الفريق جمال عمر .. رحل و أثره السلام
الخرطوم / نجدة بشارة
وفي باطن الأرض كما ظاهرها، رجال دافعوا ونافحوا عن قضايا وطنية كبيرة، وظلوا يحملون الهم.. إلى أن اختارهم الله إلى جواره… ورغم أنهم مضوا وتواروا تحت الثرى، إلا أنه تبقت بصمتهم تحكي وترسم للأجيال القادمة سيرة من نور، منهم وزير الدفاع الراحل الفريق أول ركن جمال عمر محمد إبراهيم، الذي أدى واجبه تجاه الوطن والمواطن، وكان من القادة صّناع السلام، حيث حدثت وفاته بصورة مفاجئة بعاصمة دولة جنوب السودان، وسجل له إصراره على إكمال الاتفاق على الترتيبات الأمنية، ورحل بعد مغادرته للطاولة بدقائق تعد على أصابع اليد، تاركاً صدمة كبيرة بين الجانبين من المفاوضين، والشعب السوداني ككل.
من هنا بدأ
والفريق جمال المُنحدر من منطقة حجر العسل بولاية نهر النيل من مواليد 1960م، يعتبر أول وزير دفاع في الحكومة الانتقالية، منذ تخرجه ضابطاً ضمن الدفعة 31، ظل يخدم في القوات المسلحة السودانية، وتنقل بين الإدارات المختلفة بوزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، إلى أن وصل في مارس 2017 إلى منصب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، وهي أكثر المواقع حساسية في مؤسسة الجيش السوداني، قبل أن تتم إقالته وتعيين الجنرال مصطفى محمد مصطفى خلفاً له، كما عمل معلماً بمعهد الشؤون الإدارية وبمعهد الاستخبارات العسكرية، وتولى منصب رئيس شعبة الاستخبارات بعدد من المناطق العسكرية، وشغل مناصب: مدير مركز المعلومات بهيئة الاستخبارات العسكرية، ومدير إدارة الاستخبارات البرية، ومدير إدارة الاستخبارات العامة، ومدير الإدارة العامة للمعلومات، ومدير الإدارة العامة للعلاقات الدولية بوزارة الدفاع.
حصل عمر على عدة أنواط وأوسمة، من بينها “نوط الواجب، نوط الخدمة الطويلة الممتازة، وسام الصمود، وسام الدفاع الذهبي، ووسام النيلين من الطبقة الأولى.
الجنرال الصامت
ولأنه كان هادئاً وقليل الكلام ومن الصعب أن يفشي سراً؛ عرف وسط دفعته بالصامت وكاتم الأسرار، فضلًا عن إلمامه بتفاصيل العمل العسكري، وخلفيته السياسية التي ساعدت على تكوين شخصية متميزة.
وتمت إحالة جمال عمر للتقاعد عقب إقالته من هيئة الاستخبارات، برتبة لواء ولكن أعاده رئيس المجلس العسكري وقتها عبد الفتاح البرهان للخدمة في منتصف أبريل الماضي وتمت ترقيته، وأصدر البرهان مرسوماً دستورياً عيّن بموجبه جمال عمر عضواً بالمجلس العسكري الانتقالي ورئيساً للجنة الأمن والدفاع بعد ترقيته لرتبة فريق أول، في 23 مايو الماضي
لم تتفاجأ الأوساط السودانية بتعيينه وزيراً للدفاع في الحكومة الانتقالية، لكونه من بين أبرز وأقدم ضباط القوات المسلحة الموجودين في الخدمة العسكرية، وجرى تعيين الراحل وزيرًا للدفاع بعد ترشيحه من المكون العسكري بمجلس السيادة، وذلك حسب مقتضى الوثيقة الدستورية المبرمة مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
أيقونة للسلام
ولأنه أحب السلام وأخلص وتفانى له، فقد شاءت الأقدار أن يرحل جمال وهو يؤدي واجبه على طاولات التفاوض، وقدم بذلك أروع نموذج للإيثار، وقبل وفاته كان أعلن عن التزام حكومة السودان بإكمال ملف الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية، في آخر تصريحاته، حيث رسم آمالاً عراضاً بالسعي لبناء جيش قومي موحد بعيداً عن الانتماءات السياسية، وبشأن الترتيبات الأمنية وإعادة دمج وتسريح قواتها بُعيد توقيع اتفاقية سلام، لكن كانت يد المنون هي الأسرع، ونتج عن وفاته تعليق التفاوض لمدة أسبوع، ونعى بيان صادر عن مجلس السيادة، الراحل ووصفه بإنه «شهيد» اختاره الله لجواره، وهو يدافع ويكافح من أجل استقرار السودان وسلامه وعزته، ووصفه عدد كبير من الشعب السوداني بأيقونة السلام، ونعته الحكومة السودانية ورئيس مجلس الوزراء د. حمدوك وقال: أُنعى بحزن عميق وفاة زميلنا العزيز الفريق أول ركن جمال الدين عمر وزير الدفاع الذي لبى نداء ربه في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان أثناء أدائه لواجبه الوطني، وأن الفقيد يمتاز بالحكمة والصبر وحُسن الخلق والرأي السديد، وكانت له إسهامات مقدره من خلال موقعه في الحكومة الانتقالية ودوره الفعال في عملية السلام.