عبد الفتاح عرمان يكتب: مجلس شركاء الفترة الانتقالية.. حاضنة سياسية جديدة أم نبيذٌ قديمٌ في قنانٍ جديدة؟! (3 – 3)
في هذا الجزء من سلسلة المقالات التي ابتدرتها حول مجلس شركاء الفترة الانتقالية، سأحاول الإجابة بصورة مباشرة على السؤال الذي وضعته عنواناً لهذه المقالات، وعما إذا كان هذا الجسم سيمثل حلاً أمثل لضبط إيقاع مؤسسات الفترة الانتقالية وهل سيحقق الهدف المُعلن له أم يذهب مع الرياح مثل أجسام أخرى كُوِّنت من قبل وطواها جدار النسيان، وبذل بعض المقترحات المتواضعة حول تكوينه والمرجو منه في ظل هذه الأوضاع المضطربة التي تعيشها بلادنا.
قبل الإجابة على السؤال محور هذا المقال، أود الرد على مخاوف أحد الأصدقاء الذي أرسل لي رسالة، يؤكد فيها أن دور مجلس شركاء الفترة الانتقالية هو التفاف على تشكيل المجلس التشريعي وتمكين للمكون العسكري بمجلس الشركاء، مدللاً على ذلك أن قرارات المجلس ستتم عبر آلية التصويت عليها داخل المجلس- على حد قوله. أمر التصويت ورد في الفقرة 9 من لائحة المجلس إذ تقرأ: “يصدر المجلس قراراته بالتوافق أو بأصوات ثلاثة أرباع الحضور في اجتماع قانوني، ولكن قبل ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن هناك خلطاً واضحاً ما بين مجلس شركاء الفترة الانتقالية ومهامه واختصاصاته ودور المجلس التشريعي، إذ لا بد لرابط بينهما. مجلس شركاء الفترة الانتقالية هو جسم غير تنفيذي أو تشريعي ولا يحل مكان المجلس التشريعي الذي يمثل الجهة التشريعية والرقابية على أداء الحكومة. وأشرنا في مقال البارحة إلى الفصل الأول من لائحة المجلس فصلت مهامه وأن اختصاصه هو: “تنسيق الرؤى والمواقف بين أطراف الوثيقة الدستورية والسلطة الانتقالية وحل التبايُنات التي تطرأ بينهما، والتوافق على السياسات الوطنية العليا ومُتابعة القضايا الاستراتيجية، وضمان نجاح الفترة الانتقالية وتنفيذ الوثيقة الدستورية واتفاق السلام”- بنص المادة 10 من اللائحة المعنية. هذا النص واضح ولا لَبس فيه لدور المجلس المعني، أي أنه ليس جسماً تشريعياً أو تنفيذياً وإنما جسمٌ يجمع شركاء الفترة الانتقالية تحت مظلة واحدة لوضع السياسات والمُوجِّهات العامّة للجهاز التنفيذي لتنفيذها ومراقبة الأداء، وحل أي خلافات حتى تنجم بين أطراف الفترة الانتقالية بعيداً على وسائل الإعلام.
