تقرير- نجدة بشارة
ومِنَ المُفارقات، إنّ حسابات الترشيح للمُشاركة في حكومة المرحلة الانتقالية بنسختها الجديدة قد اختلفت كلياً عن الشروط والمقاييس المتعارف عليها في السابق.. مثل الكفاءة والخبرة وحتى الشروط غير المُعلنة كالمُحاصصات، وبات يلزم المرشح لمنصب بالسيادي أو زاري أن يرفق مستنداً أو على الأقل (شهادة خبرة) تُبيِّن سنوات العمل النضالي، أو تقديم شهود يشهدون عليه بأنه كان مُناضلاً للإنقاذ في فترة لا تقل عن عشر سنوات، كحد أدنى حتى يكون المرشح مُؤهّلاً ليحصل على مقعد بالحكومة.. وبالمُقابل تباينت ردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي بشأن هذه الاشتراطات وعن مدى أهميتها لبناء وتنمية الدولة.. وتساءلوا عن أيهما الأهم بالنسبة للمواطن ومعاشه في ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية المعقّدة هل الكفاءة والخبرة أم الخلفية النضالية؟ وهل هذا الشرط يتعلّق بالأفراد المرشحين أم يمتد ليشمل تنظيماتهم السياسية؟ واذا وضعنا في الاعتبار أنّ إعلان الحرية والتغيير الحاضنة الشرعية للحكومة قد ولدت للعلن بعد سقوط النظام المباد وهي تحمل في ذات الوقت أيديولوجيات مختلفة، بعضها ربما لم تقيد بسجلات النضال من قبل.. أضف الى ذلك، فإنّ بعض شركاء السلام من الجبهة الثورية والحركات المسلحة الذين سبق لهم مشاركة الحكومة السابقة ثم عادوا وخرجوا مُغاضبين ولم تبلغ فترة خروجهم العشر سنوات بعد.. مثل مالك عقار الحركة الشعبية قطاع الشمال، ومني أركو مناوي من حركة جيش تحرير السودان.. هل يمكن أن تخرجهم هذه الاشتراطات من قواعد المشاركة في المرحلة الانتقالية.. كل هذه الأسئلة وأخرى سنجيب عنها في هذا التقرير.
ما وراء الحدث
كشف مصدر موثوق، أنّ الحكومة شرعت في تكوين المجلس الأعلى لشركاء الفترة الانتقالية ويتكون من (21) عضواً. وبحسب المصدر، تم تحديد (10) أعضاء لتمثيل قوى إعلان الحرية والتغيير و(6) من أطراف العملية السلمية و(5) من المُكوِّن العسكري.
وفي السِّياق، كشف القيادي بـ(قِوى إعلان الحُرية والتّغيير)، عادل خلف الله بحسب ما ورد بـ”الصيحة”، عَن اشـــــتراطات وَضعتها الجِهَات المَعنية للمرشحين للمُشاركة في المرحلة الانتقالية، من بينها السيرة الذاتية والكفاءة، والخلفية النضالية وحدّدتها بالمُشاركة في العَمل النضالي بفترة لا تقل عن عشرة أعوام.
وسَبق وأن أشار د. عادل خلف الله في تصريحٍ سابقٍ إلى أنّ الحكومة المرتقبة تأتي في إطار المُمارسة في سُلطة تنفيذية تجاوزت العام، وبالتالي لا بُدّ أن تجئ مُستوعبةً لتجربة أداء الجهاز التنفيذي خلال هذه الفترة، وإلى أيِّ مَدَىً قادر على أن تُعبِّر عن تطلُّعات القاعدة الاجتماعية التي فجّرت الانتفاضة، ونفس الوقت يتصدّى بجدية وحزم لركائز النظام البائد سواء كان من حيث الممارسة أو التشريعات والمنهج، وأردف: بناءً على ذلك ينبغي أن يتجاوز التشكيل الوزاري القادم مرحلة الكفاءات المُستقلة إلى كفاءات لديها تجربة نضالية سياسية نقابية، وأن تكون مُقيمة في السودان لا تقل عن عقد من الزمان.
ثيرمومتر النضال
وقال القيادي بقِوى الحرية والتغيير، رئيس حزب البعث التجاني مصطفى لـ(الصيحة) إنه ليس هنالك ثيرمومتر نضالي أو معايير يمكن أن يقاس بها درجة النضال للأفراد أو التنظيمات السياسية، وأردف: من الصعوبة بمكان إعطاء شهادة أو نسب لسنوات النضال، وقال: حتى إن العشر سنوات معيار غير دقيق، إذ ربما يكون فرد أو حزب ظل شريكاً للنظام السابق 20 عاماً ثم أصبح مناضلاً في العشر سنوات الأخيرة وبالتالي يظل جزءاً من نظام الإنقاذ، أضف إلى ذلك، هنالك أشخاص كانت مواقفهم متغيرة لسنوات وبالتالي لا يمكن إعطاؤهم صك براءة من جنحة المشاركة أو الانتماء، وأردف: ربما يكون هنالك شاب أو ثائر الآن، لكن يكون أفضل لقيادة المرحلة مقارنة بشخص له عشرات الأعوام من الخبرات النضالية، ويرى مصطفى أن الاختيار للحكومة القادمة ينبغي أن تُخضع للكثير من المعايير المُتداخلة لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. وابان: نحتاج الآن لمشروع وطني نخرج به السودان من أزمته ووضعه الحرج.
ليس منطقاً
ويرى المحلل السياسي د. الحاج حمد محمد خير في إجابته على تساؤلات (الصيحة) بأنّ الشرط الذي وضعته الحرية والتغيير للمشاركة في الحكومة الانتقالية بالخلفية النضالية يعتبر شرطاً غير منطقي، ومقصود منه استمرار الأزمة بأساليب جديدة، وقال إن مثل هذه الشروط لن تُقدِّم أو تُؤخِّر الدولة ولن تُفيد المواطن في معاشه إذا وضعنا في الاعتبار أن من يحمل شهادة نضالية قد تنقصه الكفاءة، وحريٌّ أن يقدم أصحاب الخبرات ليخرجوا البلد من أزماتها، وتساءل الحاج في ذات الوقت: كيف تحسب أو تقيِّم سنوات النضال، وقال: ربما هذا الشرط تجيير للحركات المسلحة باعتبار أنها كانت تُناضل في الخارج، وأوضح أن مني وعقار، تجاوزت سنوات قطيعتهما مع النظام المباد سنواتها العشر، لكن في ذات الوقت هناك من قيادات الحركات لديه القُدرة القيادية واستطاع الاحتفاظ بحركته من التّشظِّي حتى يَعتمد على شهادة نضاله فقط، وختم حديثه بأن كل من أقام في السودان تحت النظام السابق لمدة ثلاثين عاماً الماضية يعتبر مُناضلاً، بينما كل من خرج لأي سبب من الأسباب يأتي في الدرجة الثانية من حيث أولوية المشاركة، ويرى الحاج أن هذا الشرط مُجرّد ترضية للحركات المسلحة باعتبارهم شركاء في المرحلة القادمة، لكن لا يعد الشرط ضرورة للاختيار.