أي يصعب تذكرها..
هكذا تفتق عقل أهل السودان الجمعي عن توصيف ساخر لأحداث زمن بعيد..
فلا تجهد ذاكرتك عبثاً…تسكت بس..
وما زلت أذكر حلقة من برنامج (الاتجاه المعاكس)…أحد ضيفيه من سنة أسكت..
أو هي كذلك معتقداته السياسية…إزاء إسرائيل..
فهي من زمن عبد الناصر… وفي مصادفة غريبة هو ذاته زمنٌ شعاره (أسكت)..
فلا صوت يعلو صوت المعركة..
وهي عبارة تصح هكذا لغوياً…لا تلك الخاطئة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)..
فمفردة يعلو تُغني عن (فوق)…الظرفية المكانية..
والضيف هذا نفسه ناصري الهوى… والفكر… و(الزمان) ؛ وهو ساطع الحاج..
فهو من زمان (رمي إسرائيل في البحر)..
من زمان العروبة… والتحدي… والعنتريات… والجمهورية المتحدة… وأحمد سعيد..
من زمان تسكت فقط…(فلا أريكم إلا ما أرى)..
وباختصار هو من زمن (سنة أسكت) ؛ سواءً كان تعبيراً حقيقياً…أم مجازياً..
بينما ضيفه كان منطقياً… ومواكباً… ومعاصراً..
وهو – في الوقت ذاته – سوري معارض؛ يكره القمع… والقهر… وشعار (أسكت)..
ومن أنصار التطبيع مع إسرائيل..
ولا يرى مانعاً دينياً… ولا عروبياً… ولا أخلاقياً يحول بين العرب وهذه الخطوة..
فكان حواراً مضحكاً…كحوار الطرشان..
فأحد الضيفين من الماضي… والثاني من الحاضر؛ وبينهما سنواتٌ حسابية وضوئية..
أي من حيث الزمن الحسابي… والزمن الحضاري..
فساطع – على سبيل المثال – لا يزال يتحدث عن أطماع إسرائيل في مياه النيل..
بينما تجاوزت إسرائيل هذه (المحطة)… تكنولوجياً..
فهي – كما يقول الضيف الآخر – امتلكت أحدث أجهزة تحلية المياه في العالم..
بل وتفوقت في ذلك على كل الدول المتقدمة..
ولديها فائضٌ الآن من المياه العذبة المحلاة… من البحرين الأبيض والأحمر..
ويمكنها أن تمد كلاً من مصر والسودان بها إن أرادا..
وليس العكس كما يظن الذي ما زال قابعاً في زمن ناصر…زمن سنة أسكت..
وكما يردد أيضاً – لا يزال – مقولة (من النيل للفرات)..
فيشرح له الضيف الآخر كيف إنها مقولة خاطئة من الأساس…من زمن ناصر..
فاللونان في علم إسرائيل لا يرمزان إلى هذين النهرين..
وإنما يرمزان إلى معتقد ديني – يهودي – قديم؛ ورد في توراة موسى عليه السلام..
ثم يطرق ساطع على وتر دعم إسرائيل لطغاة العرب..
وينسى أن حزبه نفسه يتسمى بواحد من هؤلاء الطغاة ؛ ممن يعادون الحريات..
فيرد عليه الثاني بأن هذا محض تعامل مع الواقع..
مع حكومات الأمر الواقع…وليس ذنب إسرائيل أن غالب أنظمة العرب دكتاتورية..
وهكذا يستمر السجال مضحكاً..
بين ضيف من الزمن الحاضر… الراهن… المعاصر..
وآخر من (سنة أسكت !!).