البرهان بالقاهرة.. أكثر من ملف
الخرطوم: صلاح – نجدة
فِي زيارة غير مُعلنة، يمّم رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أمس، إلى الجارة مصر، في زيارة أثارت انتباه القِوى المحلية، بجانب الإقليمية والدولية الفاعلة في ملف السودان, وارتفعت معها ردود فعل على منَصّات التواصل الاجتماعي، لا سيما وأنّ الزيارة جاءت عقب حدثين مُهمّين للخرطوم الأيام الماضية، أولهما رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والثاني إعلان التطبيع مع إسرائيل والدور الذي يُمكن أن تقوم به مصر في هذا الشأن، ولأن الزيارة التي لم تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، فإنها تحمل أكثر من دلالة محددة الأهداف تهم البلدين في المرحلة المُقبلة, ربما الأسئلة تُطرح من خلال الوفد المرافق للبرهان الذي رافقه وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين، ومدير المخابرات العامة الفريق أول ركن جمال عبد المجيد، فما هي أجندة الزيارة والملفات المهمة التي حملها البرهان؟!
أهم الملفات
ووفقاً للمُتابعات، فالزيارة جاءت في إطار تلبية لدعوة رسمية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونقلت تقارير عن قنصل عام مصر في السودان المستشار أحمد عدلي إمام، أن زيارة البرهان إلى مصر تأتي في إطار التشاور الأخوي بين قيادتي البلدين، حول الملفات ذات الاهتمام المشترك، وأكد أن أهم تلك الملفات هي بحث تعزيز الارتقاء بأواصر التعاون المُشترك بين البلدين، والإشادة بالدعم المصري غير المَحدود لِصالح الشعب السوداني وخياراته وللحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المُنعطف التاريخي المُهم الذي يمر به، وتقديراً للحرص الذي تبديه مصر من أجل دعم الشعب السوداني، واستعراض تطوُّرات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة للتعامُل مع المستجدات في هذا الصدد, واستمرار التشاوُر المُكثّف بهدف المُساهمة في تحقيق استقرار السودان وتفعيل الإرادة الحرة للشعب السوداني.
وأفادت مصادر بأنّ لقاء البرهان والسيسي طغت عليه الملفات الأمنية والسياسية، حيث ناقش تبادل تسليم المطلوبين الأمنيين بين البلدين.
زيارة قصيرة
البرهان الذي وصل على طائرةٍ خاصةٍ وتم إنهاء إجراءات وصوله باستراحة رئاسة الجمهورية بالمطار، كان في استقباله وزير الزراعة وعدد من المسؤولين، فيما ذكر المُتحدِّث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي، أنَّ الرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل البرهان بقصر الاتحادية، في حضور د. محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، وعباس كامل رئيس المخابرات العامة، والسفير المصري بالخرطوم.
وصرّح راضي بأنّ السيسي رحّب بالبرهان في القاهرة، ونوّه إلى الروابط الأزلية التي تجمع شعبي وادي النيل، والترابط التاريخي بين مصر والسودان، ووحدة المصير والمصلحة المُشتركة التي تربط بين الشعبين الشقيقين.
وأكد السيسي، الموقف المصري الاستراتيجي الثابت الداعم لأمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق، وحرص مصر على مُواصلة التعاون والتنسيق مع السودان في جميع الملفات محل الاهتمام المُتبادل، والدفع نحو سُرعة تنفيذ المشروعات التنموية المُشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية من أجل شعبي البلدين، وأشار إلى متابعته الحثيثة لجميع التطورات الراهنة على الساحة السودانية إقليمياً ودولياً، مُؤكِّداً مُساندة مصر لإرادة وخيارات القيادة السياسية في السودان الشقيق في صياغة مُستقبل بلادهم، ومرحباً بكل الجُهُود التي من شأنها مُساعدة السودان على مُواجهة الأزمة الاقتصادية لما فيه صالح الشعب السوداني، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار والسلام الإقليميين.
