الخرطوم/ عبد الله عبد الرحيم
لم يدرِ ابن منطقة وسط الجزيرة (طابت)، أنه سوف يدخل التاريخ السياسي من أوسع أبوابه، حينما بدأ التدرج في التعليم الابتدائي بتلك المراحل التي شهدت نبوغه المبكر، فقد كان ياسر سعيد عرمان، حسب إفادات بعض من رافقوه في صباه إنه قليلاً ما يثبت على حال، بل إنه كان كثير التأمل في قضايا المنطقة، ومنها ما هو سياسي باعتبار أن المنطقة تقع في شريط يكثر فيه الاهتمام بالسياسة كثقافة أهل الوسط الذين لا يملون من الانخراط في أضابيرها كل لحظة، وقد كانت الاشتراكية وقضايا التحرر الوطني حينها تأخذ بألباب الشباب. بيد أن ياسراً في صباه، كان مفتوناً بتقليد بعض الرؤساء، خاصة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكان كبار أفراد الأسرة يطلبون منه تقليد خطابات الرؤساء، التي كان يلقيها بفصاحة تسبق عمره، هكذا قال شقيقه أسامة سعيد عرمان لـ«الشرق الأوسط».
النشأة قرية سعيد
وياسر سعيد عرمان سعيد، 59 عاماً، انحدرت أسرته إلى قرية طابت بمنطقة الجزيرة في وسط السودان قبل أكثر من مائة عام، وأنشأ جده سعيد الحسين قرية عرفت باسمه (قرية سعيد)، وكما يقول شقيقه أسامة سعيد عرمان، فإن جدهم سعيد الحسين استطاع أن يمتلك أراضي وثروة من الماشية، واستقر المقام للأسرة الكبيرة.
كان ياسر سعيد عرمان من أوائل الشماليين الذين انضموا إلى الحركة الشعبية في وقت مبكر منذ تأسيسها منهم القائد الراحل يوسف كوة مكي، والدكتور منصور خالد، ومالك عقار، وعبد العزيز آدم الحلو، وآخرون.
وتزوج عرمان من ابنة ناظر قبيلة الدينكا دينق مجوك، وهي إحدى قبائل الدينكا، أكبر القبائل السودانية في الجنوب، وتسكن منطقة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، وهي غنية بالنفط. وينحدر عرمان من منطقة بوسط السودان (طابت سعيد)، وينتمي عرقياً إلى قبيلة الجعليين، وهي أيضاً أكبر القبائل في الشمال النيلي وتتجاذبه تلك الأصول العرقية التي تجعل من سؤال الهوية واحداً من قضايا السودان المعقدة.
الانضمام للشعبية
ويقول شقيقه أسامة سعيد عرمان “للشرق الأوسط “: «والدنا عمل في مجال التعليم منذ عام 1957، وتنقل في مناطق كثيرة في السودان، ثم انتدب على سبيل الإعارة إلى اليمن الشمالي في عام 1983، وعاد إلى السودان في عام 1993، ولم يكن لديه اهتمام بالعمل السياسي، غير أن لديه اهتمامه بالشأن الوطني العام»، ولكن خلال وجود والده سعيد عرمان في اليمن كان ياسر قد شق طريقه في عام 1987 وانضم إلى جماعة التمرد (الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان) التي كان يتزعمها الراحل الدكتور جون قرنق. انضمام ياسر سعيد عرمان إلى الحركة الشعبية عام 1987 جرت حوله نقاشات طويلة، ولكن قبل تلك المغادرة كان عرمان قد التحق بالحزب الشيوعي خلال دراسته في المرحلة الثانوية، متأثراً بخاله مأمون عالم، الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي.
ترشحه للرئاسة
ترشح عرمان من قبل لرئاسة الجمهورية قبيل الانفصال عن الحركة الشعبية، في انتخابات العام 2010م و اعتبر مراقبون اختيار الحركة الشعبية وقتها لشخص ياسر ليكون مرشحها للرئاسة بـ«ضربة معلم وتنم عن ذكاء سياسي»، غير أن بعضاً من خصومه في الحركة الإسلامية يعتقدون أن قيادة الحركة قدمت عرمان كـ«كبش فداء» حسب ما ذكره مصطفى سري الصحفي الذي جالس عرمان في أكثر من مناسبة، باعتبار أن الجنوبيين سيصوتون للانفصال في الاستفتاء على تقرير المصير وهذا ما حصل، ودفع ياسر للانسحاب من السباق الرئاسي على نحو ما جرى، وقيل إن ذلك تم عقب تفاهمات بين الشعبية والمؤتمر الوطني الحزب الحاكم آنذاك، لكن مراقبين يقولون إن ثقة عرمان في الفوز كانت لا تحدها حدود لجهة أنه كان يمثل صمام أمان لوحدة البلاد التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التجزئة التي حدثت لاحقاً.
اتهامات سابقة
ياسر عرمان رجل جرت حوله مغالطات وأقاويل كثيرة سُجّلت في أضابير الواقع السياسي، ومنها لا زال يدور حولها الكثير من اللغط كحادثة اتهامه بمقتل طالبي الجامعة في أحداث العنف التي شهدتها جامعة القاهرة فرع الخرطوم (الأقرع وبلل)، الأمر الذي لم يتم إثباته، ولكن جهات عديدة ترى أن الأمر كان مكيدة من الإسلاميين لإبعاد ياسر عن المشهد السياسي وقتها، وقد كان، إذ كان وهو طالب في الجامعة كثير النشاط السياسي، وهو في تلك الفترة قد سجن واعتقل كثيراً جراء مواقفه السياسية حيث لا زال طالباً بعد.
العودة للنضال
لم تتوقف مسيرة ياسر عقب انفصال الجنوب، إذ استمر في نضاله السياسي مع الحركة الشعبية شمال موحدة بقيادة مالك عقار وظل يعارض الحكومة عقب الانفصال، بيد أن رياح التغيير هبت أيضاً على الحركة التي انشطرت إلى نصفين بعضها بقيادة عرمان وعقار، والآخر وهو الأكبر بقيادة الحلو الذي لا زال خارج اتفاق السلام الذي وقعه عرمان وعقار ليطوي بذلك أطول سنوات الحرب ضد الحكومة التي كثيراً ما عارضها عرمان بموقفه المبدئي وارتباطه بالفكر التحرري الاشتراكي. ويعود عرمان للخرطوم عقب توقيع اتفاق السلام النهائي بجوبا وهو يأمل هذه المرة أن تضع هذه العودة حداً للتنقل بين عواصم الدول المختلفة وأحراش السودان النائية متمرداً بفكره ونائياً حين لم يكن المبتغى على المنال.. فهل ستضع هذه العودة حداً لمسيرة ياسر المتمردة أم إن شيطان التفاصيل كما قال زعيم الشعبية الراحل (جون قرنق) ستحمله مرة أخرى على المغادرة بذات السيناريو؟