وقعت الحكومة السودانية في الثالث من أكتوبر الماضي اتفاق السلام مع حركات الكفاح المسلح بالجبهة الثورية، الأمر الذي أُعتُبِر خطوة مهمة من أجل بداية جديدة خالية تماماً من الدماء والحروب في السودان، وذلك بعد عقود من الصراعات والسنوات الدامية والحروب الأهلية التي استنزفت طاقة السودان، وكان من أهم بنود تلك الاتفاقية بلا شك بروتوكول النازحين واللاجئين، حيث شملت تلك الاتفاقية مجموعة من المبادئ العامة والتي تنص على احترام وضمان حقوق الإنسان للمهجرين داخلياً احتراماً كاملاً، بموجب القانون الدولي والقانون الوطني سواء كان خلال عملية العودة الطوعية وإعادة التوطين أو بعدها, ونص اتفاق النازحين واللاجئين على حماية النازحين واللاجئين من النساء والأطفال وجميع الفئات الضعيفة الأخرى واهتمام خاص ضد جميع أشكال التحرش والاستغلال والعنف القائم على الجنس أو العنف القائم على النوع، كما يتمتع النازحون واللاجئون بالحق فى العودة الطواعية والمواطنة والهوية والمشاركة والملكية والسكن، على أن تلتزم حكومة السودان بقبول عودة اللاجئين الذين غادروا الأراضي السودانية بمن فيهم الذين منحوا حماية مؤقتة من قبل بلد ثالث.
وفيما يخص الدعم الدولي فقد ألزم البروتوكول الموقعين على الاتفاق بالامتناع عن فرض ضرائب على العمال أو السلع أو الخدمات التي تقدمها حكومات خارجية أو منظمات إغاثة دولية أو وطنية في إطار النظم والقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية. ونصت الاتفاقية على إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين خلال 60 يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق للإشراف على عمليات العودة الطوعية وإعادة التوطين وإدارتها وتسييرها وذلك لمساعدة المجتمع الدولى والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتختص المفوضية بالتعامل مع النازحين واللاجئين السودانيين نتيجة للنزاعات في دارفور، وهو الأمر الذي ينتظره أكثر من خمسة ملايين لاجئ بدول الجوار، وأكثر من مليوني نازح بالداخل لجهة إعادة توطينهم في ديارهم الأصلية والتي تم تهجيرهم منها داخل السودان بسبب الحرب. وفي السابع من أكتوبر الماضي طلب السودان من المجتمع الدولي مساعدته في توطين النازحين العائدين لبلادهم وتوفير مساعدات للاجئين، في ظل ضعف البنيات التحتية، وسبق لمندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، علي بن أبي طالب، أن دعا في بيان ألقاه أمام الدورة الـ 71 للجنة التنفيذية لبرنامج شؤون اللاجئين إلى تضافر جهود المجتمع الدولي في تحمل التبعات والمسؤوليات الناجمة عن استضافة وحماية اللاجئين، خاصةً توطين العائدين، وطالب المجتمع الدولي بالمساهمة في معالجة قضايا النزوح والهجرة المختلطة والإتجار بالبشر وانعدام الجنسية، وأشاد بعزم المفوضية لشؤون اللاجئين تنظيم اجتماع إقليمي لدعم السودان يعقد بداية العام 2021م في الخرطوم، ولفت إلى أن السودان أمام تحدٍّ كبير لجهة استضافة أكثر من مليون لاجئ يقيم أغلبهم خارج المعسكرات، حيث يعتمدون على الخدمات التي تقدمها الحكومة التي تعاني من ضعف البنيات التحتية. وعالج اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية قضايا اللاجئين في بنوده، غير أن تنفيذها يتطلب مبالغ قد لا تتوفر للحكومة التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية حادة، وسبق لها أن سارعت برفع القيود التي تعوق عمليات وصول المساعدات الإنسانية للمتأثرين في مناطق النزاعات، كما عالجت ضمن خطتها الوطنية تحسين بيئة العمل الإنساني، من خلال تبني مشروعات الحلول المستدامة للنازحين واللاجئين وتوفيق أوضاعهم . ولا شك أن السودان الآن يُواجه تحديات تستوجب استمرار دعم المجتمع الدولي لاستكمال خطط الحكومة الرامية إلى معالجة الضائقة الاقتصادية عبر إعفاء ديونه، فضلاً عن أهمية الوفاء بتعهدات مؤتمر شركاء السودان ببرلين، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاسيما وأنه قد سبق وأن حصل السودان على تعهدات بمساعدات مالية قدرها 1.8 مليار دولار، خلال مؤتمر نظمته الحكومة الإلمانية في برلين في 25 يونيو 2020، في ذات الوقت الذي بلغت فيه ديون السودان إلى 64 مليار دولار، وبالطبع لم يكن يستطيع الاستفادة من ميزة إعفائها قبل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما تم بالفعل من قبل الحكومة الأمريكية السابقة، الأمر الذي من شأنه أن يُفضي إلى تسهيل كافة الإجراءات الرامية لمساعدة السودان في عملية إعادة توطين النازحين، سواءً كانوا بالداخل أو بمعسكرات النزوح بدول الجوار، والذين سبق وأن أجبرتهم حكومة العهد البائد السابقة على النزوح من ديارهم جراء الحرب الضروس التي شنتها في أقاليم النيل الأزرق ودارفور وجنوب كردفان، ولا شك أن هذا الأمر لن يتم أو يكتمل لولا تكاتف كل الجهات المختصة بشئون النازحين واللاجئين، دولية كانت أو داخلية لأجل القيام بكافة التجهيزات اللازمة في هذا الخصوص، والمتمثلة في تهيئة السكن المناسب وتجهيزه بما يليق بإعادة التوطين وتسكين هؤلاء اللاجئين والنازحين الذين أجبرتهم حروب النظام البائد لهجر ديارهم واللجوء لدول الجوار، أو النزوح إلى الداخل والسكن في ما عُرِف بمعسكرات اللجوء.