السودان وسد النهضة.. إشارة حمراء بأمر المصالح
الخرطوم: مريم أبشر
في موقف وصف بالقوي والأول من نوعه أعلن السودان رفضه الدخول في جولة تفاوض جديدة بشأن ملف سد النهضة بذات المنهج والطرق القديمة وطالب بالعودة مجدداً للاتحاد الأفريقي واعتماد تقارير الخبراء والفنيين بجانب إعطاء دفعة سياسية للمفاوضات . وقال البروفيسور ياسر عباس، وزير الري فى حديث له عقب انتهاء الجولة الأخيرة للمفاوضات أن السودان متمسك بالمفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي وفق منهجية جديدة لحل أزمة سد النهضة، وجاء الموقف السوداني الرافض للأطر القديمة للتفاوض، والتي لم تحرز التقدم المطلوب، في وقت تصر فيه (مصر وإثيوبيا) على مواصلة التفاوض بشأن سد النهضة بالأساليب القديمة التي وصلت لطريق مسدود. وكشف وزير الري عن أن السودان لديه موقف مختلف عن إثيوبيا ومصر، وقال إننا متمسكون بوساطة الاتحاد الأفريقي في مفاوضات سد النهضة شريطة تغيير المنهجية.
واعتبر مراقبون أن موقف السودان الجديد المختلف تماماً هذه المرة يعد نقطة تحول جديدة خاصة وأن الموقف السوداني ظل دائماً يتبع منهجاً وسطاً, بل إن الكثيرين كان يعتبره وسيطًا خاصة إذا تم الأخذ في الاعتبار حالات الشد والجذب التي تحدث دائماً بين أديس والقاهرة.
رؤية الخرطوم:
وطرحت الخرطوم رؤية جديدة خلال الاجتماع الثلاثي الأخير طالبت فيه بأهمية التخلص عن الطريقة السابقة القديمة ووصفتها بغير المنتجة في التفاوض وتغييرها بمناهج أخرى أكثر فعالية وذلك عبر منح خبراء الاتحاد الأفريقي دوراً أكبر في تسهيل التوصل لتجسير الهوة بين الأطراف الثلاثة وتقريب وجهات النظر بينها . واقترح فريق التفاوض السوداني “المضي بالتفاوض للأمام وفق جدول زمني محدد وقائمة واضحة بالمخرجات التي سترفع لمجلس مفوضية مجلس الاتحاد الأفريقي وأعلن الموقف الجديد في وقت أعلنت فيه أثيوبيا مؤخرًا أنها أكملت بناء 76.3% من سد النهضة، رغم أن المفاوضات الثلاثية حوله لم تصل إلى اتفاق يضمن مصالح كافة الأطراف بشأن عملية الملء والتشغيل وهو أمر يعزز مخاوف البلدين خشية تأثير حصصهما من مياه النيل.
اجتماع طارئ
على خلفية انسحاب السودان من المفاوضات، سارعت اللجنة العليا لمفاوضات سد النهضة بعقد اجتماع طارئ بمجلس الوزراء برئاسة رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك وبمشاركة وزراء العدل والخارجية والداخلية والري ومدير جهاز المخابرات العامة وممثل الاستخبارات العسكرية وفريق التفاوض. وأمّن الاجتماع على المواقف التي اتخذها فريق التفاوض وتقييم الوفد لسير المفاوضات، ووقف الاجتماع على التطورات التي يشهدها الإقليم وتأثيرها على التفاوض. وأكد الاجتماع على ضرورة الحفاظ على المصالح الوطنية السودانية واستمرار التواصل مع كل الأطراف لتعديل مسار ومنهج التفاوض بمنح الخبراء والمراقبين دوراً أكبر وأوضح لمساعدة الأطراف الثلاثة على التوصل لاتفاق قانوني مُلزم ومقبول ويحفظ مصالح البلدان الثلاثة.
تهرب الشركاء:
مصدر ذو صلة بمسار مفاوضات سد النهضة أشار لـ(الصيحة) إلى أن موقف السودان لقناعته بأن كلا الشريكين مصر واثيوبيا لا يريدان التوصل لاتفاق ملزم بشأن سد النهضة وكل من الدولتين لديهما منطلقاته فى هذا الشأن واضاف المصدر أن أديس لا ترغب فى التوصل لاتفاق حتى لا تكون ملزمة بأشياء محددة وأنها ترغب في تطبيق النموذج التركي لسد اتاتورك الذي فرضته تركيا فرضاً وأن أديس تريد فرض مشروع سد النهضة على السودان ومصر وبالتالي عمل اتفاق جديد لتقسيم إيراد مياه النيل الارزق، لافتًا إلى أن السودان يقف بقوة ضد هذه الخطوة, أما فيما يلي الرفض المصري للتوصل لاتفاق, وذلك لحرصها على أن أي اتفاق يجب أن يكون لصالح مصر لإيمانهم القاطع بأن مصر هبة النيل , بالإضافة إلى ذلك فإن مواقف مصر التي تتخذها مسنودة بوعود دعم من الولايات المتحده والاتحاد الأوربي ويرى الخبير أن الوضع الحالي بالنسبة لها مريح جداً, لجهة أنها تستحوذ على نصيب السودان في مياه النيل، ولفت المصدر للتصريح الذي أصدره الرئيس الامريكي ترمب بأن مصر ربما تعمل على ضرب السد في إشارة لدعم واشنطن للمواقف المصرية، لافتاً إلى للورشة التى أقامتها بالتنسيق مع الاتحاد الأوربي وحملهم له للدخول طرفاً في مفاوضات السد.
