدي من المعالم البارزة والتاريخية لأم درمان، بل وللسودان لارتباطها بنضالات وتاريخ رجال ساهموا في تحرير الخرطوم وناضلوا ضد العدو، وتعد القبة قبلة الزوار والسياح الأجانب لما تحمله وتحويه من إرث تاريخي وإنساني عظيم، ومع ذلك فقد احتفظت القبة بدورها الأساسي بأنها مدفن للموتى من آل المهدي المقربين من أسرته وعائلته على مر الزمان، ومع وفاة الإمام الصادق المهدي من المتوقع أن يدفن داخل القبة مع عشيرته الأقربين من الذين سبقوه، وعلى هذا النهج تستمد القبة مكانتها عند الأنصار.
بروفايل ..النذير دفع الله
فكرة وتاريخ
يعود تاريخ المبنى إلى عام 1885 م، عندما أمر الخليفة عبد الله التعايشي ببناء ضريح يدفن فيه رفات المهدي الذي توفي في تلك السنة نفسها، وفي المكان الذي اتخذه المهدي مقاماً له بعد انتصار قواته على جيوش التركية السابقة واستيلائها على الخرطوم مقر الحكم. وتذهب بعض المصادر إلى أن محمد أحمد المهدي خرج من الخرطوم بعد تحريرها عام 1885مع عدد من أصحابه وأنصاره على ظهر ناقة وتركها تسير وحدها دون أن يوجهها إلى وجهة محددة أسوة بما فعل النبي محمد (ص) في المدينة المنورة حتى توقفت الناقة في المكان الذي تقوم عليه القبة في أم درمان، فبنى المهدي هناك حجرة صغيرة لسكنه وتعبده وسماها البقعة المباركة، وهو الاسم الذي أُطلق على أم درمان إبان عهد المهدية لتكون عاصمة لها. وبعد وفاته تم دفنه في الحجرة وقرر خليفته التعايشي تحويل الحجرة إلى ضريح ضخم ومزار يؤمه أتباع المهدي ومريدوه.
قصف القبة
وبعد نجاح حملة استرداد حكم السودان بقوات إنجليزية ومصرية بعد إيقاع الهزيمة بقوات المهدية في معركة كرري سنة 1899 قامت بوارج قوات الاحتلال البريطاني بقيادة اللورد هربرت كتشنر بقصف المبنى، لكن دون أن تتمكن من تدميره بالكامل، وذلك بهدف قتل الروح المعنوية لمن تبقى من ثوار المهدية وبثّ الإحباط في صفوف مناصريهم باعتبار أن القبة كانت تشكل لهم رمزاً دينياً ووطنياً. وقد أعاد بناءها عبد الرحمن المهدي، الابن الأصغر لمحمد أحمد المهدي ومؤسس حزب الأمة قبيل استقلال السودان في عام 1956م، بقليل.
المدفونون بالقبة
تعتبر القبة مدفناً أو قبراً للإمام محمد أحمد المهدي وعدد من أبنائه وحفدته من الداخل وبعض من أتباعه وأوضح مصدر مقرب من الأسرة أن القبة من داخل الضريح هي مدفن لأسرة المهدي وعائلته فقط أما خارج الضريح فهو مدفن للمقربين، حيث حدثت خلافات في السابق حول من أحق بالدفن داخل الضريح أو داخل حرم القبة، ومن المتوقع أن يدفن الصادق المهدي داخل القبة، وكشف المصدر أن آخر دفن حدث داخل الضريح هو نقل رفات الهادي المهدي.
موقع القبة
تقع قبة المهدي في وسط مدينة أم درمان، بالقرب من متحف بيت الخليفة وجامع الخليفة على مسافة حوالي كيلومتر واحد (0,62 ميل) من الضفة الغربية لمجرى نهر النيل الأبيض بعد التقائه في المقرن بالنيل الأزرق.
النمط والتصميم
تم بناء الضريح على شكل قبة مخروطية كبيرة تقوم على بناء يتكون من غرفة واحدة وذلك على نمط معمار أضرحة السودان والتي تُعرف بقُبَب الأولياء (المفرد قُبَّة) وهي التسمية نفسها التي حملها ضريح المهدي. ووفقاً لبعض الكتّاب الغربيين فإن بناء القبة يمثل النمط المعماري الذي كان سائداً في الفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع لمسات من العمارة الأفريقية التقليدية.
المصممون
صمم المبنى وأشرف عليه مهندسون كانوا يعملون سابقًا في الحكومة المصرية وبمساعدة بنائين وعمال من الأنصار ومن سكان أحياء مدينة أم درمان.
أقسام القبة
يتكون مبنى القبة من قاعدة مربعة أضلاعه أربعة أمتار وارتفاعه ستة أمتار، في شكل غرفة لها أربعة أبواب، و12 نافذة دائرية، ثلاث على كل جدار من جدرانها الأربعة، وتعلو القاعدة المربعة بناء سداسي الشكل تقوم فوقه قبة مخروطية كبيرة ترتفع لسبعة أمتار وعلى رأسها رأس رمح معدني وحسب رواية القس الإيطالي روزيقونولي الذي أسرته المهدية فقد كانت الفكرة أن يعلو القبة هلال كما هو معهود في مآذن المساجد بالسودان، لكن سرعان ما تم التخلي عن الفكرة واستبدال الهلال برأس رمح لأن الهلال كان رمز دولة التركية، وشيدت على كل جانب من أركان قاعدة المبنى وحول القبة الكبيرة أربع قباب صغيرة تقوم كل واحدة منها على أربع أعمدة ووضع في أعلى كل منها رمح معدني (وربما كانت الفكرة حسب رأي روزيقونولي هو استخدامها فيما بعد لقبور خلفاء المهدي الأربعة الخليفة عبد الله نفسه والخليفة علي ود حلو والخليفة محمد شريف والسنوسي. وقد تم استبدال ذلك بعمود معدني قصير عليه أربع كُرّيات وينتهي بهلال وسطه رأس رمح وهو الرمز الحالي للمهدية والمؤسسات المرتبطة بها.
لون القبة
لون القبة من الخارج هو اللون الفضي اللامع وتحيط بجسم القبة دائرتان معدنيتان السفلى منها كبيرة والأخرى العليا صغيرة وذلك لتحرك سلم تنظيف القبة وترميمها. يوجد في داخل الغرفة صندوق خشبي كبير بني اللون يضم رفات المهدي ويحتل معظم مساحة الغرفة مزدان بآيات قرآنية ومصابيح تقليدية بيضاء اللون خضراء الإضاءة وحول الصندوق سياج حاجز من الخشب لمنع الزوار من الالتصاق بالصندوق. تقوم القبة وسط فناء ضيق ويضم أيضاً في الواجهة بعض المباني الإدارية وبوابة خشبية تم تغييرها بأخرى حديدية في النسخة الثانية.