تقرير /نجدة بشارة
لم تعد ظاهرة انعدام الرقابة الحكومية وغياب الأجهزة الرقابية تقتصر على الجانب الاقتصادي في الأسواق فقط .. حيث تجاوزتها إلى الانفلات في كامل مظاهر الحياة اليومية بدءاً من الحصول على لقمة العيش ، الوقود، المواصلات، العلاج ..الدواء.. وعلى ذلك قس .. وصولًا الى استشراء حالات التفلتات و(السيولة) الأمنية، من نهب وسرقات واحتيالات في ظل غياب كامل للدولة عن واقع هموم معاش المواطن، وبالمقابل كثرت التساؤلات عن سر هذا الغياب القسري ..هل عجزت الحكومة عن تفعيل أجهزة رقابية ناجعة لإدارة الدولة؟ وما هي الانعكاسات المتوقعة من استمرار هذا الغياب؟.
أدوار رقابية ولكن!
في بدايات تكوين الحكومة الانتقالية كانت قد أسندت الأدوار الرقابية من مراقبة السلع الاستراتيجية للثوار من لجان المقاومة وتم تفعيلها كآلية رقابية بجانب الأجهزة التنفيذية بالدولة، حتى إن وزيرالحكم الاتحادي الدكتور يوسف آدم الضي، كان قد أصدر آنذاك موجهات لتنظيم عمل لجان التغيير والخدمات. وأشار إلى ان سلطات اللجان تحولت من إسقاط النظام البائد إلى الحراسة والرقابة على السلع والخدمات الأساسية مع تفعيل المشاركة الشعبية؛ وكان أن لعبت هذه اللجان أدواراً رقابية فاعلة وناجحة من خلال ضبط آليات توزيع الوقود ومراقبة الغاز، المخابز وغيره..لكن مع إطالة الفترة الزمنية واستمرار عمل هذه اللجان دون وجود سند مادي أو آليات ومعينات تشريعية ولوجستية وحتى مادية في ذات الوقت، الدولة نفضت يدها تماماً عن تفعيل أي أجهزة رقابية رسمية وتركت المسئوليات على هذه اللجان التي ظلت تعمل دون مقابل مادي أو معنوي مع انعدام استنادها على قوانين رقابية رادعة لتقيد بها المتفلتين أو أن يكون لها اليد الطولى في كبحها نهائياً. ويرى أيوب عباس من تنسيقيات لجان المقاومة في حديثه لـ(الصيحة) أن المقاومة قامت بأدوار فاعلة فيما يتعلق بالرقابة والتوزيع بالنسبة للسلع الاستراتيجية؛ واستطاعت أن تقوم بدور الأجهزة الرقابية للدولة خير قيام .. لكن في ظل الغياب الكامل للدولة وغياب الدعم الفني واللوجستي تناقص هذا الدور. وأردف: لكن هذه الفصائل الثورية عانت من التجاهل وعدم تقنين وضعيتها القانونية والتشريعية، كما تحتاج هذه اللجان إلى تنظيم وتنسيق مع أجهزة الدولة لتصبح هذه اللجان جاهزة لأداء الدور الرقابي المنوط بها على أكمل وجه.
انعكاسات سالبة
ومع مرور الوقت تعقدت ظاهرة انعدام الرقابة وشملت جميع مفاصل الدولة حتى كادت أن تتحول إلى فساد عام وعرف اجتماعي مقبول العمل به عكس ما كان سابقاً يعتبر صفة منبوذة ينتقد من يمارسها . وانتقد مراقبون للصيحة عدم تفعيل آلية رقابة حاسمة من قبل الحكومة الانتقالية، معتبرين ذلك انعكاساً سلبياً وخطيراً على النموذج الأخلاقي لأفراد المجتمع وعلى مستوى الكفاءة الإنتاجية وإمكانية تحقيق تنمية اقتصادية ناجحة، لذلك أصبح أمر معالجتها ضرورة قومية لا بد من القيام بها، والتصدى لها من قبل الحكومة وشددوا على أن المعالجة الحقيقية تتطلب وضع برامج وخطط علمية تشترك بها جميع أركان الدولة من حكومة ومنظمات مجتمع مدني بالتعاون الفعال مع أفراد المجتمع لتفعيل الدور الرقابي وضبط الانفلات.
حلقة مفقودة
فيما اعتبر المحلل الاستراتيجي د. عبد الرحمن أبوخريس لـ(الصيحة) أن هناك تراخياً من قبل الحكومة فيما يتعلق باستكمال دائرة القرارات، حيث يتم إصدار القرارات لكن لا توجد جهات فاعلة لمتابعة تنفيذها، وقال: إن ما كان سائدا في السابق أن هنالك تكامل أدوار بين الأجهزة الأمنية والشرطية حتى اللجان الشعبية ودورها في الرقابة ..لكن ليست هنالك آليات مفعلة حتى إن لجان المقاومة لديها الحس الثوري، ولكن قد لا تملك الأدوار الرقابية التي تحتاج إلى تنظيم وتدريب ثم تفعيل، وأردف: الثورة تحتاج إلى الدعم والرقابة المتجددة، لذلك كان حرياً بالحكومة أن تقوم بتدريب هذه اللجان وتملك السلطات والتشريعات التي تمكنها من أداء أدوار رقابية متكاملة .. وأشار أبوخريس إلى أن هنالك حلقة مفقودة بين الحكومة والمواطن، وخلل واضح في الدور الذي تقوم به الأجهزة التنفيذية، وأشار أبوخريس إلى ضرورة إدراك الحكومة لحجم الدور الرقابي والإسراع في تفعيله حتى لا تتسبب في نتائج خطيرة قد تقود لانهيار الحكومة ثم الدولة.
فراغ
وحسب مراقبين فإن هنالك فراغاً واضحاً فيما يتعلق بالأجهزة الرقابية للدولة، رغم أن آليات الرقابة يفترض أن تفعل من قبل الإدارات الرقابية للوزارات الحكومية بعد تكوين الحكومة الانتقالية مباشرة، وأرجعوا غياب الرقابة الذي استمر لأكثر من عام منذ سقوط الحكومة السابقة لضعف عمل الأجهزة التنفيذية وأدائها في كشف الخلل ومعالجته، إضافة إلى أن الكثير من القوانين ظلت إما معطلة أو غير مفعلة؛ في حين أن نسبة كبيرة من التشريعات والقرارات لا تنفذ في وقتها أو بصورتها الصحيحة”. مؤكدين في ذات الوقت أن هنالك تبايناً ملاحظاً وواضحاً بين غياب الأجهزة الرقابية، وما بين ضعف أداء الكثير من الأجهزة الحكومية ومستوى الخدمات المقدمة؛ مما يؤكد أن هناك شيئاً من القصور في أداء الأجهزة التنفيذية.