:: ومن التصريحات غير المُطمئنة، وما أكثرها، ما تحدث بها عضو لجنة صيادلة السودان المركزية الدكتور أنس صديق، لبرنامج (كالآتي)، بقناة النيل الأزرق، بحيث عكس الوضع الكارثي الراهن بالقطاع الصيدلاني، ثم قال بالنص: (الأدوية ليست من أولويات حكومة الثورة)، وقد صدق.. لقد انهارت شركات أدوية وتم تشريد العاملين بعد تآكل رؤوس أموالها، وإعلان انهيار ما تبقت من الشركات (مسألة وقت).. أما أرفف الصيدليات، فمن الفراغ، تصلح استخدامها لتربية الحمام وطيور الزينة..!!
:: فالشاهد، لقد عجزت وزارة مالية حكومة الثورة عن منح شركات النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد الأدوية، وليس هناك من حل لهذه الشركات غير الشراء من (الأسواق السوداء) ثم الالتزام بتسعيرة مجلس الأدوية، و(تخسر)، أو الإحجام عن الاستيراد، كما يحدث حالياً، فيموت المرضى.. هكذا الحال.. وقد صدق عضو لجنة الصيادلة المركزية، فإن قضية الأدوية ليست من أولويات حكومة الثورة، ولو كانت من أولوياتها لناقشتها وعالجتها كما تناقش وتعالج وتهتم بقضايا فصل الدين عن الدولة، وختان الإناث، وغيرها..!!
:: فالفجوة الدوائية بلغت مداها، وامتلأت البلاد بالأدوية المغشوشة وغير المسجلة والتي تباع خارج الأطر وقنوات الرقابة الرسمية.. ولا وجود للدولة في قطاع الصيدلة، لا بتوفير المال اللازم ولا بتوفير الرقابة اللازمة.. والمُؤسف للغاية، عندما خلت أرفف الصيدليات من الأدوية المسجلة، فإن مواقع التواصل قد حلت محل الصيدليات في توزيع الأدوية غير المسجلة، أي المستوردة بعشوائية، والتي منها المغشوشة.. هكذا حجم المخاطر، لأنّ الأدوية ليست من أولويات حكومة الثورة..!!
:: وقبل ستة أشهر، حذرت في هذه المساحة بالنص: البلاد إما على موعد مع فجوة دوائية لتوقف الشركات عن الاستيراد، أو على موعد مع ارتفاع جنوني في أسعار الأدوية في حال استيراد الشركات بأسعار (السوق السوداء)، وليس هناك أيِّ خيار آخر.. وهذا ما يحدث.. الفجوة الدوائية وارتفاع الأسعار وانهيار الشركات.. وكما اقترحت سابقاً، أكرر الاقتراح.. ولكن قبل الاقتراح، عاجلاً، يجب سد الفجوة الحالية بتوفير بعض الميزانية، وليس كلها، حتى تتمكن الشركات من استيراد الأصناف المنتهية وسد الفجوة..!!
:: أما الاقتراح، يجب تصنيف الأدوية لثلاث مجموعات، وهي أدوية مدعومة وأخرى مجانية وثالثة تجارية، وأن يتم ذلك بواسطة مجلس الأدوية.. فالمجانية هي أدوية الطوارئ والحوادث والسرطان والكلى والأطفال دون سن الخامسة عبر المشافي العامة، ويجب توفيرها بواسطة الصندوق القومي للإمدادات الطبية، ونأمل أن يتفرغ الصندوق فقط لهذا الدور، بدلاً من التجارة.. أما الأدوية التي يجب دعمها فهي أدوية السكري والضغط والأزمة والصرع والأمراض النفسية وغيرها من أدوية الأمراض المزمنة..!!
:: أدوية الأمراض المزمنة هي التي يستخدمها المرضى (مدى الحياة)، وهي الأكثر استهلاكاً وإرهاقاً للأسر، ويجب دعمها.. وعليه، بما أن الحكومة عاجزة عن دعم (كل الأدوية)، فما عدا الأدوية المنقذة للحياة، وهي التي يجب توفيرها في أقسام الطوارئ – مجاناً – بواسطة الإمدادات الطبية، ثم أدوية الأمراض المزمنة الواجب دعمها، فلتكن الأدوية الأخرى تجارية، أي مرفوعاً عنها الدعم.. هذا محض اقتراح، لحين تجاوز الأزمة الاقتصادية.. وبالتأكيد هناك حلول أخرى، بطرف آخرين، ولكن يبدو أن حياة الناس ليست من أولويات حكومة الثورة..!!