السلطان/ كيجاب يكتب : احذروا قنوات التضليل والكذب والصحافة الصفراء
من خلال تواجدنا وقراءتنا للصحافة الأمريكية التي تجذبك عناوينها البراقة وتناولها الأحداث العالمية وهي تسير على نمط الصحافة الصفراء التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر عندما دارت حرب إعلامية بين عملاقي الصحافة الأمريكية جوزيف بوليتزر صاحب جديدة نيويورك وورلد الواسعة الانتشار ووليم راندولف مالك ومؤسس جريدة نيويورك جورنال ذي النفوذ الأقوى في علم الصحافة، وقد ووجِه أصحاب الجريدتين بهجوم شرس من النقاد والمفكرين كادت أن تعصف بهما واتهموهما بالإثارة الكاذبة وتلفيق الأخبار وعدم المصداقية في المواضيع التي تبث ولونها وهدفها من وراء ذلك زيادة التوزيع وجذب أكبر عدد من القراء بشراء الصحف، وكانت الجريدتان أنفقتا على طباعة رسوم مسلسلة بطلها الفتى الأصفر وهو وهم من الخيال والإثارة الأمر الذي أدى إلى إلصاق هذا الاسم بهما وأصبحت تعرف باسم الصحافة الصفراء، وأصبح يطلق هذا الاسم على كل صحيفة لا تقدم سوى الاخبار غير المدروسه تحت عناوين لافتة ومبالغات كاذبة ومشاحنات مفتعلة بطريقة غير مألوفة وبلغ هذا الصراع ذروته عام 1898م شككت في مصداقية الصحافة والإعلام وإذا ألقيت نظرة على ما يدور في عالمنا الحديث وما تقوم به أجهزة الإعلام الحديثة يستحق بكل جدارة أن نطلق عليه الإعلام الأصفر فلم تعد الصحف وحدها صفراء بل أصبحت لدينا إذاعات وقنوات ومواقع إلكترونية صفراء ومجموعة صفراء من الإعلاميين الذين أهانوا المهنة من أجل حفنة من المكاسب، وكان ضحية ذلك كله غياب الثقافة الرصينة والقلم الحر والكاتب النزية ذي النزعة الإنسانية والضمير الحي، وعاش عالمنا العربي في حيرة مما يسمعه ويقرأه ويشاهده، وبعد إطلاق الأقمار الصناعية وربطها بالمحطات الأرضية والقنوات أطلت علينا قنوات الظلام الدامس والفجر الجديد وفي وقت وجيز انتقلت 500 قناة تبث كلها باللغة العربية والقنوات المملوكة للقطاع الخاص.
وللآسف الشديد رغم هذا الزخم الإعلامي من خلال العنوان لم نشاهد العنوان فتحت شاشاتها للأدباء الذين ترجمت أعمالهم إلى معظم لغات العالم ولا العلماء الذين يشغلون منه مواقع مرموقة في مؤسسات دولية ولا الأطباء الذين ذاع صيتهم، ولا الرياضيين المسلمين الذين بهروا العالم.
إن العرب يملكون أكبر أرصدة من أبنائهم الأكفاء في بلاد المهجر يقدمون خبراتهم لبلاد غير عربية بعد أن وفرت لهم كل سبل الحياة وخسرت الأمة العربية خلال السبعينات 11 مليار دولار نتيجة هجرة العقول والمحصلة من هذه القنوات الكثير التي كانت تمثل عاملاً مؤثراً للتنوير وثقافة المجتمع أصبحت بعض هذه القنوات مدمره تبث أفكاراً وسموماً والتشكيك في الدين ويستمع لها ضعاف النفوس ويصدقونها، وكان من أكبر الأخطاء في تاريخ الإعلام عندما اعتلت الإنقاذ حكم البلاد كان أول قرار اتخذته قفل الصحف وتكميم الأفواه ومحاكمة كل من يخالفهم الرأي وسيطرتهم على التلفزيون والإذاعة وبث برامجهم من خلالها واستثنوا عامل الدين في دغدغة مشاعر الناس وادعاء تطبيق الشريعة وهو أمر لا يخالفهم فيه أحد وكثرة البرامج الدينية، وأكذوبه العالم يحاربنا لأننا طبقنا الشريعة وقد مل الناس برامج التلفزيون واتجهوا للقنوات العالمية ليشاهدوا حقيقة ما يجري في السودان والإعلام قدم أسوأ عمل أضر بالإنقاذ من شعارات وثقافات وأناشيد ركيكة دفاعنا الشعبي ياهو ديل وهي لله لا للسلطة ولا للجاه والامريكان ليكم تجهزنا وخطابات البشير الارتجالية المنقولة على الهواء، أمريكا وحلفاؤها والمحكمة الجنائية وكل من يساندها تحت جزمتي، وبعد أن أطاحت به الثورة سألوه في التحقيق عن سبب وضع كل هذه الدول والمحكمة تحت جزمته قال والله أنا كنت حفيان ما لابس جزمة والتلفزيون أضر بالثقافة السودانية ونقل المشاهد إلى عالم مجهول لم تكن في طبيعة الشعب السوداني وعاداته وكلها أدبيات كاذبة لتثبيت سلطة الإنقاذ باسم الدين، وعندما قال لها رب الكون كن فيكون انتهى هذا الزخم الإعلامي وتلاشى في ثوان ولم يعد له أثر يذكر وعادت الحياة إلى طبيعتها وتنفس الناس رحيق الحرية والسلام والعدالة.
