تقرير: صلاح مختار
رغم أن ما أُنجز من اتفاق سلام عمل إيجابي وخطوة متقدمة في اتجاه السلام الشامل، إلا أن غياب الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، عن التوقيع على وثيقة الاتفاق النهائي في جوبا وغيابهما عن الحضور المبكر للخرطوم ينظر إليه البعض بالمنقصات في شأن الاتفاق وتسجيل الغياب في دفتر الحضور، تعتبر منطلقات مختلفة ومتباعدة . ورغم أن السلام غاية تبررها الوسيلة للوصول إليه، فإن كلا الطرفين كما يرى المراقبون سعى إلى إسقاط النظام السابق بكافة الوسائل، غير أنه عندما وجدا نفسيهما أمام واقع جديد بدأت الاختلافات تطفو على السطح.
وبالنسبة لعبد الواحد نور، فقد كان له موقف مبدئي في الحوار خارج أسوار الدولة، وهو موقف تتفق معه الكثير من القوى السياسية والمشكلة للثورة، فإذا كان الجميع سعى للإطاحة بالنظام البائد فهم شركاء في الثورة وفي التغيير، وبالتالي من باب أولى أن يجلس الجميع بالداخل للحوار بشأن مستقبل السودان وليس في جوبا أو أي دولة أخرى، فهو ـ أي عبد الواحد نور ـ يرى أن حوار الحركات في جوبا طريق لا يقود إلى سلام أو تحقيق مصلحة أهل الهامش بقدر ما يصدر عنه إعلان للمحاصصات بين تلك الحركات والحكومة. ولذلك يرى أن حل قضية السودانيين يكمن في جلوسهم بالداخل، وأبدى في تصريحاته بأنه ليس لديه مانع للحضور للخرطوم وسيكون ذلك قريباً.
خلاف الرؤية
ربما يختلف رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو عن سابقه في تعاطيه مع ملف السلام من زاوية أنه يرغب في الجلوس منفردًا إلى طاولة التفاوض ليطرح رؤاه وضمان تحقيق أجندته وعندما أعلنت ضربة البداية لانطلاق عملية السلام في جوبا تباطأ في الوصول إليها، وعندما ذهبت الحاضنة السياسية إلى اللقاء التشاوري في أديس فضل الحلو أن يلتقي وفد الحكومة منفرداً، وكان ذلك مؤشر كما يراه البعض غير جيد في الحوار مع الحركة، وعندما جلس قادة الحركات في قاعة التفاوض في جوبا غاب الحلو عنها، بل عندما حضر بعد ذلك ما لبث أن خرج منها، بل وافتعل خلافاً مع وفد الحكومة، ولكن لأن حركة الحلو لها أجندة تعلمها، فإن الحكومة الانتقالية كانت حريصة على لقائه، حيث قام رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بزيارة الحلو في معقله بكاودا في زيارة وصفت بأنها اختراق لملف السلام، ولكن في المقابل كانت فرصة الحلو لكسب كثير من النقاط التفاوضية وتمرير أجندته الخاصة، عندما وافق حمدوك على فصل الدين عن الدولة، وهو قرار يعلم الحلو أنه تصعب الموافقة عليه، لذلك سرعان ما انتقده ورفضه عضو المجلس السيادي الفريق الكباشي، وأدى إلى انهيار الملتقى التشاوري في جوبا مؤخراً، وبالتالي إعاد الكرة مرة أخرى لنقطة الصفر بين الحكومة والحلو.
لقد وضع الحلو لنفسه ولحركته سقفاً عالياً من المطالب التي يراها المراقبون يصعب تنفيذها وخيارات أحلاها مر بأن توافق الحكومة على العلمانية أي فصل الدين عن الدولة أو الاتجاه إلى حق تقرير المصير، وكلا الخيارين في وجهة نظر البعض لا تملك الحكومة الحق لمن لا يستحق، وبالتالي المشهد عند دفتر الحضور سيكون منقوصاً وأن الابتسامة مهما كانت على الوجوه ستكون منقوصة بفعل الغياب لحركتين يعتبرهما البعض الأكبر والأكثر قوة على الأرض.
غاية الأهمية
ولأن عملية السلام عملية مستمرة ومتكاملة تشمل كل أطراف السلام، فإن عودة قيادات حركات الكفاح المسلح في حد ذاته كما قال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة)، تمثل نقطة في غاية الأهمية بالنسبة لتحقيق السلام، كذلك هي مرحلة دقيقة من عمليات صنع السلام والاستقلال الثقافي والاقتصادي والدبلوماسي ورأى أن من ينظر إلى هذا الجهد ينظر للمستقبل مع تنمية الحاضر لاستكمال السلام والتعجيل باستكمال هياكل الدولة لاستصحاب طموحات الأقاليم التي لها مطالب، وتعتبر أكثر تضرراً.