جوهانسبيرج والحياد
ويرى خبير المياه أن الموقف الذي اتخذه السودان جاء انطلاقاً من إدراكه بأن جنوب أفريقيا لم تكن طرفاً محايداً في مفاوضات سد النهضة وتسعى للانحياز ودعم للجانب الأثيوبي أكثر من الأطراف الأخرى، ووصف الموقف الذي اتخذه وزير الري بالمنطقى والحقانى بتغيير منهج التفاوض، وأنه لابد أن يصل الأطراف وأشار إلى أن أثيوبيا وبدعم من جنوب إفريقيا خطت الخطوة الأولى بتنفيذ المرحلة الأولى من ملء السد دون التوصل لاتفاق مع الطرفين مصر والسودان، وأشار أنه كان من الضروري اتخاذ هذا الموقف المتعلق بتغيير المنهجية من أجل الوصول لاتفاق يحفظ حقوق السودان، لافتاً إلى أن السودان أكثر الدول الثلاث تضرراً, لجهة أن كل سدود ستكون تحت رحمة سد النهضة خاصة سد الروصيرص الذي يبعد أميالاً قليلة عن سد النهضة وذكر المصدر بما أشار إليه وزير الخزانة الأمريكى في احدى الجولات للجانب الأثيوبي بأنه كيف يتم قيام السد دون الاتفاق على تبادل المعلومات حول التشغيل . وتعثرت مفاوضات سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان في السابق، حيث طالبت مصر والسودان بأن يكون أي اتفاق ملزماً قانوناً، فيما يتعلق بآلية فض المنازعات المستقبلية وكيفية إدارة السد خلال فترات انخفاض هطول الأمطار أو الجفاف.
موقف سليم
خبير السدود المهندس أبوبكر محمد المصطفى، وصف الموقف الذي اتخذه السودان من مسار مفاوضات سد النهضة بالسليم، وأشار إلى أن التفاوض بأسلوبه القديم غير مفيد وليس فيه جديد وقال من المهم ما يتم التوصل حوله لاتفاق يجب أن يتم تجاوزه لما يليه وأنه من غير المجدى تمديد التفاوض كل مرة دون التوصل لاتفاق وشدد على أهمية دور خبراء الاتحاد الافريقي في تقريب وجهات النظر وتقديم المقترحات والحلول ويرى ذلك أهمية الدعم السياسي وتوفر الإرادة السياسية لأجل التوصل لاتفاق. واعتبر المهندس في حديثه لـ(الصيحة) انسحاب الوفد السوداني من التفاوض بالصائب لافتاً إلى أنه في التمترس حول الطريقة القديمة لن يكون هنالك جديد، ولفتت إلى أن السودان هو المتضرر الأول من عمليات الملء للسد لقربه من الحدود السودانية خاصة خزان الروصيرص خلافاً لطرفي التفاوض أثيوبيا ومصر اللتين لا تتأثران فضلاً عن قرب المرحلة الثانية للملء في شهري يونيو ويوليو، وأشار إلى أن السودان يتأثر سلبًا وإيجاباً وقال إن السودان حريص على اتفاق منصف يتحقق عبره الأمن المائي ويخفف من الآثار والمخاطر .
تقاطع مصالح
وقطع مصدر بأن كلاً من مصر وأثيوبيا غير حريصتين على التوصل لاتفاق ونبه المصدر إلى أن أثيوبيا التي تعيش توترًا أمنيًا ليس من مصلحتها التوصل لاتفاق يكون خصماً عليها بالداخل من الطرف الآخر رغم مساهمة كل الشعب الأثيوبي في بنائه فضلًا عن أطماعهم في أخذ نصيبهم من مياه النيل. مصر مستفيدة من الوضع الحالي ولن يقبلوا التفريط في الحقوق التي نالوها في اتفاقية مياه النيل غير العادلة ولم يخف المصدر أصابعها في إثارة الفتن بجانب مساعيها لنقل الملف للأمم المتحدة تارة والاتحاد الأوربي تارة أخرى.