:: على سبيل المثال، في الجزائر يلقبونها بـ(ملح اليد)، وفي الخليج (دهن سير)، وفي مصر (حلاوة) و.. وهكذا.. تتعدد الألقاب وتختلف، حسب اختلاف الشعوب وتعدد ثقافاتها، ولكن كل تلك الألقاب هي (الرشوة)، لعنها الله.. أما في بلادنا، فإن الرشوة (حق)، ومن الطبيعي أن يسألك المرتشي (حقي كم؟)، ويغضب حين يكون ما أسماه بالحق قليلاً، وهذا يعني تصالح الراشين والمرتشين مع هذه اللعينة (الرشوة).. كما أصبحت الرشوة عند المفسدين (حقاً)، يبدو أن التسول أيضاً أصبح عند السادة المسؤولين (حقاً)..!!
:: ويوم الخميس الفائت، كان مُحزناً حديث وزير التربية والتعليم محمد الأمين التوم في منتدى الزميلة (التيار).. والمحزن في حديث الوزير التوم ليس عجز الحكومة عن التزام بمجانية التعليم، وكانت قد وعدت بهذه المجانية، بل ما يلي: (طلبنا من سفارات ألمانيا واليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية منحنا ورقاً لطباعة الكتاب المدرسي، ولم نجد استجابةً منها، وقامت إحدى السفارات بمنحنا 30 ألف دولار، وقمنا بإعادتها لها)، هكذا معدل التسول في بلادنا..!!
:: ليبقى السؤال، ما الذي أغضب السادة بوزارة التعليم لحد إرجاع تبرع السفارة (30.000 دولار).. فالسادة المتسولون لم يغضبوا إلا لتصالحهم مع التسول، بحيث يريدون من السفارة ورق الكُتب أو (مبلغاً أكبر) من (30.000 دولار)، بحيث يكون قيمة الورق…. تسولوا السفارة، فأعطتهم مبلغاً قليلاً، فغضبوا وأعادوا المبلغ – بلا حياء – وكأن لهم دَيْنٌ مستحق على السفارة.. وبالمناسبة، سادة النظام السابق أيضاً كانوا يتسولون، ولكن بحياء، بحيث لم يكن مال التسول (حقاً) يستدعي الغضب عليه، كما الحال الآن..!!
:: ثم السؤال المهم، ما علاقة وزارة التعليم بميزانية طباعة الكتب، بحيث تتسول السفراء، ليعطوها قليلاً أو يمنعوها؟.. للأسف، لا علاقة للوزارة بهذه الميزانية وغيرها من ميزانيات التعليم، وكان يجب أن ينتهي دورها بالانتهاء من تجهيز الكتب، ثم طلب ميزانية الطباعة من وزارة المالية.. لو كانت دولة مؤسسات، يسود فيها نهج المؤسسية، وليس النهج العشوائي، فإن وزارة المالية هي السلطة المسؤولة عن تجهيز ميزانية طباعة الكتاب المدرسي، بالإنتاج أو بالتسول..!!
:: وهل وزارة المالية على علم بتسول وزارة التربية والتعليم؟ أم هي آخر من تعلم؟.. وهل التسول – من السفارات والدول – مسموح لكل المسؤولين، أم فقط لوزير التربية والتعليم؟.. كان المأمول أن تختلف حكومة الثورة عن حكومة الفوضى، بحيث تلتزم بترسيخ دولة المؤسسات التي فيها لا يتجاوز الوزير (حدوده)، ولا الوحدة الحكومية (سلطاتها)، ولكن للأسف لم تختلف، ولم نعد نعرف إن كانت هي حكومة ثورة أو حكومة فوضى..؟؟
:: وعلى كل حال، كما تتسول القمح والوقود والإغاثات، أصالة عن نفسها وإنابة عن مجلس الوزراء، فليس هناك ما يمنع وزارة المالية عن تسول تكاليف طباعة الكتاب المدرسي أيضاً.. هي بنفسها، وبلا وسطاء.. نعم، بما أنها فشلت في إدارة موارد البلد كما يجب، فمن العيب أن تمنح وزارة المالية حرية التسول لكل المؤسسات، بما فيها وزارة التربية والتسول، عفواً التربية والتعليم.. وبما أنها عجزت عن خلق مناخ الإنتاج، فعليها احتكار التسول..!!