أزمة الوقود .. تتواصل رغم التحرير!!
الخرطوم- جمعة عبد الله
على خلاف التوقُّعات بانجلاء أزمة الوقود المُتطاولة منذ أشهر، لم تُؤدِ الإجراءات الحكومية بتحرير أسعاره إلى تحقيق الوفرة، ولا تزال صفوف المركبات تتزايد أمام محطات الخدمة، مِمّا أعاد التساؤلات عن جدوى قرارات التحرير، ولماذا لم تسهم في توفير المشتقات البترولية طالما تتعامل عبر السعر الحُر عالمياً أي بلا دعم..؟!
وفور بدء قرارات التحرير، تحقّقت مخاوف القطاعات الإنتاجية، حيث ساوت الأسعار الجديدة بين جميع المُستهلكين، بغض النظر عن نوع الاستهلاك، كما أدّت خطوة رفع دعم الطاقة لمُضاعفة التكاليف بقطاعات الزراعة والنقل والمُواصلات والخدمات والكهرباء، حيث كانت الحكومة في السابق تدعم كل أنواع المحروقات وتشمل البنزين والجازولين وغاز الطبخ ووقود الطائرات والفحم البترولي والفيرنس والكيروسين، ويُشكِّل قطاع النقل (75%) من جملة استهلاك الجازولين، يليه قطاع الكهرباء (12%)، ثم الصناعة (6%) والزراعة (4%)، أما البنزين فإنّ نصيب استخدام قطاع النقل فيه يبلغ (98%) بينما يذهب جُزءٌ يسير يُقدّر بـ(2%) للخدمات.
شكاوى وتذمُّر
وعبّر مواطنون وسائقو مركبات عن تذمُّرهم، وشكوا مُرّ الشكوى من المُعاناة التي ما زالت تواجههم في سبيل الحصول على حصصهم من الوقود بالرغم من رفع أسعار الوقود فوق طاقة الجميع، ونبّهوا إلى أنّ الإجراء الأخير لم يفلح حتى الآن في كبح تجار السوق السوداء، بل ازدهرت وتزايدت نسبة العاملين في بيع الوقود بأسعار خرافية، حيث يضطر البعض إلى شراء الوقود “بأيِّ ثَمَنٍ” لقضاء حوائجه المُهمّة.
وطالب مواطنون، الجهات المختصة بضرورة توفير الوقود ولو بالسعر الحر حتى تختفي الصفوف الطويلة وتُحارب ظاهرة المتاجرين والمُتكسِّبين من الأزمة، وحتى تحل أزمة المواصلات المُتطاولة، إذ يقضي أصحاب المركبات قسطاً طويلاً من اليوم في صفوف الوقود، الأمر الذي يُفاقم من مُشكلة انعدام المُواصلات العَامّة ويؤدي لانتظار المُواطنين ساعات طويلة لوسيلة نقل تقلّهم إلى أماكن عملهم أو منازلهم!
أسباب الأزمة
وعن أسباب الأزمة، يرى الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز الفكي، أنّ المُعالجات الاقتصادية التي اتّخذتها الحكومة مُؤخّراً كانت تحتاج إلى إحكام تنفيذ القرارات نفسها، وأوضح أنّ قرار تحرير المحروقات تضمن ثغرة في غاية الوضوح هي استمرار وجود محروقات مدعومة تحت مسمى (التجاري المدعوم)، وهذا فتح المجال لعودة السوق السوداء مرةً أخرى. وأوضح الفكي أن القرارات كانت تحتاج إلى مُعالجات اقتصادية لتخفيف الصدمة على الفقراء، وهذا ما لم يحدث، ولفت إلى تسبُّب الحكومة في إضعاف ديوان الزكاة، وتصفية العديد من المنظمات الخيرية دُونَ مُبرّراتٍ كَافيةٍ، وها هي تَحصد الآن ما زرعت، لا مؤسسات قوية تُساعدها على الإحاطة بالفقراء، ولا موارد غير حكومية تُقدِّم لهم الدعم. وأشار إلى إغفال الحكومة التخطيط الاقتصادي المُحكم لحشد الموارد الداخلية، لأنه كان من الواضح أن التعويل على المانحين غير مُجدٍ على الإطلاق في ظل جائحة (كورونا)، والحكومة وهي بصدد قرار ضخم بتحرير التجارة في المحروقات، لم نشهد منها دَعماً حَقيقيّاً للمُنتجين بسياساتٍ واضحةٍ، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ تمت مُحاربة مُنتجي الذهب من الأهالي، ولم يتم تشجيع المُستثمرين، ولم تتم حمايتهم، بل قامت بعض الولايات بتعطيل الاستثمارات فيها لأسبابٍ واهيةٍ، وإن لم تُغيِّر هذه الحكومة حاضنتها السياسية بأخرى مناصرة لسياسات تحرير الاقتصاد، وإن لم تعمد لتغيير بعض كوادرها التنفيذية الضعيفة، فستظل عاجزةً عن التعاطي والتعامُل مع قرار اقتصادي ضخم هو قرار تحرير الاقتصاد السوداني، ووضعه على مَنصّة الانطلاق.
