محمد إبراهيم يكتب : ومن يعبأ؟
* من يعبأ بإرث مطرب وصفه صديق دربه ورفيقه في أغاني الناس والوطن والحب والثورة الراحل “حميد” بقوله:
ﺗﻐـﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌـﺐ ﻻﻣـﻦ ﻛـﻼﻙ ﺩﻣــّـــﻦ
ﻻ ﺷﻜـــﺮﺍً ﺭﺟــﻴـﺖ ﻻ ﻣـــﻦ
ﻓﻬـــﻞ ﻳﻌﻨـــﻲ ﺍﻟﻨﻬـــﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤـــﻮﺕ
ﻭﻳﻨﺒﻌـــﺰﻕ ﻏﻨـــﺎﻙ ﺳـــﺪى؟
ﺃﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻐــﻴـﻢ ح ﻴﻨﺴـــﺎﺑﻖ
على ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﻌــﺰﻳـﺰﺓ ﻓـــﺪﺍ
ومن يعبأ بتجميع إرث فنان دميت كلاه يغني للوطن حتى رمقه الأخير.. شاهراً دعواته في الحق الطبيعي لإنسانه في العيش الكريم.. ومنافحاً شرساً عن مطلوباته في الحرية والكرامة.. وما حنثت تلك الأغاني ولا فارقت طريقها، ليخط بدمائه وسهره ودموعه مشروعاً غنائياً متكاملاً.. ولكنه حورب لضيق الأفق الأيديولوجي للممسكين على أمر الإعلام والتوثيق في بلادنا.
ولكأني بـ”حميد” في لقائه بالنيل الأزرق وهو ينتحب دمعاً يطلب من الجهات المختصة ضرورة حفظ آثار الراحل وأثره.. وتتسرب أدمع “حميد” أسفاً على صديقه الراحل.. ولا تجد أذناً صاغية من الوزارات والجهات المختصة لأن من يقومون على أمرها موظفون وليسوا مبدعين لا يستطيعون استيعاب مشروع “مصطفى سيد أحمد” الغنائي..
* من يعبأ بمطرب دلق عمره متبتلاً في محراب التغني بالحب والبلد.. منحه راحته وروحه.. ومكث غير بعيد عن أفئدة الناس يتلو عليهم سيرة (الوطن الواحد) متنقلاً بصوته الطلق.. وحنجرته الفتية حتى أصابها الإعياء متغنياً لجوبا وفيفيان.. وللكدرو وللحزن الكبير في صحو الذكرى المنسية.. يضحك بقلب طفل يطرب فرحاً لمعانقة صديق أو محب.. من يعبأ بـ”النور الجيلاني” وهو يمنح وطنه الصغير الكدرو صيتاً وعشقاً وبراً لها، ويهب وطنه الكبير سلامته.. ويحشد طاقاته الحيوية لينشر حكايات العشق البريء مغنياً للأطفال والوطن وحواشي المدن والأبنوسيات الخلاسيات فاتنات الوطن؟
“النور الجيلاني” كان مطرباً مشحوناً بعشق بلده على طريقته الخاصة بالتغني لكل جمال فيه.. من يعبأ به وهو أحق الناس بالتكريم والاحتفاء..؟
* من يعبأ بمواطن يوصل أمسياته مع صبحه مأسوراً في سجن وظيفة لا تكاد تسد رمقه.. وآخرون يعملون على اكتناز الأموال بحلب آخر ما قد يتبقى من جيبه؟ من يعبأ بتلك الشموس التي (تصاقر الصي) صبحاً ومساءً بحثاً عن (لقمة عيش) مغموسة بعرق الكد والاجتهاد وبعض ضعاف النفوس والأخلاق والدين ينظرون، و(تماسيح) (اللقمة) و(الهدمة) يرون في كل أزمة تحل بهذا البلد فرصة يجب اغتنامها لكي تمتلئ خزائن (أموالهم) ولا يهمهم إن نضبت خزائن (حسناتهم)، يشحذون هممهم نحو الثراء.. لا يهم إن كان على حساب الناس مضاربة واحتكاراً للسلع الضرورية.. أو بيعاً حسب السعر الذي يغذي تلك الخزائن بقوت البسطاء وذوي الدخل المحدود والمنهك أصلاً بفعل سياسات الإفقار الاقتصادي.
{ ومن يعبأ بهؤلاء الذين يهيمون على وجوههم سعياً وراء رزق حلال.. ولكن آخرين يسلبونهم هذه الصفة بعد أن تدحرجت ضمائرهم لتقبع في الصف الأخير من صفوف الإنسانية يهمهم فقط أن يكونوا أكثر ثراء وأن تتضاعف أموالهم.. لا يهمهم طالما السوق مطلوق بفعل سياسة (التحرير الاقتصادي) التي تجعل السوق رهيناً بقوة العرض والطلب.. فهل تعمل حكومة الثورة على إلغائها؟