تستحوذ على القطاع الأكبر قنوات البرامج العامة المملوكة لجهات حكومية وهي تشكل 13% وفي خلال عام ارتفع عدد القنوات إلى 696 حسب ما أعلنه اتحاد إذاعات الدول العربية تبثها 398 هيئة منها 26 هيئة حكومية و372 هيئة خاصة على 17 قمراً صناعياً منها عرب سات ونايل سات ونورسات ويوروسات وتشتمل الشبكات الحكومية على 97 قناة منها 49 قناة عامة و48 متخصصة وتضم الشبكات الخاصة 599 قناة تبث يومياً خلال 24 ساعة منها 161 قناة عامة و438 قناة متخصصة ووسط كل هذا الفضاء المزدحم تأتي القنوات التي تهتم بالأغاني والمنوعات بأعلى نسبة من مجموع القنوات المتخصصة إذ يبلغ عددها 115 قناة أي بنسبة 23% فيما وصل عدد القنوات الرياضية إلى 56 قناة من مجموع القنوات المتخصصة بينما يبلغ عدد القنوات الإخبارية 34 قناة وهي تعادل نسبة ضئيلة نسبة 7% في حين بلغ عدد القنوات الدينية 39 قناة بينما تثبت 515 قناة باللغة العربية و142 قناة عربية تبث باللغة الإنجليزية والهندية 14 قناة والامازيق 4 قنوات والأسبانية 3 قنوات والفارسية قناتان ورغم كل هذا الزخم من القنوات لا تتعدى القنوات الثقافية أصابع اليد ومعظمها استنساخ لما تبثه قنوات عالمية أكل عليها الدهر، تقدم لنا بعض الشرائط التسجيلية لمعالم بعض البلدان وكوارث الطبيعة وعالم الحيوان وأفلام الكرتون وغالب ما تقدم برامج ثقافية من وحي الوطن ليستند فيها الشباب وكل البرامج الثقافية المتخصصة التي تبث عبر القنوات العامة كلها حوارات مع ضيف إجابته ساذجة وجهل المحاور ورداءة الإعداد والإخراج والأهم والأكثر سذاجة بعض القنوات الدينية التي تفتح شاشاتها لمدعي الإفتاء الذين شوهوا سمعة الإسلام وجاءوا بكلام لا يقبله العقل ونسبوه للإسلام وأحاديث ملفقة وكثير منهم لا علاقة له بالإفتاء وشروطه التي نصت عليها أدبيات الشرائع فتحولت هذه السذاجة إلى ضرب من الغثيان والخرافة والشعوذة والدجل الأمر الذي أدي إلى التنافر وإثارة النعرات القبلية بدلاً من الحوار وأسلوب الاقناع والخطاب الديني ولا يعقل أن رجل دين يفتي من خلال التلفزيون أن التين والزيتون هما الحسن والحسين، وأن لحم الأرنب حرام لأنه من الحشرات وفيهم من يجيز زواج المتعة وسب الصحابة وإثارة الفتنة بين السنة والشيعة والطرق الصوفية وغسل مخ الشباب بتضخيم أنفسهم لما يضمن لهم دخول الجنة.