هل بمحض الصدفة فقط يخرج السودان بصفة نهائية، ومن أوسع الأبواب كما أتصوّر.. باب التطبيع مع دولة إسرائيل.. يخرج هكذا من قائمة الدول الراعية للإرهاب كخروج الشعرة من العجين، في ذات يوم خروج الراحل الترابي من عرش ملكه وصولجانه في الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 1999 ميلادية.
فبموجب إخطار الرئيس “ترمب” للكونجرس رسمياً في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي بقرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، يصبح يوم 12 ديسمبر 2020 بالفعل أول يوم تضرب فيه الخرطوم بأجنحة حرة محلقةً خارج قفص اللائحة السوداء التي أنشبت أظافرها، وجثمت بظلها الثقيل على صدر البلاد لأكثر من (27) عاماً.
وبالطبع هذا التاريخ 12 ديسمبر، هو ذات التاريخ الذي ابتدر فيه الرئيس المخلوع البشير قرارات قبل نحو عقدين من الزمان.. تقضي بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وإعفاء عرّاب النظام د. حسن الترابي من كل مناصبه الدستورية وخاصّةً منصبه كرئيس للبرلمان، ثُمّ ليتبع ذلك بعزله من منصب أمين الحزب الحاكم بعدة أسابيع.
وللحقيقة، فقد دخل السودان في أقل من أربعة أعوام.. قضاها تحت حكم الترابي المطلق إلى نادي الدول المارقة بفعل سياساته الخرقاء، وجنوحه الأهوج، وشهوته العارمة لزعامة عالمية دفعت البلاد ثمن مغامراته الفادحة لـ(27) عاماً هي عمر جيل أو أكثر عاش، تحت وطأة تصنيف وطنه إرهابياً.. جيل عاش تحت براثن الحصار الخانق، وفك العقوبات المُفترس، التي لم تشف جراحه الى يومنا هذا.
إنّ إلغاء الرئيس ترمب لقرار الرئيس كلينتون بإلقاء السودان في غيابت جب اللائحة الأمريكية.. المُظلمة السوداء، الصادر في الثاني عشر من أغسطس سنة 1993، وشهادته بأنّ سُودان ما بعد الترابي والبشير, لم تقدم حكومته أيِّ دعم لأعمال الإرهاب خلال الأشهر الستة الماضية، وأنّ هذه الحكومة قدمت تأكيدات بأنّها لن تدعم أعمال الأرهاب الدولي في المستقبل.
المهم, فإن طريق الخروج من هذا النفق المظلم الذي حشرت فيه الحركة الإسلامية السودان، كان طريقاً طويلاً وشاقّاً، بدأ أولاً بإزاحة الترابي عن واجهة الحكم، وإن تعذّر على تلامذته الذين نجحوا في القذف به الى خارج أسوار السلطة، نبذ أفكاره ومنهجه وسياساته التي برعوا في التحايُل لطمس وإخفاء قسماتها وملامحها، الى أن صاروا الى ما صاروا إليه وراء أقفاص الاتهام، وخلف قضبان المحاكم.