الخرطوم: جمعة عبد الله
عقب إعلان وزارة الري والموارد الماتية عن اتفاق وزراء الموارد المائية في السودان ومصر وأثيوبيا على إنهاء جولة المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي وإعادة الملف للاتحاد الأفريقي، تجدّدت الشكوك حول قدرة الأطراف الثلاثة على حسم القضية عبر التفاوض، فيما طالب خبير في القانون الدولي للمياه السودان ومصر باللجوء لمجلس الأمن لأمر اثيوبيا بوقف أي أنشطة متعلقة بالسد لحين الوصول لاتفاق ملزم حول الملء والتشغيل.
وكانت الجولة قد بدأت في 27 أكتوبر الماضي لمدة أسبوع وعجزت عن إحراز أي تقدم ملموس في الدور الذي حدده الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والمياه، وهو الاتفاق حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الخبراء في التفاوض ومنهجية التفاوض ومساراته والجدول الزمني لها.
وتمسّك السودان خلال الجولة بموقفه الرافض للعودة للتفاوض وفق المنهجية السابقة التي لم تُحرز أي تقدم وطرح السودان مقترحاً مفصلًا حول إعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف واقتراح حلول توفيقية، ورغم موافقة إثيوبيا على تعظيم دور خبراء الاتحاد الأفريقي وتقدمها بتصور مشابهة لرؤية السودان، إلا أن مصر اعترضت على المقترح وتقدمت بمقترحات تدور حول مواصلة التفاوض بالطرق السابقة.
وأكد وزير الري والموارد المائية د. ياسر عباس، أن السودان لا يزال متمسكًا بالعملية التفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقي ولكن بمهنجية جديدة للتوصل لاتفاق مُرضٍ لكل الأطراف حول ملء وتشغيل سد النهضة، وأكد أن القضايا الفنية والقانونية العالقة محدودة ويمكن الاتفاق حولها إذا توفرت الإرادة السياسة لدى كل الأطراف، وأشار إلى أن السودان لا يمكنه أن يتفاوض بلا نهاية، ولابد أن يضمن سلامة منشئآته المائية خاصة وأن بحيرة خزان الرصيرص لا تبعد سوى خمسة عشر كيلو متراً عن سد النهضة.
وفي الجانب الأثيوبي، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأثيوبية السفير دينا مفتي، أن المفاوضات الثلاثية الجارية بشأن سد النهضة لن تغير موقف إثيوبيا الثابت بشأن الاستخدام العادل لنهر النيل.
وقال مفتي خلال مؤتمر صحفي، إن دول إثيوبيا والسودان ومصر، ناقشت سبل تعزيز دور خبراء الاتحاد الإفريقي في المحادثات الثلاثية، وأشار إلى أن الاجتماع الافتراضي الذي انعقد الأسبوع الماضي أيدت فيه كل من إثيوبيا والسودان الاقتراح المطروح لزيادة دور الخبراء، لكن مصر رفضت المقترح.
يقول خبير القانون الدولي للمياه، د. أحمد المفتي، إن فشل جولة المفاوضات كان متوقعاً مسبقًا ولم يكن مفاجئاً.
وقال المفتي لـ “الصيحة” إنه ما دامت إثيوبيا لا توافق على أن يكون الاتفاق ملزماً وما دامت هي مواصلة لأنشطتها المتعلقة بالسد بغض النظر عن نتائج المفاوضات، وما دامت هي قد أعلنت أنها سوف تبدأ الملء الثاني بغض النظر عن ما تتوصل إليه المفاوضات، فإننا توقعنا أن تفشل أي جولة مفاوضات، ولذلك لم يفاجئنا بيان وزارة الري بأن المفاوضات لم تُحرز أي تقدم.
وأشار المفتي إلى أن الحل هو مطالبة السودان ومصر لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع بأمر إثيوبيا بوقف أي نشاط يتعلق بالسد إلى حين التوافق الملزم بين الدول الثلاث، وعلي السودان ومصر إظهار جديتهما بسحب التوقيع على إعلان المبادئ لسنة 2015 وعدم الدخول في أي مفاوضات من الآن فصاعداً إلى حين الاستجابة لطلبهما.
وانتقد المفتي النهج الجديد وتعظيم دور خبراء الاتحاد الأفريفي، وقال إنه سيمكن إثيوبيا من وضع مطالب جديدة على طاولة المفاوضات، وقد قامت بذلك بالفعل حيث طالبت بحصة من المياه على الرغم من زعمها المتكرر بأن سد النهضة من أجل توليد الكهرباء فقط، قاطعاً بأن كل ذلك يؤكد أنه قد خسر السودان ومصر خسارة عظيمة من جولة 27 أكتوبر ــ 4 نوفمبر 2020، كما يؤكد حصول إثيوبيا على مكاسب إضافية للمكاسب التي ظلت تحصدها منذ العام 2011.
منوهاً إلى أن إعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريفي يترتب عليه تمكين أثيوبيا من مزيد من المماطلة التي تمكنها من مواصلة أنشطتها الأحادية في سد النهضة، وعلى سبيل المثال فقد أعطتها الجولة الأخيرة من المفاوضات فرصة للاستمرار في المماطلة اعتباراً من 27 أكتوبر 2020 وحتى اليوم، وسوف يستمر ذلك إلى حين الوصول إلى حل الخلاف الحالي بين موقفي السودان ومصر, وأكد أنه إذا تم الوصول إلى تقريب وجهات النظر في اتفاق يصوغه خبراء الاتحاد الأفريقي، فإن إثيوبيا لن تلتزم به، لأن السودان لم يشترط ذلك في مطالبته بتعظيم دور خبراء الاتحاد الأفريقي.
وقلل من زعم أثيوبيا أن سد النهضة من أجل توليد الكهرباء فقط، ولما ضمنت تشييده بموافقتهما كتابة طالبت بحصة من المياه، مشيرًا إلى أنه نصح منذ العام 2011 بأن حجم السد يؤكد بأنه ليس لتوليد الكهرباء فقط، ولكنهم لم يصدقوه، والآن طلب أثيوبيا يعني خصم جزء من حصتي السودان ومصر، ونقولها بالصوت العالي للمؤمنين بفوائد السد إن جميع الفوائد التي يزعمونها لن تعوض الحصة المفقودة، والسبب في ذلك أن احتياجات الدول للمياه تزداد يومياً، وكلها ما عدا السودان تسعى لزيادة حصصها وليس لفقدان جزء منها، وإذا لم يوافق السودان ومصر على استقطاع حصة من حصصهما لأثيوبيا فإن السد يمكنها من استقطاع حصتها قوة واقتداراً، ليس ذلك فحسب، بل أن السد سوف يمكن إثيوبيا من فرض إملاءات أخرى كثيرة على السودان ومصر في مجالات أخرى غير المياه.
وقطع بأن الحل يكمُن في تعاون وثيق جداً بين السودان ومصر يشمل اللجوء لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع ويجب أن يكون التحرك أعجل ما تيسر، لأنه بعد شروع إثيوبيا في الملء الثاني (يوليو 2021) كما أعلنت، سوف تضيق الخيارات أمام السودان ومصر بل قد تنعدم كلياً.
وقال المفتي إن الاتحاد الأفريقي لم يسبق له أن قام بأي دور في مفاوضات دول حوض النيل 1995 ــ 2012 على الرغم من أنه قد شاركت فيها 13 جهة دولية من خارج القارة الأفريقية وكذلك لم يقم حتى الآن بأي تقريب لوجهات النظر في مفاوضات سد النهضة منذ بدايتها عام 2011 بما في ذلك منذ مشاركته فيها هذا العام بعد فشل جولات واشنطن.