كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
التردي المريع الذي تشهده الساحة الفنية وفي كافة مناحيها أكبر دليل على تفسير الرغبة الجامحة في الحنين للماضي.. أصبحنا لا نتطلع للمستقبل لأنه يبدو قاتماً ولا يبشر بومضة أمل.. لذلك من البديهي أن تجدنا نشتاق للماضي بكل تفاصيله حتى ولو كانت مؤلمة، لأنها بكل تأكيد أجمل من بعض الأيام الآتية.
(2)
ذلك ليس أحساسي وحدي ولكنه شعور الناس أجمعين.. وما تشهده الساحة الغنائية من عقم واضح يؤكد بجلاء محنتنا الراهنة.. وليس أدل من ذلك ما صرح به قبل فترة المدعو (أمجد حمزة) الذي تؤكد أغنياته أنه واحد من الذين نشروا الغناء الذي ينتمي للفراغ العريض.. وهو يخرج للناس أغنيات أقرب للسموم التي تصعب مكافحتها.
(3)
في ذلك الزمن الجميل الذي كان خالياً من أمثال أمجد حمزة، كان الغناء يمشي بين الفنانين على طريقة (تهادوا تحابوا) ..
لن يفوت على ذاكرتنا الجمعية أغنية (مشتاقين) التي صاغها شعراً الشاعر الراحل إسماعيل حسن، وقام بتلحينها الموسيقار محمد وردي، الذي قال بأن الأغنية تشبه الفنان الواعد حينها (عثمان مصطفى) فلم يتوان في أن يقدمها له كهدية حتى تكون دافعاً ليصبح رقماً صحيحاً في الغناء السوداني.. فكانت أغنية مشتاقين بكل جمالها من حيث المفردة واللحن دافعاً لعثمان مصطفى (رحمه الله) الذي أصبح فيما بعد فناناً كبيراً حتى أن الموسيقار المصري العظيم وصف صوته بأنه صوت شاسع كالصحراء وعميق كالبحر.
(4)
الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي هو الآخر قدم للراحل عبد العزيز محمد داؤد أغنية (يا زاهية) والتي تعتبر من أجمل ما تغنى به أبوداؤد.. الكابلي أيضاً أهدى أبوعركي البخيت من كلماته وألحانه أغنية (جبل مرة) .. وأبوعركي كان محظوظاً وهو يظفر بأغنية ثمينة من ألحان محمد الأمين هي أغنية (طريق الماضي).
(5)
محمد وردي لم يتوقف عند أغنية (مشتاقين) لعثمان مصطفى، بل قام بتلحين أغنية (أيامك) وأهداها للفنان الكبير صلاح بن البادية، وهي تعتبر من الأغنيات الكبار في مسيرة صلاح بن البادية.. وود البادية نفسه قدم للفنان الأمين عبد الغفار أغنية (حب الناس يحبوك)، فكانت أغنية واضحة وذات تأثير في مسيرة الأمين عبد الغفار ودفعت به للصفوف الأمامية من المطربين الكبار.
(6)
أغنية همس الشوق التي كتبها هاشم صديق وتغنى بها الموسيقار محمد الأمين، قد لا يعلم البعض أن شرحبيل أحمد قام بتلحينها قبل محمد الأمين.. ولكن حينما لحنها محمد الأمين تنازل عنها وقال بأن لحن محمد الأمين يتناسب ومفردات الأغنية، وقامت زوجته زكية بكتابة كلمات جديدة للأغنية باسم (يا ليل)، والنماذج كثيرة لا حصر لها ولا عدد، وكلها تؤكد على عافية الغناء في ذلك الزمن وتجيب على سؤال عن السر الذي أبقى تلك الأغنيات وغيرها في ذاكرة الناس حتى الأن.