روابط تاريخيّة
بدوره، أكّد البرهان، متانة الروابط التاريخيّة المُتأصِّلة بين مصر والسودان، وأشاد بالجُهُود المُتبادلة لتعزيز أواصر التعاون المشترك بين البلدين، مؤكداً حرص السودان على مواصلة التنسيق مع مصر في كل الملفات محل الاهتمام المتبادل. كما استعرض البرهان تطوُّرات الأوضاع في السودان والجُهُود المبذولة للتعامُل مع المُستجدات في هذا الصَّدد، بما فيها التوقيع مُؤخّراً في جوبا على اتفاق السَّلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة، مُعرباً عن تقدير بلاده للدعم المصري غير المحدود للحفاظ على سلامة واستقرار السودان ومُؤازرته للنجاح في المرحلة الانتقالية الراهنة.
وعقد البرهان عقب لقائه السيسي، لقاءً مع رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني، مُرشد الطريقة الختمية بمقر إقامته في القاهرة للاطمئنان على صحته وبحث القضايا الوطنية والمُستجدات على الساحة السياسية.
سد النهضة
الشاهد أنّ الزيارة جاءت في الوقت الذي تنطلق فيه جولة جديدة من المُفاوضات حول سد النهضة برعاية أفريقية، وكانت الجولة قد استبقتها تحذيرات من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، من أن أزمة السد قد تؤدي إلى تحرُّكات عسكرية، لكن وزارة الري المصرية أيضاً استبقت الجولة بالإعلان عن استعدادها للمشاركة في المفاوضات من أجل التوصُّل لحلٍّ عادلٍ، أمّا وزارة الري بالخرطوم فقد أعلنت عن تمسُّكها بالمُفاوضات الثلاثية ولكن بمنهجٍ مُغايرٍ، كما شَدّدَت على أنّه لا يُمكن مُواصلة التفاوض بطريقة الجولات السابقة، والتي وصلت إلى طريق مسدود.
وأوضح السفير بسام راضي، أن اللقاء شهد التباحُث حول مُجمل القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المُتبادل، كما تم استعراض تطوُّرات ملف سد النهضة في ضوء المَوقف الحالي للمُفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، حيث تم التوافُق حول الأهمية القُصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، واتفق الجانبان على التمسُّك بالتوصُّل إلى اتفاقٍ قانوني مُلزمٍ يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة، ويحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.
علاقات أزلية
وتُحافظ مصر على علاقات مُتوازنة وجيدة مع السودان، لكن التغييرات الجديدة ربما تتطلب أن تقوم القاهرة بإعادة تقييم ومُراجعة سياستها واستراتيجية عملها في المنطقة العربية والأفريقية، وخاصّةً في أطراف دول حوض النيل.
ويرى المحلل الاستراتيجي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة)، أنّ الأنظمة في مصر والسودان تُواجه الآن أزمات حقيقيّة، فبينما تواجه القاهرة أزمة شُح المياه مُستقبلاً، تغرق الخرطوم في أزماتها السياسية والاقتصادية، أضف إلى ذلك ملف سد النهضة، حيث تسعى مصر لتحالف ثنائي مع السودان لترجِّح به كفتها وتكسب به التأييد والدعم الدولي في هذا التوقيت، حتى إذا ما خسرت صراعها مع الجانب الإثيوبي يمكن أن تسعى للاستفادة من الفائض من مياه السودان, وأشار إلى أن العلاقات بين الجانبين يُمكن أن تتحسّن في الفترة القادمة بصورة كبيرة في حال التزم الطرفان بتطويرها.
الربط السِّككي
وكان وزير النقل المصري كامل الوزير، وقّع الأحد الماضي على وثيقة تعاون في مجال الربط السِّككي بين أسوان ووادي حلفا، وسلّم الوثيقة لسفير الخرطوم بالقاهرة، تمهيداً لتوقيع نظيره السوداني هاشم ابن عوف عليها للبدء في تنفيذ المشروع. وتتضمّن الوثيقة، توفير التمويل اللازم لبدء دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لمشروع الربط السِّككي بين مصر والسودان، والذي سيمتد في مرحلته الأولى من مدينة أسوان وحتى جنوب وادي حلفا، حيث سيكون التمويل من خلال التنسيق والتعاون بين القاهرة والخرطوم والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية.