إبراهيم الأمين: الولاءات المزدوجة لأحزاب التغيير أنتجت حكومة ضعيفة
مراقبون: بعض القوى أهدرت مصداقيتها واستغلت موجة التطبيع للتسلّق
محلل سياسي: الشارع بدأ يفيق من مرحلة الصدمة
عضو بالشيوعي: هنالك عراقيل وإشكالات كثيرة
الخرطوم/ صلاح مختار
(تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى)، أبلغ ما يمكن أن توصف به قوى الحرية والتغيير، أو ما يعرف بالحاضنة السياسية للحكومة، فبعد أكثر من عام على تشكيل الحاضنة بدأت العلاقة التي جمعت تلك القوى تتآكل من الداخل، بدأت تلك القوى الرئيسية التي تشكل الحاضنة تلعن أختها وتبرئ نفسها من أسباب الفشل الذي أصاب المرحلة الأولى للفترة الانتقالية، ربما ينظر البعض إلى جهود تلك القوى يجد أنها تفتقد إلى ما يجمعها ويوحد عروتها ويمسك بأطرافها حتى باتت توصف بالفشل، ووصلت مرحلة أن حررت لها شهادة وفاة.
هنالك عدة أسباب جعلت من تلك الحاضنة تصل إلى تلك المرحلة من التصدع بل التربص بين القوى المشكلة لها، منها الاختلاف الآيدلوجي والطموح الوظيفي والهيمنة وعدم الثقة والأزمة الاقتصادية، وصلت درجة أن أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير أن المجموعة الحكومية التي تدير الاقتصاد فاشلة بسبب تجاهلها كل المقترحات والحلول التي تقدمت بها اللجنة الاقتصادية، ورهنت اللجنة حل الأزمة الاقتصادية بانتزاع الملف من المجموعة الحالية التي وصفتها بالفاشلة. بيد ـن الملف الاقتصادي يعتبر واحداً من الأسباب الكبيرة والعميقة في الخلاف داخل الحاضنة؟.
حرب شرسة
وتدور داخل تحالف الحرية والتغيير حرب شرسة بين مكوناته الأساسية متمثلة في الحزب الشيوعي من جهة، والمؤتمر السوداني، وحزب الأمة القومي، من جهة أخرى. ويتهم الشيوعي حليفيه بقيادة المهدي بخط الهبوط الناعم وتحويل مسار الثورة عن طريقه، وشن الخطيب هجوماً كذلك على رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، واتهمه بالمشاركة في مؤتمر سري ترعاه مؤسسة “تشاتم هاوس” البريطانية وتعمل ضد السودان، مثلما اتهم السعودية والإمارات العربية المتحدة بدعم العسكريين لوقف تحقيق أهداف الثورة السودانية. وكان رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، رد بعنف على تصريحات الخطيب، واتهم الحزب الشيوعي بالسلفية والتخلف ودعم الدكتاتوريات.
حاضنة قانونية
ولهذا كله، أصبح رئيس حزب الأمة القومي الصادي المهدي الذي جمد نشاطه مبكراً داخل الحاضنة، ينتهج مساراً مختلفاً وصف بعض القوى الثورية ذات الأشواق الانفصالية بأنها باعت نفسها من أجل تسلق السلطة، وهي تعتقد أن الوجود القانوني الإسرائيلي والتعامل الخفي معه من وراء حجاب، سوف يشكل حاضنًة قانونية بعد التطبيع الرسمي مع تل أبيب، وأنهم سوف ينخرطون في المشروع الإسرائيلي بسياسة شد الأطراف. وأضاف المهدي أن هؤلاء يلوثون قضية السلام المقدسة بحجة أنهم يدعون لسلام ديمقراطي، وربطوا بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية الاقتصادية مقابل تحقيق المصلحة الوطنية، بعدما أهدرت مصداقيتهم السياسية بالانخراط في مؤسسات النظام البائد التنفيذية والتشريعية ويستغلون موجة التطبيع كفرصة لتسلق دور سياسي في سودان ما بعد الثورة لتجاوز الطائفية بين المسلمين. ويرى حزب الامة أن مقترحات قوى الحرية والتغيير الخاصة بترشيحات الولاة استندت على جرفٍ هارٍ من المحاصصات، وغضت النظر عن وزن المسميات السياسية وثقلها الجماهيري ووجودها المجتمعي في الولايات المعنية وطالب الحزب بإلغائها.
هدر المصداقية
بعض الخبراء والمراقبين وصفوا حديث الصادق المهدي وهو في الحجر الصحي بعد إصابته بوباء كورونا، لبعض قوى إعلان الحرية والتغيير بأنهم أهدروا مصداقيهم السياسية ويستغلون موجة التطبيع فرصة للتسلق في السودان الجديد بمثابة تحرير شهادة وفاة لهم، في وقت تعاظم فيه نشاط المكون العسكري في حل العديد من المشاكل الاقتصادية والصحية والزراعية، بينما عجزت “قحت” ولم تستطع تقديم حلول ناجعة بل انشغلت بالصراعات السياسية حول السيطرة على السلطة. وعلى صعيد متصل، اعتبر عضو حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين ـن الولاءات المزدوجة لأحزاب قوى التغيير أدت للانشقاق الى تيارات، وتم عبرها تكوين حكومة تنفيذية ضعيفة وبات المدنيون في جيب المكون العسكري، وأن تصنيف واشنطن للسودان في قائمة الإرهاب يعود إلى عهد البشير حسب اعتقادها أن الخرطوم تدعم الجماعات المتشددة. وأقر الأمين بتكوين حكومة “مدنية ضعيفة”, وأضاف: “للأسف الشديد مجلس السيادة تجاوز صلاحياته الدستورية ورضي بذلك مجلس الوزراء وحتى المدنيين في مجلس السيادة”, وأضاف: “قطعاً هناك كثير نمن الأخطاء ارتكبت ويجب مناقشتها بصراحة, والسودان مليء بمن هم أكثر وطنية ومعرفة.
تجميد النشاط
وكان حزب الأمة القومي قد أعلن تجميد أنشطته في كافة هياكل إئتلاف قوى “إعلان الحرية والتغيير”، ودعا إلى مؤتمر تأسيسي لقوى الثورة لإصلاح هياكل الفترة الانتقالية. وقال الحزب، في بيان: “هناك عيوب أساسية ظهرت في أداء مهام الحكم الانتقالي في السودان، منها اضطراب مواقف القيادة السياسية لقوى الحرية والتغيير، واختلاف في اختصاصات مؤسسات الانتقال. وتجاوز الوثيقة الدستورية، التي تقف عليها كل ترتيبات الفترة الانتقالية”.
محلك سر
ورأت المتحدثة الرسمية بالحزب الشيوعي آمال الزين, أن القاعدة الإساسية تدعم مسار الثورة وتحاول العودة إلى مسارها. وأضافت: “هنالك عراقيل كبيرة وإشكالات كثيرة ابتداء من التفاوض مع العسكر في بداية الانتقال, والأسس التي وضعت لهذا الانتقال”. وتابعت: “محصلة الوثيقة والاتفاق مع العسكر وضح الآن أنه أقل من طموح الثوار, والقوى السياسية لم تكن تدرك حينئذ كيف أنها ستمضي في طريق الانتقال” . وقالت: “بمجرد إزاحة رأس النظام ظهرت محاور جديدة, حتى الآن تتحدث عن حاضنة سياسية ولكن لا توجد قنوات واضحة لربط هذه الحاضنة بالسلطة التنفيذية ولا توجد نصوص تلزم السلطة التنفيذية ببرنامج الحاضنة السياسية”. وقالت “بمجرد انتصار الثورة, تضاربت المصالح وهذا واضح للعيان, والجماهير ما زالت لديها رؤية واضحة للانتقال وللخطوات التي من المفروض أن تمضي فيها محلك سر”.
دعوة بالخروج
بيد أن الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني خالد عمر سلك دعا الحزب الشيوعي إلى الخروج من تحالف قوى الحرية والتغيير حتى يكون الشيوعي متسقاً مع خطاب سكرتيره محمد مختار الخطيب، الذي اتهم حلفاءه بالخيانة. وقال سلك، في ندوة سياسية بجامعة الخرطوم نظمها “مؤتمر الطلاب المستقلين”، الخطيب موجود في تحالف الحرية والتغيير، ويتهم رئيس الوزراء نفسه، عبد الله حمدوك، ويتهم الحرية والتغيير بأنهم خونة وعملاء، وزاد “الشيء الوحيد لكي يتسق الشيوعي مع خطابه بأنهم حلفاء وعملاء هو أن يخرج من التحالف ويمضي في تكوين تحالف بدلاً من أن يقول لهم تباً لكم”. ووصف الحزب بالدكتاتورية، وقال: “الماركسية اللينينية ضد الديموقراطية البرجوازية”، وأضاف “لينين قال إن الانتقال من الدولة الرأسمالية الى الدولة الاشتراكية يتم عن طريق القمع ولم يقل عن طريق الديموقراطية” مشيراً: إن الفكرة الشيوعية ضد الديموقراطية”، وذكر سلك، أن الممارسة تثبت ذلك، فالأحزاب الشيوعية حكمت بالقمع والحزب الشيوعي السوداني أيضًا نفذ انقلابين عسكريين، وأن سكرتيره أكمل أكثر من أربعين عاماً إلى أن توفى”.
قصور وبطء
وسبق أن وجه حزب المؤتمر السوداني، انتقادات حادة لمؤسسات السلطة الانتقالية ومجلسي السيادة والوزراء، ووصف أداءهما بالقصور والبطء في كثير من القضايا الرئيسية في البلاد، داعياً إلى عقد مؤتمر تداولي عاجل لمعالجة الإشكالات داخل «تحالف قوى الثورة. وقال رئيس الحزب، عمر الدقير، في مؤتمر صحافي، سابق، إن إنجازات السلطة الانتقالية خلال الفترة الماضية “متواضعة ودون الطموح، إن لم تكن أقرب إلى الخذلان”، مشدداً على ضرورة الإسراع بـ”تقويمها لتجاوز الأخطاء والضعف في السياسات والأشخاص”. وكشف الدقير عن وجود قصور كبير في الهياكل السياسية والتنظيمية لتحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، إضافة إلى غياب الرؤية السياسية الواضحة في كثير من القضايا.
اصطفاف جديد
وردّ في المقابل الحزب الشيوعي على دعوة حزب الأمة القومي لإجراء إصلاحات في الإئتلاف الحاكم، أثبت فشله واستخدم بيد أعداء الثورة. وقال المتحدث الرسمي باسم الحزب الشيوعي، فتحي الفضل، في بيان، بعد نهاية الاجتماعات الإثنين: “لاحظ المكتب السياسي إن قرار قيادة حزب الأمة بتجميد نشاطها في الوعاء الواسع يسير في اتجاه الخروج من الجبهة العريضة، بدعاوى حول الهيكلة وطرح برنامج مغاير لما اتفق عليه بقصد بناء اصطفاف جديد مقابل لقوى الحرية والتغيير”.وأضاف: “أنها دعوة جربت في الماضي – البعيد القريب – وأثبتت فشلها. وكانت ولا زالت خطوة تلعب في أيدي المعادين للثورة وتساهم بقصد أو غير قصد في عرقلة المسيرة الثورية، فلا العقد الاجتماعي ولا الدعوة إلى قوى جديدة تساعد في حل القضايا الملحة التي تواجهها الجماهير”.
القشة والبعير
ولعل ما زاد الهوة بين قوى الثورة، قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وكأنما هي القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أعلن تكتل سياسي بارز في قوى إعلان الحرية والتغيير بالسودان، رفضه للتطبيع بين بلاده وإسرائيل، وتشكيل جبهة مقاومة لهذا الغرض. وطبقاً لبيانٍ لتحالف قوى الإجماع الوطني وهو تحالف يضم حالياً عدة أحزاب سياسية، أبرزها الشيوعي والناصري ومنظمات أخرى، إضافة إلى حزب البعث، أن الشعب سيلتزم بمواقفه التاريخية، وسيعمل من خلال جبهة عريضة لمقاومة التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على كامل حقوقه المشروعة.
واعتبر التحالف أن السلطة الانتقالية تتعمد انتهاك الوثيقة الدستورية وتمضي في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، والخروج على ثوابت سودان اللاءات الثلاثة، في دعم حقوق الفلسطينيين.
ارتفاع السقوف
واحد من الأسباب التي أظهرت فجوة بين قادة قوى (الحرية والتغيير)، ارتفاع سقوف الشارع وطموحات الثورة في (المدنية والحرية والسلام والعدالة)، ويقول الكاتب والمحلل السياسي د. أبوبكر آدم لـ(الصيحة)، إن الشارع بدأ يفيق من صدمة الثورة ويلتفت لما حوله، ولم يجد شيئاً تحقق من شعارات الثورة بل زاد الأمر سوءاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وأخلاقيًا. ويرى أن تلك الشعارات التي وئدت كانت سبباً في الخلافات التي اندلعت بين القوى المكونة لقوى الحرية والتغيير التي جمد بعضها نشاطه في الحاضنة والبعض الآخر آثر الابتعاد حتى وصل بأن حزب الأمة قال إن الحاضنة والحكومة مسيطر عليها الحزب الشيوعي، وقال إن الاتفاق بين القوى السياسية داخل تحالف قوى “الحرية والتغيير” كان لإسقاط النظام، واستطاع إنجاز هذه المهمة، ولكن عندما جاءت لحظة اقتسام الغنائم برزت الأجندة رغم أنه كان هناك اتفاق على أن تشكيل الحكومة يتم عبر كفاءات، ونص على ذلك في الوثيقة الدستورية. والآن عاد الصراع بين هذه القوى على المناصب والمحاصصة في الحكومة. وأكد أن قضية التطبيع إضافة إلى الفشل الاقتصادي زاد من فجوة الخلاف بين المكونات.
خروج المهنيين
آخر مظاهر التصدعات في جسم قوى الثورة تمثل في إعلان تجمع المهنيين -الكيان الذي نظم الحراك الثوري- انسحابه من إئتلاف قوى “الحرية والتغيير” بعد انتخاب قيادة جديدة لم تعترف بها القيادة السابقة. ويرى مراقبون أن تجمع المهنيين -والذي يضم نقابات مهنية للأطباء والمحامين والصحفيين والمعلمين- انصرف عن دوره الأساسي وهو بناء النقابات، وغلب على أدائه العمل السياسي مما أدى لبروز خلافات بين تياراته السياسية الداخلية، وهو أمر ظهر في انتخابات السكرتارية الأخيرة والتي رأت القيادة السابقة أنها جيرت لصالح تيار واحد وهو الحزب الشيوعي مما قاد الأولى لعدم الاعتراف بهذه الانتخابات.