نصت اللائحة أن القرارات تُتخذ بالتوافُق، وفي حالة تعذّر ذلك تتم المصادقة على القرارات بثلاثة أرباع الحضور. على سبيل المثال، إذا تباينت الآراء حول قضية مُحدّدة وتعذّر التوافق حولها، للخروج من هذا المأزق سيتطلب الأمر التصويت، وإذا وافق ثلاثة أرباع الحضور ستتم إجازة القرار أو السياسة المعنية. ولكن هذا المجلس تمكّن أهميته في أن لا تكون الحكومة مثل (البوفيه) كل واحد يأكل منه ما لذ وطاب ويذهب لحال سبيله، لا بد من وجود جسم للتوافق حول السياسات الخارجية والاقتصادية وغيرهما، ووضع برامج للجهاز التنفيذي حتى يتسنى لشركاء الفترة الانتقالية محاسبة الجهاز التنفيذي في حالة حدوث تقصير وإجراء المعالجات اللازمة. والأهم من ذلك كله، المكون العسكري ليست لديه أغلبية في هذا المجلس، إذ تم الاتفاق على تمثيله بـ(5) أعضاء، وقوى الحرية بـ(12) شخصاً، والجبهة الثورية بـ(5)، بالإضافة إلى رئيس الوزراء ووزيرين يختارهما مجلس الوزراء ليصبحا ضمن عُضوية المجلس. هناك من يفتش في نوايا الآخرين عبر الزعم أنّ الجبهة الثورية – بشقّيها – ستتحالف مع العسكريين في مجلس السيادة، ودعونا نذهب مع هذا الزعم إلى نهاية الشوط، سيكون عددهم الكلي – المكون العسكري في مجلس السيادة والجبهة الثورية – 10 أعضاء، أي لا يُشكِّلون نصف عضوية مجلس شركاء الفترة الانتقالية، دعك عن الحصول على ثلاثة أرباع عضوية المجلس لتمرير قرار مُختلف عليه. والأهم من ذلك كله، لا يستطيع مكون واحد سوى المكون العسكري في مجلس السيادة أو المكونات المدنية الانفراد بالسلطة في وجود وعي كبير بالحقوق، ووجود لجان المقاومة، والمزاج العام لن يقبل بأية سلطة عسكرية بعد تجربة الديكتاتور البشير وزُمرته الذين قسّموا البلاد والعباد ونهبوا ثرواتها باسم الله. فلا مخرج لبلادنا سوى بالتوافق على مشروع وطني يضم كل شركاء التغيير من المكون العسكري، قوى الحرية والتغيير، لجان المُقاومة، وحركات الكفاح المسلح، والنساء والشباب الذين مثلوا حجر الزاوية في ثورة ديسمبر المجيدة.
مجلس شركاء الفترة الانتقالية يمثل حاضنة سياسية جديدة قديمة، أي أنها تضم الحاضنة القديمة – قِوى الحُرية والتّغيير – وشركاء جدداً هم الجبهة الثورية – بشقيها – والحكومة بشقيها السيادي والتنفيذي، فهي حَاضنة توسع من قاعدة المُشاركة من القوى التي ساهمت في التغيير.
هنالك بعض الاقتراحات بضم رؤساء الأحزاب ولجان المُقاومة إلى مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وواضح أن هنالك خلطاً ما بين مجلس شركاء الفترة الانتقالية والمجلس التشريعي، لأنّ الأول يجب أن يكون مجلساً مُصغّراً لتنسيق المواقف بين شركاء الفترة الانتقالية وليس شركة مساهمة عامة. على سبيل المثال، كان يجب اقتصار عُضوية المجلس بعضو/ة ممثلاً لكل كتلة من كُتل قوى الثورة حتى لا يترهّل هذا المجلس ويفقد فاعليته، لا سيما أن الغرض منه ليس تمثيل كل حزب أو حركة على حدة، وإنما تمثيل كتل تعبر عن تنوع السودان وقوى الثورة. ولا بأس من تمثيل لجان المقاومة بشحص واحد مع صعوبة عملية اختيار الشخص المعني.
يجب على مجلس شركاء الفترة الانتقالية التوافق حول السياسة الخارجية وإنهاء حالة الارتباك السائدة في المشهد الآن ما بين المكون العسكري في المجلس السيادي والجهاز التنفيذي، التي كان آخرها زيارة الوفد الإسرائيلي لبلادنا يوم أمس الأول، والتي نفى مجلس الوزراء علمه بها، بالإضافة إلى معضلة أخرى، هي موقف السودان من سد النهضة وغيرها من القضايا الحسّاسة. والأهم من ذلك كله، الشارع الآن قابلٌ للانفجار في أي وقت مما يتطلّب التوافق على سياسة اقتصادية عاجلة لتحسين الضائقة المعيشية التي أوشكت على أن تكون مجاعة، وهي في الأصل أزمة سياسية ويجب أن يكون المدخل لمعالجتها سياسياً في المقام الأول، بالإضافة إلى ذلك، لا بد من التوافق على سياسة فورية للقضاء على التمكين الاقتصادي، والإعلامي، وفي وظائف الخدمة المدنية حتى يتسنى لحكومة الفترة الانتقالية امتلاك زمام المبادرة. ومحاكمة رموز النظام البائد الذي ولغوا في دماء بنات وأبناء شعبنا، فالعدالة والقصاص لدماء الشهداء لا يُحتمل التأجيل.