تحايُلٌ حكوميٌّ
أمّا عضو اللجنة الاقتصادية لقِوى الحُرية والتّغيير، التجاني حسين، فقطع بأن الحكومة تتحايل لإقرار زيادات جديدة في أسعار الوقود تحت مسمى توحيد سعر الوقود، وذلك امتداداً لأسلوب المُخادعة المعروف، الذي ظلوا يستخدمونه مع الشعب، حيث يعلنون عن سعرين للوقود باعتبار أنّ أحدهما مدعومٌ، ثم ينتقلون للمرحلة التي تليها بتجفيف طلمبات ما يسمى بالمدعوم وتعميم السعر الأعلى والذي هو المُستهدف منذ البداية. ودعا التجاني إلى اصطفاف الشعب للضغط باتّجاه التّخلِّي عن البرنامج الاقتصادي الراهن المُرهق للشعب وانتهاج طريق وطني يقوم على حشد الموارد الداخلية وسيطرة الحكومة على صادر الذهب وإنشاء بورصة الصّادرات وجذب موارد المغتربين وتحقيق ولاية وزارة المالية على المال العام وكامل الحزمة المُقدّمة من الحرية والتغيير لتقوية الجنيه السوداني مِمّا يؤدي لتخفيض وتركيز وتثبيت أسعار السِّلع ومُراقبتها.
مُقاربة
وبمُقارنة الأسعار التي أعلنتها الحكومة مؤخراً للوقود مع الأسعار العالمية، نجد أنّ سعر برميل النفط في المتوسط (38) دولاراً، تعادل (9500) جنيه بحسب الدولار (250)، ويحوي برميل النفط (159) لتراً، و(42) جالوناً من الوقود، وحسب التسعيرة الحكومية التي أعلنت مُؤخّراً، فإنّ لتر الجازولين المدعوم يُباع بمبلغ (46) جنيهاً، وهذا يعني أنّ البرميل يصبح سعره (7314) جنيهاً، في حين أن السعر العالمي للبرميل (9500) جنيه، أي أن نسبة الدعم أقل من (25%).
وبالنسبة للجازولين التجاري، يُباع اللتر محلياً بسعر (120) جنيهاً، وإجمالي سعر الجالون (19.080) جنيهاً، وهو يُعتبر من أعلى الأسعار عالمياً حتى في الدول التي تَتَبَنّى نظام التحرير الكامل لأسعار الوقود، مثل السعودية التي يصل فيها سعر الجالون إلى ما يعادل (16) ألف جنيه سوداني، أما الولايات المتحدة الأمريكية فيبلغ فيها سعر لتر الوقود (1) سنت نحو (25) جنيهاً سودانياً، في حين يبلغ لتر الوقود الحكومي بالسودان (46) جنيهاً، رغم أنّ كلا الدولتين تتبنّيان نظاماً لدعم الوقود.
وبمُقاربة أسعار الوقود في الدول القريبة، نجد أنّ لتر البنزين في مصر التي لا تنتج النفط وتعتمد كلياً على الاستيراد بالأسعار العالمية، فيبلغ ما يعادل بالجنيه السوداني (128) جنيهاً والجالون (512) جنيهاً، وهي أسعار قريبة مما تم تحديده مؤخراً في السودان، أما في السعودية فيبلغ سعر لتر البنزين (104) جنيهات، أما الجالون فسعره (16.536) جنيهاً، وهو أعلى من سعر البنزين التجاري في السودان، وأقل من السِّعر الحُر، مع مُلاحظة وجود سعر واحد للوقود بخلاف ما يحدث في السُّودان، كما أنّ السعودية من كبار مُنتجي النفط عالمياً.
جدل الدعم
وقد أدّى إعلان وزارة الطاقة والتعدين لأسعار الوقود الجديدة، لإثارة الجدل مُجدّداً حول نوعية وحجم الدعم المعني، وكان السودان قبل إعلان الأسعار الأخيرة ثالث أرخص دولة في أسعار المُشتقات النفطية بعد فنزويلا وإيران، وهما دولتان مُنتجتان ومُصدِّرتان للنفط بكميات كبيرة، بعكس السودان الذي لا يُؤهِّله إنتاجه المحلي لتحقيق حتى الاكتفاء ذاتياً، ويبلغ العجز في إمدادات الوقود محلياً أكثر من (65%) والنسبة ليست ثابتة تتغيّر وحجم مُعدّلات الإنتاج اليومي.
وسادت تخوُّفات من مُختصين بتأثير الإجراءات الحكومية الأخيرة وتحرير أسعار الوقود على القطاعات الإنتاجية.
ولكنّ المحلل الاقتصادي قاسم صديق، يُشير إلى أنّ أسعار النفط الحالية للنفط الخام ولا يُمكن- بحسب رأيه – حسابها كالنفط المُكرّر، وأشار إلى أنّ هناك فرقاً في سعر النفط الخام عالميّاً وبعد التكرير رغم إشارته إلى أنّ الفرق ليس كبيراً.