الخرطوم: جمعة عبد الله
تترقب قطاعات اقتصادية ومواطنون، تزايد صعوبة الحصول على الوقود في أعقاب توقف مصفاة الجيلي للصيانة الدورية التي تستمر نحو شهر، ويعني توقف المصفاة المزيد من الشح رغم محاولة وزارة الطاقة والتعدين على لسان وكيل النفط لبث التطمينات بوضع الترتيبات اللازمة لسد العجز في المواد البترولية الناجم عن توقف المصفاة جزئياً بغرض الصيانة.
وأكد الوكيل أن كافة الاحتياطيات وضعت لتغطية الحاجة من المواد البترولية وأهمها استمرار الإمداد عبر الاستيراد بالسعر الحر للوقود، مشيرا لشروعهم فى الإجراءات الخاصة باستيراد 3 بواخر من الغاز تم تفريغ إحداها إلى جانب استيراد باخرة بنزين قيد الإجراءات حاليا”، وأعلن عن بواخر أخرى من الجازولين يتوقع وصولها خلال الأيام المقبلة، وأشار إلى أن هذه البواخر ستسهم في سد العجز جراء توقف المصفاة جزئياً للصيانة، وأوضح أن مصفاة الخرطوم تشمل مصفاتين القديمة ستجرى فيها عمليات الصيانة فيما تستمر الأخرى في الإمداد إضافة إلى استمرار عمليات الاستيراد للوقود لتغطية الفجوة.
تحرير الوقود
ويقلل المحلل الاقتصادي، قاسم صديق، من قدرة الحكومة على سد الفجوة، موضحاً أن الوقود بات محرراً تماماً ويخضع لاستيراد القطاع الخاص، وبالتالي – حسب رأيه- ليس من المنطقي أن تشهد البلاد نقصاً في المشتقات البترولية، وتوقع تزايد الأزمة أكثر من ذي قبل أو بقاءها على حالها في احسن الأحوال.
تكاليف إضافية
ويرى عضو لجنة التسيير بغرفة النقل والمواصلات بولاية الخرطوم، حامد إبراهيم، أن تعويض حصة المصفاة عبر الاستيراد، أمر من الصعوبة بمكان، لافتًا الى أنه مرهون بتوفر المال. وقال حامد لـ “الصيحة” إن معدلات استهلاك الوقود تتزايد عاماً بعد آخر، كما تتزايد بنفس القدر فاتورة الاستيراد لأن العملة المحلية غير ثابتة وتتراجع سنوياً ما يضاعف تكلفة سد الفجوة خاصة مع الظروف الضاغطة التي تمر بها البلاد، كما أشار إلى وجود صعوبة في تطبيق ضوابط التزود بالوقود الجديدة حتى بعد التحرير الذي قال إنه لم يؤدّ لوقف التهريب، ولا لإحداث وفرة في الوقود بسبب عجز الحكومة نفسها عن تأمين الاعتمادات المالية اللازمة للاستيراد وبطء إجراءات الشراء والتفريغ والترحيل التي قال إنها في الغالب تستغرق وقتاً ليس بالقصير حتي تصل لمحطات الخدمة وتوزيعها للمستهلكين.
نفط الجنوب
وبحسب مختصين، تتمثل أبرز أسباب عدم معالجة الأزمة لتراجع إنتاج السودان النفطي إثر انفصال جنوب السودان عام 2011، من 450 ألف برميل إلى ما دون 70 ألف برميل، ما جعل الحكومة تلجأ إلى استيراد أكثر من 50% من المواد البترولية، لتلبية الاستهلاك المحلي، كما أدى ذلك لتعرض السودان لأزمة مالية مع تراجع إيراداته من أحد أهم مصادر تمويل الموازنة وهو النفط، وحتى العام الماضي كانت الحكومة تشتري 28 ألف برميل يوميًا من نفط الجنوب الذي يمر عبر أراضيها، تدفع مقابلها نقداً، وفق مصادر “الصيحة”، فيما تحوز على عائدات أخرى بعضها نقداً وبعضها مشتقات نفطية عبارة عن رسوم عبور لصادر النفط الجنوبي.
أثر السياسات
وطوال العامين الأخيرين شكلت معضلة نقص الوقود ملمحاً أساسياً من ملامح الأزمات الاقتصادية التي أعجزت القائمين على الأمر عن معالجتها جذرياً، وما أن تخبو قليلًا حتى تعاود الظهور، ورغم تطبيق قرار تحرير أسعار المحروقات وإعلان ضوابط وسياسات جديدة ما تزال صفوف الوقود على حالها دون معالجة جذرية، ويشكل النقد الأجنبي اللازم للاستيراد أكبر العقبات في طريق الحل، وما زالت صفوف السيارات أمام محطات الخدمة هي العنوان الأبرز، وحتى بعد إعلان الوزارة إنفراجاً نسبيًا في موقف الإمداد، إلا إن الأزمة ما زالت مستفحلة كما في السابق.
السوق الأسود
وأدى تزامن توقف المصفاة مع استمرار الأزمة المستفحلة في الوقود لزيادة تخوفات سائقي مركبات النقل العام وسيارات الأجرة من صعوبة ومعاناة الحصول على الوقود وأجمعوا في حديثهم لـ “الصيحة” على أن التزود بالوقود حتى خلال فترة عمل المصفاة كان “مهمة صعبة” وعابوا علي الحكومة ترك الأمر للتجار، وقالوا إن القرارات أصبحت غير مدروسة وساد الهرج والمرج القطاع وكل ذلك أمام مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية، مشيرين إلى اضطرار البعض للبقاء ساعات طويلة حتى يتزود بالوقود، كما عمقت الأزمة من صعوبة المواصلات، بتوقف بعض المركبات في محطات الخدمة. وقال صاحب مركبة عامة لـ(الصيحة) إن الأزمة تتجدد في أوقات متقاربة وخلالها يظل في انتظار دوره للحصول على وقود لما يقارب 10 ساعات وفي بعض الأحيان لا يحصل على حصته لنفاد الوقود من المحطة مما يضطره للجوء إلى السوق الأسود للشراء بسعر مضاعف.
ولا تقتصر أزمة نقص الوقود على العاصمة، حيث تتزايد الشكاوى بالولايات من أزمة الوقود، حيث كشف مواطنون بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، عن تمدد ظاهرة تهريب الوقود وبيعه خارج محطات الخدمة، مشيرين لعدم جدوى نظام الكروت القائم حالياً في الولاية، ووصفوه بأنه “امتداد للجبايات في عهد النظام السابق”، وذات المشكلة ماثلة بكل الولايات، حيث يعتبر بيع الوقود تجارة مربحة بعضها يستخدم في الترحيل والنقل والبعض الآخر يهرب لدول الجوار.