وأكد خاطر أن تلك اللحظة تستحق أن يحتفل بها الشعب، وهو أقدر على التعبير العادل. واعتبر أمر الاحتفال ومنح العاملين إجازة أمراً مستحقاً كي نتطلع للمستقبل لتصحيحه، وقال: الذين يعتقدون أن هذه الاتفاقيات تنتقص من حقوقهم ليس هذا صحيحاً، ورأى أن قيمة التحفظ أبداها الحلو وعبد الواحد نور سيكون في مرحلة سيكتشف أنه غير منطقي خاصة إذا نظرنا إلى أن الشعب هو المتضرر، بالتالي إدراكاً منه يحتفل بتلك المناسبة، وبالتالي عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو سيكونان قريبين من عملية السلام حتى يؤكدان قيمة المواطنة والتنوع. وقال: الرسالة يمكن أن توجه إلى الجميع في كل الأقطار بأن غداً سيكون الأفضل ورسالة أخرى بأن يخططوا في هذه المرحلة وهي منصة تتلاقح فيها كل الطموحات وإلا ما هي التضحيات.
غيب وتعال
غياب الحلو وعبد الواحد نور عن التوقيع طال أو قصر مصيرهما التوقيع على السلام على شاكلة غيب وتعال، ورغم أن الاحتفال سيكون يوماً سعيدًا يبتهج فيه الناس، إلا أن المحلل السياسي د. أبو بكر عبد الرازق يراه منقوصًا، ولكن في نفس الوقت لابد من انضمامهما إلى مسيرة السلام وبالتالي هي عملية لا تتجزأ إما أن يكون هنالك سلام دائم أو لا يكون، ولفت عبد الرازق في حديث لـ(الصيحة) إلى مدى تأثير العمليات الحربية وهو تأثير كما يراه غير جلل ورأى أن كلا الطرفين عبد الواحد والحلو لديهما مناطق مؤثرة ذات بعد اقتصادي واستثماري أي استمرار للحرب بمثابة خروج تلك المناطق من دائرة الإنتاج، وبالتالي يمثل ضرراً للوطن والمواطن، وفي الجانب الآخر يمثل إزهاقاً للأرواح، ستكون القوات المسلحة على الاستعداد، وبالتالي أي صوت للذخيرة فإنها مكلفة للخزينة واستهداف للعملة الصعبة، وقال: أي تفجر للأوضاع سيضاعف معاناة المواطنين في مناطقهم، بالتالي الوقت مهم أن يحدُث تغيير إيجابي بموجبه يكتمل فرح السودانيين.
نصوص وحقوق
ويقول الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة (سد) أحمد عبد المجيد، إن عودة قيادات الكفاح المسلح مرحب بهم بعد مخاض طويل سبقتهم من قبل حركات ومجموعات كثيرة باعتبار الغاية الأساسية الوصول إلى السلام، وبالتالي هم مرحب بهم داعمين للسلام والتنمية، وأقر لـ(الصيحة) بأن الفرحة ستكون غير مكتملة لغياب الحلو وعبد الواحد نور وله تأثير معنوي، ولكن العبرة في قدرة قادة الكفاح المسلح على تنفيذ اتفاق السلام باعتبار أن السلام ليس توقيعاً على النصوص، وإنما مقدرتهم على مخاطبة كافة السودانيين بخطاب يعزز دولة المواطنة والاعتراف بالحقوق وخطاب مسؤول، وقال: إن لم نخاطب تلك القضايا كأنما نحرث في البحر، واعتبر أن المسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحركات لإصلاح مسار الثورة، وبالتالي بهذا الباب يحتفل الناس بالسلام وهو ليس سلام نصوص وإنما سلام حقوق.
خطوة متقدمة
ويعتبر الناطق الرسمي باسم “حزب المؤتمر السوداني”، نور الدين بابكر، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن “ما أُنجز من اتفاق سلام عمل إيجابي وخطوة متقدمة في اتجاه السلام الشامل، على الرغم من غياب حركتي الجبهة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، عن هذا الاتفاق”.
ويرى بابكر أن “وجود الجبهة الثورية التي تضم ست حركات مسلحة يعد محفزاً لمواصلة الحوار مع هذين الفصيلين في وقت لاحق واللحاق بركب السلام حتى ينعم المواطن السوداني بالأمن والاستقرار، خصوصاً من يقطنون في المناطق التي يدور فيها القتال”. ويؤكد بابكر أن “الحوار هو الطريق الأمثل لمواصلة المساعي مع الحركات التي لم توقع على الاتفاق”، منتقداً “تمسك الحركة الشعبية جناح الحلو بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة”. ويتوقع أن يسهم انفتاح السودان على المجتمع الدولي في إحداث ضغوط على بقية الحركات المسلحة لمتابعة عملية السلام وإنهاء الحرب في عموم مناطق البلاد كي يتفرغ الجميع للبناء والتنمية، ويعود السودان إلى سابق عهده حراً وآمناً”.